من هو كريس ويتي طبيب الأمراض المعدية و مهندس خطة بريطانيا للخروج من أزمة كورونا ؟

الحدث الأحد ٢٥/يوليو/٢٠٢١ ١٩:٢٢ م
من هو كريس ويتي طبيب الأمراض المعدية و مهندس خطة بريطانيا للخروج من أزمة كورونا ؟

لندن - الشبيبة 

نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريرًا حول  الطبيب "كريس ويتي" تحت عنوان "كريس ويتي... «مهندس» خطة بريطانيا للخروج من أزمة «كوفيد ـ 19 . وجاء نص التقرير الذي رصدته الشبيبة 

 قبل سنة ونصف السنة، لم يكن اسم كريس ويتي معروفاً خارج الدوائر الطبية الضيقة في بريطانيا. أما اليوم، فقد أصبح من أكثر الشخصيات إثارة للانقسام في الشارع البريطاني. إذ ارتبط اسمه بوصف «الكاذب» و«المضلّل» في لافتات المتظاهرين المشككين بجائحة «كوفيد 19». وفي المقابل، ينظر إليه آخرون بامتنان، ويعتبرونه «صوت العقل والعلم» الذي يعمل في ظل حكومة «متهوّرة».


هذا، وقد تجمع العشرات الشهر الماضي خارج ما كانوا يتوقعون أنه مكان سكنه وسط لندن مطلقين شعارات تهديدية، واعترضه شابان في إحدى حدائق العاصمة. وبعكس هؤلاء، ترقّب آلاف موقفه قبل أيام من إعلان الحكومة المحافظة الحالية رفع جميع القيود المرتبطة بـ«كوفيد 19»، وتسلحوا بتوجيهاته وعلمه لمواجهة 

المشككين في أهمية الكمامات والتباعد الاجتماعي.

فمن هو كريس ويتي؟ وكيف تحوّل من طبيب متخصّص  في علم الأوبئة والأمراض المُعدية إلى رمز استجابة بريطانيا لأكبر أزمة صحية منذ قرن؟

على عكس كثيرين في دوائر الاهتمام، نجح البروفسور كريس ويتي في الحفاظ على قدر كبير من الخصوصية. فرغم منصبه الحكومي البارز وظهوره المتواصل في مؤتمرات «كوفيد 19» الصحافية بالعاصمة البريطانية لندن، لم يعقد ويتي أي مقابلات صحافية تطرقت إلى حياته الشخصية أو اهتماماته خارج إطار عمله. ولقد نقلت صحيفة «الغارديان» عن مقرّبين منه أنه من هواة رياضة كرة المضرب، فيما قال خلال اتصال مرئي في فبراير (شباط) الماضي، نظمته الكلية الملكية للأطباء: «إنني أتطلع حقاً لرؤية العائلة والأصدقاء. إذ أرَ العائلة والأصدقاء منذ وقت طويل جداً، مثل معظم الناس».

كذلك لم يُخف ويتي شوقه لمغادرة لندن والاستمتاع بالطبيعة. قائلاً ذات يوم: «أتطلع حقاً إلى الخروج من لندن. أنا في لندن للعمل، ليس لأنني أرغب في العيش في لندن. أتطلع إلى الخروج إلى التلال في إنجلترا والجبال في أسكوتلندا، يبدو هذا الآن حلماً بعيداً جداً».

النشأة والمسيرة

وُلد كريستوفر «كريس» جون ماكراي ويتي في مدينة غلوستر الصغيرة، بجنوب غربي إنجلترا، لسوزانا وكينيث ويتي يوم 21 أبريل (نيسان) 1966. وأمضى كريس، وهو أكبر إخوانه الأربعة، جزءاً كبيراً من طفولته المبكرة في شمال نيجيريا؛ حيث كانت والدته معلّمة، بينما كان والده مسؤولاً في المجلس الثقافي البريطاني (British Council)، ولقد أقامت الأسرة خلال فترات انتداب والده الخارجية في كل من مدينة كادونا بشمال نيجيريا، وكذلك في جمهورية مالاوي.

