وفاة شقيقين غرقًا .. بالتفاصيل رحلة عائلية تتحول إلى مأساة في سمائل

بلادنا الاثنين ٢٦/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٢٣ ص
وفاة شقيقين غرقًا  .. بالتفاصيل رحلة عائلية تتحول إلى مأساة في سمائل

مسقط – علي البادي

تلقت قبل فترة قصيرة ولاية سمائل خبر مفجع بوفاة الشقيقين أحمد ومحمود أبناء خالد الجابري غرقا في أحد البرك المائية في محافظة الداخلية وتم انتشالهما مفارقين للحياة.

وفي حديث حصري لـ "الشبيبة" و "تايمز أوف عمان" قال والد الشقيقين خالد بن محمد الجابري " أنا مفجوع برحيل أبنائي أحمد ومحمود ، وغير مصدق حتى الآن أنهما ليسا في المنزل ، غير مصدق أنني لن اسمع صوتيهما وضحكاتهما ، كيف لي أن اتحمل فراقهما ، مكانهما الخالي على مائدة الطعام ، وأنا اناديهم من غرفتيهما ليساعداني في أمر ما في المنزل او لاستقبال الضيوف ، لقد فقدت جزءا كبيرًا من حياتي ، لقد كانت صدمة كبيرة في سماع خبر غرقهما وما زلت غير مصدقا أنهما قد رحلا للأبد من حياتنا ، كم هو شعور مؤلم وغصة في القلب لا أستطيع وصفها ، إنه أكبر ابتلاء من الله يصادفني في حياتي ، انه ابتلاء عظيم من الله وامتحان صعب ليختبر مدى صبري ، يالله أرجوك ساعدني كيف لي أن اتحمل فقدان فلذات كبدي وروحي وعمري أحمد ومحمود.."

يكمل الأب المفجوع حديثه :" زوايا المنزل كلها تحتفظ بذكرى أبنائي أحمد و محمود ، لقد رحل اثنين وليس واحدا ، هما الأحب إلى قلبي ، لقد كانا بارين بي وبوالدتهما ، كانت ضحكاتهما ودندنة صوتيهما تبعث في قلبي الراحة ، لا يكتمل يومي من دونهما ، رحلا وأنا كيف لي أن أكمل بقية حياتي بدونهما ، لا أدري هل أواسي نفسي في رحيلهما ام أواسي والدتهما أم أبنائي وبناتي، إنني أمر في بلاء عظيم جدا لا أعلم كيف سأتجاوزه."

الوالد خالد بن محمد الجابري من سكان ولاية سمائل في محافظة الداخلية والتي تبعد عن محافظة مسقط حوالي 40 كيلو متر , تتكون أسرة خالد الجابري مع زوجته من خمسة أبناء وخمس بنات , يعرفهم الجميع في الولاية باخلاقهم العالية وحبهم لعمل الخير بتوقير الصغير واحترام الجميع .

أحمد ، ذو الابتسامة الجميلة التي لا تفارق وجهه مطلقا ،وهو الابن الثالث بين ترتيب الأبناء الذكور ، عمره 22 سنة ، ويدرس في كلية التقنية العليا بمحافظة مسقط ، في آخر سنة دراسية ، ومحمود ، ذو تقاسيم الوجه البريئة ، وملامح الطفولة على خديه وعينيه، الابن الرابع في ترتيب الأبناء الذكور ، عمره 19 سنة ، يدرس في كلية الشرق الاوسط بمحافظة مسقط ، كانا قد عزما يوم السبت ، يوليو 10،2021 ، الذهاب إلى إحدى المزارات المائية التي تمر في طرق ومنحدرات وعره ، بين ثنايا الجبال والسهول والممرات الضيقة ، غرب مدينة سمائل ، وهو وادي يطلق عليه وادي قري في منطقة النجمية ، والتي تبعد حوالي 20 كيلو متر ، أي نصف ساعة من منزلهم بالسيارة ثم المشي مترجلين مدة حوالي ساعة للوصول الى وادي قري ، الذي يوجد فيه بركة الماء والتي هي مكان الحادثة.

