شكراً ملائكة الرحمة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/يوليو/٢٠٢١ ١٤:١٢ م
شكراً ملائكة الرحمة

بقلم : أحمد بن سعيد البوصافي

تنساب الكلمات من بين الأصابع كشلّالٍ تتدفق فيه المشاعر لتروي حقول العطاء الذي يقدّمه المخلصون، فتُزهِر شُكرًا وثناءً لأرواحٍ شامخة وعظيمة، ما فتئت تُقدّم عطاءها، كالشمس إذ ترسل خيوط الضوء فتشرق الأرض بنورها، فبوركت تلك الأرواح في خطواتها وأدائها.

مع ما يشهده العالم أجمع من أزمةٍ أطاحت في بعض البلدان بأنظمتها الصحية، وبينما تصمد بعض الأنفس تجابه أخطار الوباء لأجل صحّتنا وسلامتنا، فإن الكلمات تنساق إلى تلك الروح التي ترتدي جسدًا من بياض الثلج، وتتطيّب من رائحة الملائكة، تسيرُ محفوظة ببركات دعاء الأمهات والآباء، هذه الروح التي تجوب الممرات، وتوزِّع الأمل والابتسامات في الأجساد التي أنهكها التعب وأرهقها المرض، هذه الروح التي تصنع من عجينة الصبر ضمادات على الجباه المنهكة، الروح التي لا يحدّها زمان ولا مكان من أجل إنقاذ روح أخرى تصارع في هذا الفضاء الواسع من العالم، للحفاظ على جذوة الحياة مُتَّقِدة في جسد المريض، تُجاهِد ألاّ تخبو وتذبل أقاحي الروح عند عتبة قلب داهمه المرض. 

هذه الروح التي في عينيها بقايا دموع لا تجفّ، دموع فرح وحزن تتشابك في مسرى خَدّيها، دموع فرح وهي تُنشر السعادة على قلوب أهل المريض، فتمدّدُ جذورها لتغوص في أعماقِهم حين تسوق لهم بُشرى شفاء مريضهم، ودموع حزن برائحة الفقد تفوح من قاعِ روحها لتلامس جدران قلوبهم إذا ما شاء القدر مفارقة عزيزٍ لديهم، هذه الروح التي رُغم ما يحيط بها من صعاب، وما يُرهق جسدها وفكرها من معضلات تعايشها طوال أوقات عملها ليلًا ونهارًا، ورغم ما قد تصل إليه حالة المريض من حرجٍ يزداد فيه شرخ المرض اتساعًا، إِلاَّ أن بوادر الأمل كانت تتسرّب من ذلك الشرخ نفسه، فتنبعث بشارات الشفاء، فيدخل النور عبر نوافذها ليتسلل لتلك الأجساد التي حنّت لملامسة العافية، فينزل عليها كالغيث الذي يلامس الأرض الهامدة، ولم يكن ذلك إلا بتضحياتٍ وتفانٍ قدّمتها تلك الروح البيضاء من الكادر الطبي والتمريضي بعد توفيق الله. 

هذه الروح التي لا تفهم معنى العنصرية والسياسة والدين من أجل علاج من يعاني ألمًا ووجعًا، هذه الروح التي وهبها الله من عنده خصالًا امتازت بها فمكّنتها من زرع الابتسامة في وجوه أجسادنا المتعبة في هذا الوجود، روحٌ حباها الله من الطهر والقوة ما مكّنها من تحمُّل ثقل الأيام، وتزاحم الأشياء، وتوالي منغصّات الحياة وأضدادها في آنٍ واحد!.

في هذا الوقت وفي هذه الأوضاع الراهنة لكوفيد19 نرى الموت ولا نراه، وهذا الطاقم الطبي من أطباء وممرضيين ( إناثاً وذكوراً ) يتركون عائلاتهم وكل الأشياء خلفهم من أجل إنقاذ الحياة اليومية التي يسعى لها الجميع، من يستطيع أن يكون مثلهم؟! من منا يستطيع أن يقضم الخوف والموت على عجالةٍ في ذات اللحظة من أجل إنقاذ مصاب لا يستطيع التنفس، من يستطيع أن ينسى نفسه من أجل الآخرين في لحظة الاتزان وفي لحظات العشوائية، من منا يستطيع أن يفعل كل هذا مرة واحدة، من منا يستطيع فعل هذا؟! لا أحد، نعم لا أحد، لهم جميعًا نضع الدعاء وكل الدعاء لهم.

اللهم السلام والحب لكل المرضى على هذه الأرض، اللهم السلام والحب لكل الطاقم الطبي على هذه الأرض، السلام وكل السلام لمن يمدُّ قلبه قبل يديه لأنّاتِ المرضى وآهاتِهم.

alweez-123@hotmail.com