أُرسل ويتي إلى بريطانيا للدراسة، وكانت البداية في مدرسة ويندلشام هاوس بمقاطعة ويست ساسكس (إلى الجنوب من لندن)، قبل أن يلتحق بكلية مولفرن Malvern College العريقة الراقية في غرب إنجلترا. ومنذ سن مبكّرة، شغف كريس بالطب والصحة العامة، وذلك بفضل علاقته الوطيدة بجدته لأمه غريس سمرهايس، التي كان يقيم معها في بعض الأحيان، والتي أسست في عام 1928 أول مستشفى للولادة في غانا، وهو من أوائل المستشفيات التي تقدم تدريباً على القبالة والتوليد في أفريقيا.

وقبل شهر من بلوغ كريس ويتي سن الـ18، سقط أبوه كينيث – الذي كان في حينه يشغل منصب نائب مدير المجلس الثقافي البريطاني في أثينا – ضحية جريمة قتل في اليونان، بينما كان يقود سيارته مع أصدقاء له في عام 1984. ويومذاك اتهم بارتكاب الجريمة مسلحون من منظمة «أبو نضال»، ورجحت تقارير في حينه أنه قتل خطأ، لأن المسلحين كانوا يستهدفون عميلاً في جهاز الاستخبارات البريطانية «إم آي 6» باع سيارته لويتي.

وبعد إنهائه دراسته الثانوية في مولفرن، التحق ويتي بكلية بمبروك في جامعة أكسفورد العريقة حيث تخرّج فيها بدرجتي بكالوريوس في الفسيولوجيا ودكتوراه في العلوم الطبية. ثم انتقل إلى كلية وولفسون في جامعة أكسفورد أيضاً حيث نال شهادة الطب عام 1991. بعدها التحق بمعهد لندن للصحة العامة وطب المناطق المدارية في جامعة لندن، ونال منه درجة دكتوراه أخرى، كانت هذه المرة في الصحة العامة وطب المناطق المدارية، ومعها الماجستير في علم الأوبئة عام 1996. غير أنه لم يكتفِ بكل هذا، إذ حصل على ماجستير قانون في القانون الطبي من جامعة نورثمبريا عام 2005، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هيريوت وات في أسكوتلندا عام 2010. ودبلوم في الاقتصاد من الجامعة المفتوحة.

مناصبه الوظيفية

يتقلد كريس ويتي كثيراً من المناصب الحكومية المرموقة، نذكر منها رئيس المعهد الوطني للأبحاث الصحية، وكبير المستشارين العلميين لقسم الصحة والرعاية الاجتماعية، وكبير المستشارين الطبيين لحكومة المملكة المتحدة. إلا أن المنصب الذي يعرّف به ويتي في أروقة وايتهول (مقر أجهزة الحكومة)، واشتهر به في الأوساط الصحية الدولية، هو كبير المستشارين الطبيين في إنجلترا.

والحقيقة أن مسؤوليات ويتي لا تقف عند هذا الحد. فإلى جانب مناصبه «السياسية»، يواصل الطبيب الموسوعي المتخصص في الأوبئة عمله طبيباً ممارساً في أحد المستشفيات الجامعية في العاصمة البريطانية


وباء إيبولا

تقول سالي ديفيس، التي شغلت منصب كبير المستشارين الطبيين قبل ويتي، إنه خلال عملها إلى جانب ويتي لمدة 6 سنوات، وإبان استجابة بريطانيا لوباء إيبولا في أفريقيا، وجدته صلباً متمسكاً بمواقفه حتى في حال واجه تحديات من الوزراء. كذلك تقول جاستين غرينينغ، وزيرة التنمية البريطانية السابقة التي اشتغلت عن قرب مع ويتي عند شغله منصب كبير المستشارين العلميين في وزارة التنمية، إنه لم يساهم فقط بخبرته الممتدة عقوداً، بل استفاد كذلك من المجتمع العلمي الأوسع الذي كان جزءاً منه. وكتبت عنه في مقال نشرته صحيفة «يوركشير بوست» واصفة إياه «بذكائه ومنهجه، ساعدني ويتي في توجيه اجتماعات الأزمة الحكومية (كوبرا)؛ حيث أشركنا مجلس الوزراء في استراتيجيتنا للتغلب على الإيبولا». ثم تابعت: «أعلم منذ فترة عملنا معاً أن كريس سيعمل بلا كلل لتقديم أفضل نصيحة ممكنة» في إطار مكافحة «كوفيد 19».

