اللقاحات بين .. السياحة والانغلاقات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٣٠ ص
اللقاحات بين .. السياحة والانغلاقات

بقلم : محمد محمود عثمان

لازال العالم يترنح من تداعيات الكورونا وبلغ الأثر مداه في قطاعات السياحة والطيران بخلاف كل الأنشطة الاقتصادية الأخرى ، ولا زال مأزق الخروج من الأزمة يسيطر على فكر وقرارات المسؤولين من خلال القلق والتخوف من الأثار الصحية الكارثية على صحة أفراد المجتمع، وسوف يستمر ذلك طويلا إذا ظل الجميع يعيش في جلباب هذا القلق والتخوف والتوتر، خاصة إذا صاحب ذلك الضعف الشديد في البنية الصحية ، التي تجبر المسؤولين إلى وضع المزيد من الاحترازات والإغلاقات ،التي أثبتت فشلها وعجزها حتى الآن في الحد من انتشار المرض ،ولم تتمكن من تغيير الواقع ، وأصبحت أكثر خطرا وضرا على الأنشطة الاقتصادية من الفيروس ذاته ، لأنها لم تقترن برقابة ومتابعة قوية، وافتقادها للدعم الإعلامي الممنهج ،نظرا لضعف آليات التوعية ونقص هياكل الكوادر الإعلامية المتخصصة والمتمرسة ،التي تعمل من خلال منظومة قوية وفق استراتيجية واعية قادرة على استشراف الاحتمالات والتوقعات والتحوط منها، ثم الاستسلام لهذا الواقع الأليم ، بدون البحث عن مخرج سريع و آمن من هذا المأزق ، خاصة أنه لم يثبت حتى الآن على المدى القريب اكتشاف علاج شافٍ للتخلص من الكورونا ومشتقاتها وتحوراتها المتجددة ،التي إذا انسقنا خلفها فسوف نظل هكذا دواليك نعيش في دائرة الخوف والقلق ونتصرف تحت تأثيرهما.

بينما كانت دول أوروبا - التي أغلقت حدودها الخارجية في مارس 2020- هي الأسرع بين كل دول العالم في التفكير من خارج الصندوق والبحث عن الحلول العلمية التي تناسب الواقع وتخرج بهم من مستنقع الانغلاقات الذي جرهم إلى الكساد الاقتصادي ،بالسماح باستئناف الرحلات الجوية إلى أوروبا وتخفيف القيود من خلال “جواز السفر الصحي” وهو اللقاحات المعتمدة حيث أن اللقاح أصبح بمثابة تأشيرة سفر وبوابة التنقل بأمان وسلاسة وبساطة ، بعد أن اتفق ممثلو الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في شهر مايو الفائت على تخفيف قيود الدخول بالنسبة للمسافرين من خارج التكتل، الذين تم تطعيمهم بشكل كامل بجرعتين بلقاح معتمد مضاد لفيروس كورونا- انقضى عليه 14 يوما - وعدم الزام القادمين إليها بتقديم نتيجة فحص سلبي أو خضوعهم لإجرات العزل الصحي، وصادق سفراء الدول الـ27 على هذه التوصية التي طرحتها المفوضية الأوروبية رغم أنها ليست ملزمة ، ولكنها تأتي للاستفادة من الموسم السياحي الصيفي المقبل ،ووجد الأوروبيون في هذه الاتفاقية ضالتهم للتخلص من قيود الاحترازات والإغلاقات المتكررة التي دمرت معظم اقتصاديات العالم بداية من قطاعات السفر والطيران والسياحة ، وتأكيدا لهذه الرؤية فقد وافق نواب الاتحاد الأوروبي، الاسبوع الفائت على اعتماد “الشهادة الرقمية الأوروبية لكوفيد”، وهي شهادة صحية لمن أخذوا اللقاح تهدف إلى تسهيل التنقل وتخفف التكاليف والنفقات والجهد والوقت ، وتسمح للمواطنين بالتنقل بين الدول الأوروبية ، ما يمهد الطريق لتنشيط وإحياء السياحة البينية داخل الاتحاد هذا الصيف، بدون الحاجة إلى الحجر الصحي أو الخضوع لاختبارات إضافية لفيروس كورونا، وهي تطبق في ثلاث حالات: لإثبات أن شخصا تلقى اللقاح ضد فيروس كورونا أو أنه خضع لفحص سلبي أو لديه المناعة بعدما أصيب بالمرض، حتى إذا كان قادما من المناطق أو الدول الأكثر وباء.

وفي وقت لاحق سوف تقر السلطات الأوروبية اعتماد شهادات اللقاح كشرط ضروري للتمكُن من التنقل الداخلي أو السفر بلا قيود حتى في ظل زيادة عدد المصابين ،

حيث تتيح أيضا التنقل ليلا دون تقيد بحظر التجوال، كما يمكن استخدام هذه الشهادة لحضور المؤتمرات والحفلات الموسيقية أو المهرجانات والمباريات أو التجمعات السياحية المختلفة ،وكذلك السماح بالدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي للمسافرين من دول أخرى الذين يحملون شهادات التطعيم باللقاحات المضادة لكورونا ، إنقاذا لصناعة السياحة والسفر من كارثة محققة تعيشها كل الدول الآن ، وسوف تتفاقم مع استمرار الأزمة أطول من ذلك ، بعد إعلان اتحاد النقل الجوي الدولي “إياتا” انخفاض الطلب العالمي على السفر جوا بنسبة 63% في مايو الفائت ،وأنه لا يتوقع عودة حركة الملاحة الجوية إلى مستويات ما قبل الوباء قبل حلول عام 2023،

حيث شهدت حركة الملاحة الجوية العالمية تراجعاً ببليون راكب عن توقعات «إياتا» الصادرة ما قبل أزمة “كوفيد-19”،و كان من المفترض أن تتضاعف على مدى 20 عاماً من 4.5 بليون راكب في عام 2019 إلى 8.5 بليون مسافر عام 2039.

وتعتبر الدول الأوروبية المتقدمة أن تجاهل بعض الدول الاعتماد علي شهادات التطعيم الورقية والرقمية يعد نوعا من التخلف واستغراقاً في الإجراءات الصحية المُكلفة اقتصاديا للمسافرين والتي تُحمل الأنظمة الصحية”المرهقة “ جهودا فوق طاقتها وقدرتها المادية والبشرية أيضا ،لأن توفير كل ذلك يتحقق من تقديم الشهادة الرقمية لكوفيد للسلطات الرقابية للتأكد من صحتها في شكل رقمي بواسطة الهاتف الذكي أو من الطبعة الورقية.