تفاصيل الحادثة

عم الشابين أحمد ومحمود ، محسن بن محمد الجابري, تحدث كذلك عن تفاصيل الحادثة:"نحن نقطن بالتحديد في منطقة الجيلة بولاية سمائل ، وهناك الكثير من الأماكن السياحية والأثرية في محافظة الداخلية وخصوصا ولاية سمائل ، وعليه قرر أحمد ومحمود الذهاب في رحلة استكشافية إلى منطقة النجمية ، وكعادتها عند الخروج في أي رحلة بحكم أنهم مجموعة كانوا يخرجون دائما لرحلات الاستكشاف والسياحة ، فقد تواصلوا مع أخيهما الأكبر محمد ، وأصدقائهم ، للذهاب في هذه الرحلة ، ولكن رفض الجميع الذهاب بسبب اقتراب العيد ، واقترح الجميع لهما أن يذهبوا جميعا بعد انقضاء العيد ، ولكن أحمد ومحمود كانا مصرين على الذهاب فوافق ابن خالهما احمد عبدالله الجابري ، يبلغ من العمر 18 سنة ، في الذهاب معهما ، وانطلقوا جميعا حوالي الساعة 12 ظهرا من يوم السبت ."

وأشار عم الابناء أنه كان من ضمن أحد أفراد هذه المجموعة هو ابنه والذي أيضا رفض الذهاب في هذه الفترة ، ويردف قوله:"ولكن تبقى هذه الحادثة في النهاية هي قضاء وقدر من الله سبحانه ولله في خلقه شؤون ، في أن يرفض الجميع ويصر أحمد ومحمود الذهاب الى الوادي ويحدث لهما حادثة الغرق الأليمة."

وأكمل العم:"الغريب أنهما لأول مرة يخرجا في رحلة ولم يبلغا والديهما ، فقط أخبرا والدتهما وذهبا إلى استكشاف هذه المنطقة وعمل عدة فيديوهات اعمل منهما فلما مشوقا يحكي مدى صعوبة الوصول لوادي قرى في منطقة النجمية ، لقد شاهدت هذه الفيديوهات والصور في هاتف ابن اختي والذي كان يلتقط الفيديوهات والصور خلال تحركهما بين الجبال والممرات الضيقة وكعادتهما لا تفارقهم الابتسامة والضحك ، لقد تأثرت جدا عندما شاهدت آخر لحظات حياتهما قبل أقل من نصف ساعة من وفاتهما ، وكأنهما يودعان الجميع بابتسامة يملؤها الحب والمشاعر الصادقة."

خرج الاخوة أحمد ومحمود بمعية ابن خالهما بالسيارة حتى وصلوا آخر نقطة يمكن أن تصل اليه السيارة ، ثم ترجلوا مشيا على الأقدام للسير بين الجبال والممرات الوعرة ، تناولوا الغداء قريب من البركة ثم واصلوا المسير وصولا بعد ساعة الى بركة الماء .

العم يشرح تفاصيل ما حدث أثناء سباحتهم في البركة:"عندما وصلوا نزلوا جميعا للسباحة في البركة ، وخلال استمتاعهم بوقتهم ، تعمق محمود ، الاخ الاصغر ، إلى وسط البركة ، وربما بسبب الامطار الاخيرة وجريان الاودية قد زاد منسوب المياه في البركة والذي لم يلاحظ الجميع ذلك ، مما زاد من عمق البركة واتساع رقعتها ، وهذا ما سبب ربما عدم قدرة محمود بالتجديف أكثر بيديه ورجليه للعودة مما بدأت البركة في ابتلاع جسده النحيل إلى عمق البركة ."

وأكمل العم:"هنا شاهد الاخ الاكبر ، أخيه محمود يحاول دون جدوى التجديف للعودة ولكنه لم يستطع وقد نال منه التعب ، وبدون تفكير وبسرعة ردة فعل ، هب أحمد لانقاذ اخيه من الغرق ، متوجها له من الأمام وهنا يكمن سبب غرقهما، حيث عند انقاذ الغريق يجب التوجه له من الخلف لتطويقه والتجديف به إلى الامام للوصول إلى منطقة الأمان ، وفعلا لم يستطع احمد جذب أخيه وسحبه من الأمام وكلاهما يتشبث بالآخر حتى تعبا وغرقا معا إلى قاع البركة."

بينما الأخوين يحاولان التشبث ببعضهما والخروج من وسط البركة دون جدوى ، كان ابن خالهما يشاهدهما مرتبكا متجمدا لا يعرف ما عليه أن يفعل ويصرخ باعلى صوته ويملؤه النحيب :"أحمد ومحمود لا تستسلما ، جدفا للامام ، سأمسك بكما ، أرجوكم لا تستسلما ، جدفا للأمام ." وكأن حال لسانه يقول أرجوكم لا ترحلا عني ، حتى غابا عن ناظريه وابتلعتهما بركة الماء وابتلعت معهما ابتسامتهما وضحكاتهما وصوت مزاحههما ومداعبتهم ، وشبابهما الفتي ."