جائحة «كوفيد ـ 19»

بعد 5 أشهر فقط من تعيين كريس ويتي خلفاً لسالي ديفيس كبيراً للمستشارين الطبيين في إنجلترا، وجد الرجل نفسه في عين عاصفة جائحة «كوفيد 19». وهكذا تحوّل هذا الطبيب والباحث الذي طالما سعى إلى حماية خصوصيته وإحكام علاقته مع الإعلام إلى أهم مسؤول غير منتخب في بريطانيا. وعلى مدى عدة أسابيع، تسمّر البريطانيون وراء شاشاتهم لمتابعة عرض ويتي شبه اليومي. وعلى الدوام، كان عرضه الغني بالإحصائيات والسيناريوهات المحتملة نقطة ارتكاز المؤتمرات شبه اليومية حول الجائحة، وكانت أعين البلاد عليه في كل خطوة تتّخذها الحكومة في تشديد أو تخفيف الإجراءات.

كذلك اعتاد البريطانيون على ملاحظة اعتماد رئيس الحكومة المحافظ بوريس جونسون عليه لدى الرد على أسئلة الصحافيين القلقين من المشهد الوبائي تارة، والمنتقدين لبعض السياسات المتبعة تارة أخرى. لكن ويتي، الذي وُصف تأثيره على جونسون بـ«الكبير»، كان يدرك جيداً أن عمله لا يتجاوز حدود الاستشارة. وبدا ذلك واضحاً عندما قال معلّقاً على قرار الحكومة رفع جميع القيود المرتبطة بـ«كوفيد 19» في 19 يوليو (تموز) الحالي: «المستشارون ينصحون، والساسة هم الذين يقرّرون».

وفي سياق موازٍ، رغم الاحترام الواسع الذي يحظى به ويتي في الأوساط الطبية والعلمية، فإنه لم يفلت من بعض الانتقادات الحادّة من طرف زملاء المهنة. ولعلّ الانتقاد الأبرز جاء من الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، وتحديداً من داخل البيت الأبيض، عندما عبّر الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير المستشارين الطبيين للرئيس الأميركي، عن استغرابه من قرار بريطانيا تمديد الفترة بين جرعتي اللقاح من 3 إلى 12 أسبوعاً. وقال فاوتشي حينها إن «الوقت الأمثل» لتلقي جرعة اللقاح الثانية هو بعد 21 يوماً من الأولى، وأكد لشبكة «سي إن إن» في يناير (كانون الثاني) الماضي أنه «لن يؤيد» استراتيجية الحكومة البريطانية.

وفي المقابل، رأت الحكومة البريطانية، بتأييد من ويتي، منافع كثيرة في تأخير الجرعات الثانية. وأوضحت وزارة الصحة، في بيان، أنها ستعطي الأولوية في الجرعة الأولى «لأكبر عدد من الأشخاص في المجموعات المعرّضة للخطر». وتابعت: «سيتلقى الجميع جرعتهم الثانية، وسيحصل ذلك في غضون 12 أسبوعاً من الجرعة الأولى». وبينما اعتبر هذا القرار رهاناً عالي المخاطر، فإنه أتاح لبريطانيا إنجاز إحدى أنجح حملات التطعيم في العالم، وشملت حتى اليوم 86 في المائة من سكانها البالغين بالجرعة الأولى، وأكثر من 60 في المائة الجرعة الثانية.

