من يتحمل المسؤولية عن تباطؤ الاقتصاد؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٠٥ ص
من يتحمل المسؤولية عن تباطؤ الاقتصاد؟

ستيفن راتنر

أجراس إنذار اقتصادية تدق معلنة حالة تراجع في الأسواق المالية، فيما تتفاوت توقعات المراقبين حول مستقبل النمو. وتتنبأ أصوات حكيمة رائدة – بما فيهم الملياردير جورج سورس – باحتمالات العودة الى الأوضاع الكارثية التي شهدها العالم عام 2008. وربما تكون تلك نظرة مفرطة في التشاؤم ، ولكن المؤكد أن الاقتصادات العالمية الرائدة تعاني من تباطؤ كبير.
وليس واضحاً بعد ما إذا كان ركود آخر يلوح في الأفق، بينما تشير البيانات الحالية إلى أن النمو المتواضع مستمر في الولايات المتحدة، إلا أن توقعات المؤسسات الاقتصادية دائما ما تثبت فشلها في التنبوء بالركود. وكما أشارت مجلة الايكونوميست فإنه خلال الفترة من 1999 الى 2014 أخفق صندوق النقد الدولي في توقعاته السنوية في شهر ابريل في التنبوء بأوضاع جميع الحالات الـ 220 إزاء تعرض أحد أعضائه لنمو سنوي سلبي في العام التالي. حتى أن مجلس الاحتياطي الاتحادي وصف التوقعات أخيراً ، وعلى نحو غير معهود، بأنها "غير واضحة".
أما الشئ غير المعتاد إزاء التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي اليوم فهو مدى ما أضافته الحكومات في أنحاء العالم الى المشاكل القائمة بدلا من التخفيف منها. فالخيارات السياسية الضعيفة مثل أولويات الإنفاق الخاطئة والكثير من التقشف، أضافت أعباء على النمو. والجدير بالذكر أن عدم اتخاذ اجراءات كان له تاثير سئ على ثقة الأعمال والمستثمرين، وهي آلية دعم هامة للأسواق والمستهلكين على حد سواء.
بيد أن اللوم لا يمكن أن يلقى على الحكومات وحدها، فالاسباب التي تقف وراء الترهل الاقتصادي متنوعة ومختلطة. ويأتي في المقدمة أن المنافسة العالمية وضعف نمو الإنتاجية كان نتيجته انخفاض الأجور في الدول المتقدمة، ما تبعه تقلص الإنفاق الاستهلاكي مع ارتفاع الادخار وعدم المساواة في الدخل، وترتب عليه المزيد من المال في أيدي الأغنياء، الأقل احتمالا للإنفاق.
وفي ظل غياب الثقة وضعف الطلب، تراجعت الشركات مرة أخرى عن الاستثمار، فالتحديات التي يشهدها قطاع الطاقة على سبيل المثال أدت الى خفض الإنفاق على الأجهزة والمباني. وتأتي الجهود حسنة النية لتجنب أزمة مالية أخرى في النظام المصرفي في صورة قيود لا تشجع الاقراض وتحد من السيولة للمكاتب التجارية، ما ساهم بقوة في تقلبات السوق.
وبدورها أدت حالة ضعف أسواق الائتمان الى إثارة مخاوف من إفلاس الشركات، وفي حين ساعد تراجع أسعار النفط والسلع الأخرى البلدان الصناعية، إلا أنها عانت ليس فقط زيادة العرض ولكن أيضا انخفاض الطلب الى حد مخيب للآمال.