رحلا أحمد ومحمود بين فكي البركة ، فلقد انتهت حياة أحبائهم تماماً عندما فارقوا الحياة، فهم الآن عبارة عن جسم متحرك بلا روح تسكنه، بلا إحساسٍ تشعره سوى ألم الفراق، فلقد ماتت بسمتهم البراقة الجميلة، وتحول بيتك الكبير الأنيق إلى أشلاء باهتة ومظلمة تخنق أنفاسك من الذكرى المؤلمة ذكرى الفراق الهالك، قلبك أصبح بين أحضان الظلام، فمن شدة حزنه حرم عينيه النوم، حرم عينيه حتى الدمع، وأنت تتمنى لو أن الدمع يسيل حتى ترتاح لو قليلاً من همٍ ملأ عليك حياتك ولكن بلا فائدة.

وأصبح كل مكان ذهبت معهم إليه وكل شارع خطوت معهم عليه كسهمٍ ينخزك في صمامِ روحك، فتحاول أن تشرد من كل شيء قد يذكرك بهم ولكن دون جدوى فأنت تراهم في كل مكان حتى بين الكلمات العابرة في الطرقات، بين ضحكات الناس ودموعهم فهم يلاحقون ظلك أينما ذهبت لأنهم كانوا كل حياتك.

اكمل العم:"لم يعرف ابن خالهما ماذا يفعل ، وقف صرعا أمام هذا المنظر المهول ، مذهولا غير مصدقا ما حدث قبل قليل ، قبل عشر دقائق فقط ، كانوا يضحكون معا، لقد قتلت البركة كل الضحكات ، ووأدت صوتيهما ووجهيهما ، لا يدري ابن خالهما ماذا يفعل ، يدور حول البركة ، يقلب كفيه ويلوي أصابعه ، يمسك برأسه ويجثو على ركبتيه، ماذا علي أن أفعل ، يالله ساعدني ، ماذا علي أن افعل ، هل اقفز إلى بالبركة فاغرق معهما ، أم اذهب لاطلب النجدة ، دقيقة خاطفة يجب على ابن خالهما اتخاذ قرار ، مسح دموعه ، يكاد يتكأ على ركبتيه ، فيقف مترنحا لا يعرف أين المصير ، و أين عليه التوجه ، ينظر للبركة تاره ، لا أثر لاحمد ومحمود ، المياه ساكنة ، وسكنت معها كل المخلوقات حول ابن خالهما ، لا يكاد يخطو خطوه للبركة فيرجع خطوتين مشتت الذهن ليجلب النجده ، أخيرا قرر أن يجلب النجدة وهو يصرخ أحمد محمود أرجوكما اخرجا أمامي وقولا لي أن كل ما حدث قبل قليل هو إحدى دعاباتكم ، لا يرى ابن الخال أمامه سوى وجهيهما ودموعه تنوح وتلطم خديه، وهو يجرى تارة ويسقط تارة لا يقوى على حمل جسده هلعا مما حدث قبل قليل."

لا توجد اشارة اتصال في هاتف ابن خالهما ، وفي جيبه يحمل هاتف أحد الاخرين ، يركض مسرعا ليصل إلى أقرب نقطة يوجد فيها اشارة اتصال ، فجأة يرى مجموعة سياح أجانب من احدى الدول الاسيوية ، يخبرهم وكادت الحروف تخرج من بين ثنايا ابن الخال ، ولسانه مثقلا لا يقوى على نطقها:"لقد لقد هناك ، أرجوكم ساعدوني . يمسح ابن الخال دموعه ثم يقولها وكأن لسانه قد نهض من مقبرة وكل مشاعره مثقلة:"لقد غرقا ابناء عمتي ، ارجوكم ساعدوني."

يهرع الاجانب إلى البركة بمعية ابن الخال وهو لا يقوى على تحريك خطواته ، فيشده السياح دلنا أين ، ابن الخال يقول ناحبا هناك إنهم هناك في وسط البركة خلف هذا الجبل. يصل الجميع فشاهد السياح اتساع رقعة البركة وتوقعوا عمقها فقالوا له لا يمكننا ذالك البركة كبيرة ، سنعود للاتصال بالادارة العامة للدفاع المدني والاسعاف ، وابن الخال يقول :"لهم لا لا الآن سنخرجهم ، ما زال هناك وقت ، أرجوكم ساعدوني ، ويصرخ ابن الخال:احمد ، محمود ، أرجوكم اخرجا ، لا تستسلما ، انظرا لقد جلبت لكما المساعدة ، فقط حركا أطراف يديكما لتتحرك المياه الساكنة ليصدقوني أنكم ما زلتم احياء.."

فرق الانقاذ

أخذ السياح ابن الخال بصعوبة ليقنعوه أنهم يجب الاتصال بفرق الانقاذ في الإدارة العامة للدفاع المدني والاسعاف ، ينتحب أحمد بكلمات غير مفهومة ، وأحد السياح يأخذ بيده :"هيا هيا ، هناك عند ذالكم الجبل سنجد إشارة للاتصال ."