قضية رفع القيود


بعكس رهان استراتيجية التطعيم ، لقي قرار الحكومة البريطانية الأخير رفع جلّ القيود المرتبطة بمكافحة «كوفيد 19» الأسبوع المقبل انتقادات واسعة داخل حدود البلاد وخارجها. ويذكر أن رئيس الوزراء، تحت ضغط الحزبيين المحافظين، يعتزم رفع القيود التي أملتها الجائحة، وإعادة فتح مرافق اقتصاد إنجلترا من جديد، اعتباراً من 19 يوليو، رغم تحذيرات علماء ساهموا في بلورة استجابة البلاد للجائحة. فرغم تحقيق واحد من أعلى معدلات التطعيم في العالم، تواجه بريطانيا موجة جديدة من «كوفيد 19»، ولا سيما المتحور «دلتا»، إذ شهد عداد الإصابات اليومية ارتفاعاً بلغ 30 ألف حالة، بينما عادت الوفيات إلى الارتفاع، وإن كان بوتيرة أبطأ كثيراً من الشتاء الماضي، لتبلغ 50 حالة وفاة في اليوم.

ويمثل قرار بوريس جونسون في هذه الظروف مقامرة حقيقية، فهو يهدف إلى التعايش مع الفيروس فيما يعد أول اختبار من نوعه في العالم لقدرة اللقاحات على حماية الناس من المتحور «دلتا» الشديد العدوى.

وفي حين لم يعبّر ويتي صراحة عن معارضته لهذا القرار، فإنه شدّد على «ضرورة احترام إجراءات الوقاية، بما يشمل الاستمرار في التباعد الاجتماعي والحدّ من اللقاءات غير الضرورية والالتزام بالكمامات في الأماكن المغلقة والمكتظة». وتوقّع ويتي أن تشهد البلاد موجة إصابات جديدة، قد تؤدي في أوجها إلى إدخال 1000 إلى 2000 مصاب بالفيروس إلى المستشفيات، وذلك بحلول منتصف الشهر المقبل. وقال معلقاً: «ما نأمله، إذا التزمنا بحذر شديد خلال الفترة المقبلة، هو أن تكون الذروة التالية أقل بكثير من الذروة التي شهدناها في يناير، والتي تسببت في ضغوط هائلة على هيئة الصحة العامة».

ما يّذكر أن كثيرين أعربوا في الفترة الماضية عن اعتراضهم على قرار الحكومة. واعتبرت آن كوري، خبيرة علم الأوبئة في كلية إمبريال كوليدج، والتي كانت وراء أحد النماذج التي استفاد منها جونسون في قراره الأولي إرجاء «يوم الحرية»، أنه من السابق لأوانه الإعلان أن البلاد تستطيع التعايش مع تزايد الحالات. وقالت لوكالة «رويترز» إن تأجيل رفع القيود مرة أخرى ستكون له فائدته. ثم أضافت: «أعتقد أن التأجيل كسب للوقت، ولدينا خطوات قد تفيد في تقليل انتشار العدوى»، مشيرة إلى الجرعات التنشيطية واحتمال تطعيم الأطفال.

من ناحية أخرى، كتب أكثر من 100 عالم رسالة إلى دورية «لانسيت» الطبية المرموقة، وصفوا فيها خطط جونسون لرفع القيود كلها بأنها «خطيرة وسابقة لأوانها». واعتبروا أن الاستراتيجية القائمة على التعايش مع مستويات عالية من العدوى «غير أخلاقية».

لكن حكومة جونسون تقول إن عليها أن تنظر «إلى ما هو أبعد من مجرد المنظور الوبائي». وأشار وزير الصحة الجديد، ساجد جاويد، وهو رجل أعمال، إلى مشكلات تعليمية واقتصادية تراكمت خلال الجائحة، ورأى أن في هذه المشكلات ما يحفز على العودة للحياة العادية، حتى إذا بلغت الإصابات 100 ألف حالة يومياً، على حد قوله.

وبدأ نقاش حاد بين من يعتقدون أن العطلة الدراسية الصيفية تمثل أفضل أمل لرفع القيود هذا العام، وآخرين يرون أن جونسون يرتكب خطأ آخر بانتظاره فترة طويلة قبل إصدار أوامر الإغلاق السابقة، بعدما اتهموه بالتسبب في واحد من أعلى معدلات الوفيات في العالم.