العلاقات العمانية - السعودية راسخة شامخة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/يوليو/٢٠٢١ ١٩:٣١ م
العلاقات العمانية - السعودية راسخة شامخة

بقلم : خالد عرابي


قبل كورونا ببضع شهور كنت في أحد التغطيات الصحفية التي تحظى بحضور شخصي كبير، وتصادف أن كان في ذاك اليوم زيارة لوفد اقتصادي رفيع المستوى من المملكة العربية السعودية إلى السلطنة، وأثناء متابعتي وتغطيتي الصحفية للفعالية كان هناك وجود دبلوماسي عال المستوي، وجمعني في هذا الأثناء حديث مع عدد من الدبلوماسيين رفيعي المستوى الذين جمعتهم جلسة واحدة، وكان الحديث عن الزيارة " أي الوفد السعودي للسلطنة " وعن العلاقات العمانية- السعودية، وما هي طبيعتها ومستوياتها وبالطبع مستقبلها وأدلى كل منهم بدلوه، وفجأة قال أحدهم فيما معناه: "هذا هو الشخص الذي لديه الكثير من المعلومات والتفاصيل فهو إعلامي ومتابع جيد -وكان يقصدني- وهو لديه الأخبار والتفاصيل والمعلومات الصحفية.. بالطبع وجه لي الحديث فلم لأسكت وكان لابد من إجابة، وبالفعل أجبت وقلت وبكل الصدق فيما معناه:

"إن المتابع للعلاقات العمانية- السعودية تاريخيا، يعرف ويدرك أنها علاقات شامخة راسخة كما الجبال الشاهقة الشماء في البلدين، ولكن الفرق بينها وبين الجبال أنها تشبه الجبال في الرسوخ والشموخ والقوة، ولكنها ليست ثابتة واقفة عند حد أو لا تتحرك، فأبرز ما يميزها هو تواصلها وتطورها ونموها وباستمرار" .

وأضفت قائلا: "ما جذبنا اليوم للحديث عن هذه العلاقات تحديدا هو الزيارة رفيعة المستوى التي يقوم بها الوفد الاقتصادي السعودي في إطار انعقاد "الملتقى الاقتصادي العماني- السعودي" وتضم مسؤولين ورجال أعمال يغطون معظم المجالات الاقتصادية المهمة، وقد بحثوا آفاق زيادة التعاون بين البلدين، و فرص الاستثمار المتاحة بالسلطنة في قطاعات منها: السياحة ، والنفط والغاز، والتعدين، والنقل والموانئ، والاستزراع السمكي .

وأستطردت قائلا: هل تدرون أن زيارة اليوم -اقصد التي كنا نتحدث عنها- تضم وفدا رفيع المستوى من حكوميين ومسئولين ورجال أعمال يصل عدد إلى أكثر من 40 مشاركا يمثلون العديد من القطاعات المختلفة، وقد تبعها توقيع العديد من الإتفاقيات والتعاون المشترك.. ثم ضربت مثالا في ذاك الوقت بحجم التبادل التجاري المشترك بين البلدين وأنه في عام 2017 على سبيل المثال تجاوز 2.2 مليار دولار أمريكي، وهذا هو المقياس الحقيقي وما يعكس عمق الشراكة القائمة بين البلدين وآفاقها المستقبلية حقيقة، فسلطنة عمان تعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من الشركاء الرئيسيين لها، والتعاون والتباحث مستمر والتطوير والتنمية قائمة على قدم وساق.. ثم أنه مما يميز العلاقات العمانية- السعودية أنها لم تبن على الرسمية ولا الاقتصادية فقط، وإنما هى علاقات يغلفها روابط و وشائج أخوية وفربى ، وتاريخية راسخة تجمع بين قيادتي البلدين، و بين شعبيهما الشقيقين .

وخلال الأيام القليلة الماضية جاءت زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- التاريخية وهي زيارة دولة أي أعلى مستويات الزيارات دوليا بين القادة وزعماء الدول، ولقائه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما تبعها من لقاءات ثنائية بين مسئولين رفيعي المستوى من البلدين، وكذلك مستوى التمثيل الوزاري والوزارات التي كانت مشاركة وممثلة في الوفد، وأيضا ما شاهدناه وما شاهده العالم أجمع من حفاوة الترحيب والاستقبال لدرجة أن هناك طائرات من سلاح الجو السعودي حلقت في السماء ترحيبا بالسلطان المعظم.