ومع كل ذلك لم تفعل الحكومات ما يكفي لمساعدة الوضع، بينما فعلت الكثير لتفاقم منه. وها هي محاولة واشنطن لمكافحة العجز قد أدت الى خفض متهور في الانفاق، وبموجبه انخفضت النفقات التقديرية غير الدفاعية (التي تشمل الجوانب الدافعة للنمو في مجالات رئيسية مثل البحث والتطوير والبنية التحتية) بنحو 20 في المئة من القيمة الحقيقية خلال السنوات الخمس الماضية ، في الوقت الذي كان ينبغي أن تزيد بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، لم يقر الكونجرس خطة إصلاح ضريبي شاملة في ثلاثة عقود، والتي أعطت الخبراء الأذكياء ثغرات وبخاصة للشركات متعددة الجنسيات الحريصة على خفض فواتير ضرائبها بعزل الأرباح في الخارج.
وما يزيد من تأجيج الخوف بشكل أكبر بين أوساط المستهلكين ورجال الأعمال على حد سواء الانتخابات الرئاسية التي تلوح في الأفق، والقوة المدهشة لمتنافسين مثل دونالد ترامب وبيرني ساندرز، ممن يعدون بتغييرات غير تقليدية - يحتمل أن تكون مدمرة - في حال انتخابهم.
أما أوروبا فهي تعيش حالة أكثر سوءا، في ظل ما تعانيه من نظام العملة الموحدة ضعيف البناء، ما يجعل القارة تنتقل من أزمة إلى أخرى فيما تفشل البلدان الأضعف مثل اليونان في مواكبة المارد الألماني.
وفي حين أن إصلاح الجهاز التنظيمي في الولايات المتحدة سيحقق نتائج اقتصادية إيجابية، فإنه بالنسبة لأوروبا مهمة عاجلة. فقوانين العمل المتصلبة في دول مثل فرنسا تؤدي الى معدلات بطالة تزيد على 10 في المائة. وفي العديد من البلدان الأوروبية يمثل الروتين التنظيمي عائقا أمام الأعمال الجديدة المبتدئة. وأدى التوجه الألماني الحاد للطاقة المتجددة الى زيادات كبيرة في التكاليف للقطاع الصناعي. وفي الوقت نفسه، فالجهات الفاعلة الرئيسية في القطاع الخاص تخشى أن البنوك المركزية، التي أبقت النمو على قيد الحياة بالحفاظ على أسعار فائدة قريبة من الصفر، قد نفدت عدتها، ما يجعل الحاجة الى سياسة مالية قوية أكثر الحاحا.
ثم هناك الصين، وعلى عكس نظرائهم في البلدان المتقدمة، فالقادة الصينيون لا يبدون تخوفا من الإقدام على أخذ الاجراءات، ومشكلتهم أنهم في كثير من الأحيان لا يبدو أنهم يعرف ما يجب عليهم القيام به، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإدارة الأسواق المالية. وعندما تباطئت الأسهم الصينية، شجعت السلطات المواطنين على شرائها، ومع ارتفاع الاسهم تقلصت قدرة الشراء على الهامش، ما تسبب في هبوط الأسعار. وبالمثل، ابتداء من شهر أغسطس الماضي، قامت الصين بخطوات مضطربة لإنهاء ربط عملتها بالدولار القوي، ما أدى إلى هروب رؤوس الأموال الضخمة من الدولة. ( 159 بليون دولار في شهر ديسمبر وحده).
والأكثر إثارة لمخاوف المراقبين الصينين الزيادة السريعة في ديون الدولة، وجميع هذه المخاوف تزيد من حالة الغموض في البلاد، وعلى سبيل المثال، لا يعتقد أي من الخبراء أن الصين لا تحقق نموا بمعدل يناهز 7 في المئة كما تزعم.
وكان السبب الأكبر وراء أزمتي الركود السابقتين هما الإقراض المحفوف بالمخاطر في منتصف العقد الأول وفقاعة الدوت كوم في مطلع هذا القرن. وهذه المرة، إذا فشلنا في الخروج من الركود الحالي – أو ربما أسوأ من ذلك أن انزلقنا الى ركود عالمي – فإن القادة هم من سيتحملون المسؤولية عن ذلك.
مستشار بارز في قوة المهام الرئاسية لإدارة أوباما في العام 2009 وكاتب عمود رأي