وصلوا جميعا فاتصل ابن الخال بفرق الانقاذ من هاتف ابن عمته أحمد ، ثم اتصل بأبيه حوالي الساعة الثالثة عصرا :"أبي ، أبي ، ساعدني أرجوك ، أحمد ومحمود غرقا في البركة .يبكي ابن الخال ثم يعاود الحديث مع والده:"أبي لقد رحلا أمام عيني، لا أصدق ذالك ، أرجوك ابي احضر فرق الانقاذ ، أنا متاكد انه ما زالت هناك فرصة لانقاذهما ."

قال العم :"بعد حوالي اقل 30 دقيقة حضرت فرق الانقاذ ، ثم ترجلوا لموقع الحادثه وقد حضر معهم بعض سكان المنطقة لمساعدة فرق الانقاذ في البحث عن اأحمد ومحمود ، بعد فترة من الزمن تم للاسف الشديد انتشال جسدي احمد ومحمود من قاع البركة المظلمة وهما مفارقين للحياة ، وبهدوء تام خيم على المكان ، لا تكاد تسمع صوتا وسكون البركة التي سرقت أحلام وشباب احمد ومحمود ، مطأطأة رأسها خجلة مما حدث للشابين الوسيمين ، حلقت الطيور حولهما وكأنها تنظر إليهما النظره الاخيرة وتنوح بصمت على فراقهما ، الجميع يشاهد دون أن ينطق ببنت شفه ، نظرات الحزن يكسوها الألم والغصة على رحيلهما ."

يكمل العم:"كنا انا ووالد أحمد ومحمود على مشارف الوادي قادمين بعد سماعنا الخبر ، عند وصولنا على مشارف الوادي ، علمنا أنه قد تم انتشال جثتيهما ، وقد فارقا الحياة ، لم يتمالك الأب نفسه ، فسقط صرعا من هول الخبر المفجع ، أما أنا فكأنما فقدت نظري وبت لا أرى إلا سوادا حولي ، ولم استطع حتى أن احمل نفسي فجلست في موضع قدمي لا أدري ما أفعل."

تم نقل الشابين أحمد ومحمود إلى المستشفى ثم إلى منزلهما ليواريا مثواهما الاخير ، ستفتقدهما ولاية سمائل بجبالها الشاهقة ، و أفلاجها ووديانها ، سيفتقدهم مسجد الصحابي مازن بن غضوبة ومسجد القبلتين والفج ، ستفتقدهم قلاع ولاية سمائل وحصونها وبروجها الشهياء ، ستنوح على فراقهما بساتين سمائل وواحاتها الخضراء واشجارها .

أم الشابين

قالت أم الشابين احمد ومحمود وكلماتها يكاد أن تنطق بها يمزجها الدموع والحشرجة:"لقد رحلا عني وتركوني في عذاب فراقهما ، كانا ذو أخلاق رفيعه ، يحترموا والديهم واخوتهم ، كنت عندما آتي اليهما ليذهبا للصلاة اجدهما قد انهيا صلاتهما ، كانا يساعدانني في أعمال المنزل ويساندا والديهما في أعماله المنزلية كذالك ، كانا جدا بارين بي وبوالديهما وجميع أهل المنطقة يثني على أخلاقهم ، وكانا أيضا يوصلان الطعام في ايام الحظر للمقيمين الاجانب المجاورين لمنزلنا وفي المنطقة ، لقد كانا مثالا في عمل الخير ومحبة الاخرين ومحل تقدير الجميع."

هذا وقد ناشدت العائلة ، لادارة الدفاع المدني والاسعاف في ولاية سمائل وفي كل مكان من ربوع عمان الطيبة ، وجميع الجهات المختصة في القيام بعمل لوائح ارشادية ولافتات تحذيرية على المواقع السياحية وخصوصا الأودية لتجنب حدوث مثل هذه الحادثة المؤسفة التي أودت بحياة شابين في مقتبل العمل ، خصوصا أنها ليست المرة الاولى في هذه المنطقة تحدث عملية غرق للسياح ، مردفا محسن الجابري:"التمس من الجهات المختصة في الولاية وفي جميع ولايات السلطنة بالقيام في تثبيت لوائح ولافتات تحذيرية على كل موقع سياحي وخصوصا الأودية والعيون وبرك الماء التي يقصدها السياح المواطنين والاجانب ليكونوا على علم بمدى خطورة السباحة في هذه الاماكن او عمل سياج حول بركة الماء ( حوض الماء المتجمع نتيجة الامطار او العيون )."