وجاءت هذه الزيارة في مجملها لتؤكد بما ليس فيه مجال للشك أن علاقات البلدين هي الأقوى والأرسخ والأفضل في المنطقة، وأنها كانت وما زالت وستستمر نموذجا فريدا في العلاقات العربية الراسخة بين الأشقاء، وفي العلاقات الدولية الفريدة من نوعها والمتميزة بخصائصها التي منحتها كل هذا الرسوخ .

أيضا أن يختار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- المملكة العربية السعودية لتكون أول زيارة خارجية له منذ توليه الحكم، فهي زيارة لها علامات ودلالات وإشارات أهمها وأولها حجم وقوة وأهمية هذا العلاقات بين البلدين ، ولذا خصها دون غيرها بهذه الزيارة التاريخية ، وهذا يعكس مستوى التقارب والتلاحم ليس بين القيادات والقائدين فحسب، وإنما بين الشعبين الشقيقين، ولعلنا نستذكر هنا أن أول زيارة للمغفور له بإذن الله تعالي السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- بعد توليه الحكم كانت في العام 1971 وكانت للمملكة العربية السعودية أيضا، وهذا يؤكد وبكل وضوح أن هذه العلاقات ليست وليدة اليوم وإنما كما ذكرنا تاريخية وراسخة ومتشعبة والتاريخ يحكي ويؤكد لنا ذلك .

فهذه الزيارة ليست نمطية وأنما تاريخية محورية فاصلة، ولذا كان من أبرز نتائجها قرار التوقيع على مذكرة تفاهم في شأن تأسيس "مجلس تنسيق عماني- سعودي" برئاسة وزيري خارجية البلدين لتعزيز علاقاتهما الثنائية في شتى المجالات، والاتفاق على توجيه الجهات المعنية للإسراع في افتتاح الطريق البري المباشر والمنفذ الحدودي الذي سيسهم في سلاسة تنقّل مواطني البلدين وتكامل سلاسل الإمداد في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين البلدين الشقيقين ".

وهذه الزيارة ليست مجرد زيارة عادية مثل الزيارات "البروتوكولية" المتبادلة بين قادة وزعماء الدول، وإنما هي زيارة تحمل الكثير من المعاني والدلالات، وتعطي الكثير من الإشارات والتأكيدات، فمن حيث وقتها ونوعها واللقاءات والتباحث والنقاشات والإتفاقيات التي تمت خلالها، وبصفة عامة كل ما خرج عنها من معطيات جسدها بشكل جلي وبكل وضوح "البيان الختامي المشترك" الذي صدر عن قائدي البلدين الشقيقين السلطان هيثم بن طارق، والملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظهما الله- .

وقد أكد البيان المشترك على الكثير من الأسس والعناوين التي تعد خريطة عمل مستقبلية للعلاقات بين البلدين وللمرحلة أيضا ومنها "التعاون والتنسيق المشترك والشامل في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، بما يحقق الأمن والاستقرار للبلدين" كما أكد الجانبان على تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع أطر التعاون، والعمل على تنسيق مواقفهما بما يخدم مصالحهما ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

كما أكد البيان المشترك على أن هذا الاتفاق والتعاون والتقارب في وجهات النظر لم يكن على مستوى العلاقات بين الدولتين فحسب وإنما كان في القضايا الدولية محل الاهتمام المشترك أيضا، ولذا أكد البيان على تطابق وجهتي نظر البلدين والاتفاق على الملف والقضية اليمنية ، حيث أكد الجانبان على " تطابق وجهات نظرهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية قائم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، ومبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق " .

كما أكدا على "أهمية التعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي والصاروخي الإيراني بكافة مكوناته وتداعياته، وبما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، والتأكيد على مبادئ حسن الجوار واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية وتجنيب المنطقة كافة الأنشطة المزعزعة للاستقرار". ولعل كل ذلك سيكون له الأثر الطيب و البناء مستقبلا وقد يغير خريطة المنطقة .

حفظ الله البلدين والقائدين والشعبين الشقيقين وجنبهما الفتن ما ظهر منها وما بطن، و جعلهما رمزا للاستقرار والرخاء ونموذجا لعلاقات الأشقاء العرب التي يمكن أن ينتهج نهجها، ويهتدى بهديها بين كثير من الدول العربية لنرى مزيدا من النمو والرخاء في الازدهار في المنطقة العربية جمعاء .