سوق العمل و الوظائف المتاحة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/أبريل/٢٠١٦ ٠٨:٠٥ ص
سوق العمل و الوظائف المتاحة

محمد محمود عثمان

الوظائف متوفرة في سوق العمل تحت مظلة مسميات ولوائح ونظم قديمة لم تتطور منذ عدة عقود لذلك من الضروري مراجعتها وتطويرها بما يتناسب ومتطلبات واحتياجات العصر ، فلقد شدني قراءة إحصائية حديثة في وزارة القوى العاملة لعدد العمالة الوطنية والوافدة في إحدى المهن على سبيل المثال في شركة نفطية كبرى ، وهذه المهنة لا تتطلب سوى تكثيف التدريب المهني وإكساب العامل المهارات التي تتطلبها هذه المهنة ، ومنها لحام البلاستيك أو الحديد أوالنجارة ، فعلى سبيل المثال فإن عدد العاملين بها122 عاملا منهم عامل عماني واحد فقط ، وهذا الوضع منذ أكثر من 15 سنة وحتى الآن ،ولم تفطن الشركة لتدريب العاملين على هذه المهن وهم على رأس العمل ، أو طلب ذلك من مراكز التدريب المتخصصة، أوإنشاء مركز تدريب بالشركة لتوفيرالأعداد التي تحتاجها من العمالة الفنية الماهرة ،وتنفيذ خطة إحلال متدرجة ، خاصة بعد أن أغفلت أو تغافلت الجهات الإدارية والمسؤولة عن إلزام الشركات بذلك ، أوالعمل على مدها بالعاملين المدربين على هذه المهن ،لإجراء عمليات الإحلال وفق خريطة زمنية واضحة ومحددة وملزمة في ذات الوقت ، بناء على قاعدة بيانات ومعلومات حول عدد ونوع المهن الفنية المطلوبة في سوق العمل ومستوى المهارات المطلوبة أو المتوفرة في السوق ، وعدد مراكز التدريب والكوادر التدريبة بها أو المطلوبة ، وعدم الركون إلى أن الشركات تحقق نسب التعمين المطلوبة منها ، حتى وإن كانت مقتصرة على المهن الدنيا والوظائف البسيطة ، في ظل عدم التخطيط الجيد ليكون التعمين متدرجا وشاملا لكل المستويات الوظيفية من أدناها إلى أعلاها ،لأنه لا يمكن أن تظل نسب التعمين كما هي بدون تعديل أو ضوابط منذ سنوات طويلة، لضمان عمليات إحلال في طبقة الوظائف المتوسطة والعليا ، وهذا يحتاج إلى إلى إعادة نظرلتنسيق السوق ونشر ثقافة العمل وإدارة الموارد البشرية وفق خطط تدريبية محددة ، للاستفادة منها بعد إعادة تأهيلها و تدريبها على المهن التي تحتاجها الأسواق ، كما يتطلب الأمر إنشاءالمزيد من مراكز التدريب المهني والتقني المتخصصة التي تستحوذ على جزء كبير من ميزانية الدولة ، ومتابعة جديتها لتعويض الاحتياجات الفعلية لسوق العمل ، وكذلك تعديل نسب التعمين التي توجهها الشركات إلى الوظائف والمهن الدنيا
لأن الطفرة الاقتصادية والتنموية التي تشهدها معظم الدول العربية ودول الخليج ، تحتاج إلى الأيد العاملة المدربة القادرة على العمل والإنتاج في كل المستويات الوظيفية والمهنية ، ولا ننكر أننا نعاني من النقص الشديد في الأيد العاملة الوطنية الماهرة والمدربة القادرة على تحمل مسؤوليتها في عمليات التنمية الاقتصادية المستدامة؛ ومن العبث أن نستمر في تقديم الحماية القانونية للعامل المتقاعس عن تنمية مهاراته وخبراته الذاتية ، التي تمكنه من المنافسة في سوق العمل ، الذي تحكمه آليات السوق المتمثلة في العرض والطلب والتي تحبذها اتفاقيات منظمة التجارة الدولية ومنظمة العمل الدولية والعربية ، وهي من المعايير التي لا يجب أن نغفل أو نتغافل عن جعلها ضمن مجموعة النظم والتشريعات المنظمة لسوق العمل العربي ، حتى يكون منسجما أو متسقا أو متفاعلا مع المتغيرات والمستجدات العالمية في مجالات العمل والتدريب ، الذي يخدم العملية الإنتاجية والتنموية ، لأن ما نشاهده في معظم أسواق العمل العربية أنها لا زالت مهترئة وينقصها التطبيق العلمي لآليات السوق ، الأمر الذي تسبب في أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية تتعلق بالقدرة الإنتاجية وعلاقتها بمستويات الأجور والرعاية والحقوق العمالية ، ومدى العائد الفعلي على المستوى المنظور في شركات ومؤسسات القطاع الخاص ، التي تحتاج إلى أيد عاملة ذات خبرات ومهارات متميزة، تستطيع من خلالها تحقيق أهدافها ، وتغطية متطلبات التشريعات الوطنية التي تعني بزيادة الرواتب والأجور وحصص التأمينات الاجتماعية وشتى المميزات التي تقدمها المؤسسات الحكومية الأخري ، وهى معادلة صعبة ، خاصة إذا كانت الحكومات لا تقدم الدعم المادي لشركات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة ، التي لا تستطيع تحمل تكاليف تطبيق منظومة الأجور والامتيازات التي تفرضها قوانين وتشريعات العمل ، مما يجعلها تلجأ إلى الأيد العاملة الأجنبية الرخيصة والمدربة في ذات الوقت حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، الأمر الذي يجعل من سيطرة الأيد العاملة الماهرة والمدربة أمرا واقعا سواء أكانت وطنية أم أجنبية ،ولا سيما أن اللجوء إلى القوانين والإجراءات الحمائية ،لبعض المهن والوظائف ، يضر بأسواق العمل وبمستوى مهارة وخبرة الأيد العاملة المحلية التي تتناقص على المدى البعيد ، لأنها لا تمكن العامل الوطني من تنمية قدراته ومهاراته بالصورة الصحيحة ، والتي بدونها لا يمكن أن تتطور أو تستقر أسواق العمل العربية ، ولا ننكر أن المعادلة تزداد تعقيدا مع زيادة حجم البطالة وأعداد الباحثين عن عمل أو البطالة المقنعة،خاصة مع تفاقم أزمة تراجع أسعار النفط التي تمثل في حال استمرارها لعدة سنوات قادمة كارثة حقيقية ، وكلها تشكل عناصر الأزمات الاقتصادية ،التي تؤثر سلبا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا على كل فئات المجتمع ، الذي اعتاد لسنوات طويلة على الرفاهية ، وأصبحت هناك صعوبة في تقبل أو تحمل التبعات الاقتصادية الجديدة التي لم يتعودعليها .