الطريق العماني السعودي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٢٧ ص
الطريق العماني السعودي

بقلم:محمد بن علي البلوشي

طريق جديد يمر عبر الصحاري الشاسعة والقاحلة. لكنه سيزدهر بسالكيه والتجارة التي ستمر عليه ليربط بين بلدين كان التواصل البري بينهما يمر عبر محطة ثالثة. يقولون الطرق تقرب المسافات وتختصر الوقت وكذلك ستقرب الطرق بين السكان والشعوب والدول فتقرب القلوب وتكشف النوايا الحسنة والخير. هذه هي المفردات التي سيوفرها الطريق الجديد..وسيشعر العمانيين والسعودين بذلك بعد حين.

للطريق الجديد الذي سيفتتح بين المملكة العربية والسعودية والسلطنة دلالات أخرى بخلاف الترحيب الشعبي لهذا الطريق..في السابق كان العمانيون يعبرون محطة ثالثة للوصول إلى المملكة بالرغم من الجوار بين البلدين وتشاركهما حدودا طويلة..لكن مع هذا الطريق ستفتتح أفاقا اكبر واوسع في الحركة بين السكان والتجارة . سيأتي السعوديين إلى عمان ليجدوا شعبا طيبا بسيطا غير متكلف وغير متكبر..مضياف شهم وكريم يحب الخير للاخرين ويدفع بأبتسامته النقية الخالية من أية مداهنة.

الطريق سيربط بين بلدين يلتقيان في قواسم مشتركة ضمن قدر الجغرافيا وتأثيراتها..فالبلدين يتكئان على تاريخ عريق وإرث حضاري ضارب في القدم ومتسلسل في تطوره كما يتشابه البلدين في تركيبة النظام الاجتماعي بفسيفسائه المتنوعة إلى تمتع كلا منهما بالعادات والتقاليد الاجتماعية الراسخة وأمتدادها من جيل إلى جيل ومحافظة البلدين عليهما ومحاولة إيجاد توازن بين الأصالة والمعاصرة دون التفريط في هذه البنية الإيجابية للبناء الإجتماعي..كما أن البلدين هما الوحيدين في الإقليم الذين يمتلكان مدرستين فقهيتين لها قواعدها ومكوناتها وإنتاجها المعرفي الفقهي المستمد من علمائها فلعمان علمائها الدينين عبر التاريخ الإسلامي وللمملكة علمائها كذلك ممايؤهل البلدين وعلمائهما نحو تكريس وسطية الدين ومحاربة التشدد والغلو والتطرف الذي نخر في جسد المنطقة طوال العقود الفائتة ونبذ الخلافات والفرقة التي تصيب العالمين العربي والإسلامي. يتمتع البلدين بتنوع البيئات الجغرافية التي أوجدت كنزا من الموروث الحرفي والمهني للجماعات السكانية في البلدين.

يمثل السكان بين البلدين تشابها كذلك فالشريحة الاوسع هي الشباب كما أن التركيبة السكانية تميل للمواطنين كما يتقاسم الشعبين نظرتهما للعمل سواء الأعمال الحرة أو الوظائف الأخرى ومواجهتهم لتحديات الحياة وكذلك التحديات الداخلية من التنمية بكل مجالاتها من البنية الأساسية ومد الخدمات إلى مختلف المناطق والمحافظات إلى التنمية الاجتماعية للسكان إلى أهم التحديات وهي تنويع الاقتصاد والعمل والصحة والتعليم. هذه ليست سوى قواسم مشتركة ينبغي أن تنحت قواعد قوية وراسخة للعلاقات بين البلدين بعيدا عن أي تجاذبات قد تمر بها المنطقة والتي ترى فيها عمان والسعودية أن الحوار هو الوسيلة المثلى للوصول إلى توافق.

روضت عمان والسعودية التاريخ بينهما بكل خلافاته واختلافاته لصالح المستقبل الذي سيبقى وينفع البلدين بينما ستبقى قصص التاريخ في الكتب للعظة والعبرة فقط واستشراف المستقبل والولوج فيه فالمستقبل لاينظر للتاريخ بل للأعمال والهمم القوية التي تواجه التحديات في عالم تتغير معطياته كل دقيقة.

يجتمع البلدين على عنصر سياسي واحد..الصدق وحسن النوايا. وهنا سأتحدث عن بلدين جارين يعيش كل منهما بإطمئنان من الاخر على خلاف الخلافات العربية الغالبة التي تصنع المكائد.وتستطيع السعودية أن تطمئن إلى عمان سياسيا فعمان في علاقاتها الخارجية تتميز بالهدوء الدبلوماسي والإنضباط السياسي المتزن والمبني على "لاضرر ولاضرار"

إن نظرت إلسعودية إلى عمان فإنها ستجد جارا شقيقا صادقا حسن النوايا. عمان بلد صغير بمساحته مقارنة بالمملكة لكن المملكة ستجد فيها جارا كبيرا بأخلاقه الاجتماعية والسياسية فعمان لاتشاكس أحد ولاتبحث عن صنع مجد وهمي على حساب الاخرين..عمان بلد يعرف حجمه وإمكانياته وتكرس قيادته جهودها وأهدافها لتنمية مجتمعية داخلية وتحقيق العيش الكريم له وحل مشكلاته كالعمل وتنمية الاقتصاد.. توظف عمان إمكانياتها المالية المتواضعة في خدمة أجندتها الداخلية ولاتخبيء أجندة خارجية للأضرار بأحد أو القضاء على مساحات الأخرين..نعرف حجمنا ونعتز بتاريخنا العريق والحضاري والجذور العريقة للمجتمع. كل ذلك يمكن أن يحقق الشعور للسعودية بالطمأنينة من جارها الذي يدرك معنى الجوار ومعنى العلاقات بين الدول ..فعمان جار رصين ومتزن لاشأن له بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول وتتبع عمان سياسة العقلانية والواقعية التي تميل إلى الهدوء ودرء النزاعات والفتن عن المنطقة بكل ماأوتيت من ذلك سبيلا.

وتؤمن عمان بالدور المحوري للمملكة العربية السعودية في المنطقة إن ذلك لايشعر عمان بالقلق فالموقع والموضع يفرض قواعده والمملكة تتمتع بالموقع الاقتصادي والديني والسياسي فهي قوة نفطية وإقتصادية ولاعبة على المسرح العالمي.هذا لايثير حسد عمان بل ترى فيه القيادة العمانية صمام أمان للمنطقة ويمكن للسعودية أن تسهم فيه إيجابا للحفاظ على الاستقرار الأقليمي ودرء الصراعات أو النزاعات الجديدة مما يمكن الجميع للإلتفات إلى التنمية الداخلية وتنمية الشعوب وتهيئتها لمواجهة تحديات المستقبل المتطور والمتسارع من تنويع الاقتصاد وتوفير العمل وتحسين جودة الحياة للشعوب إلى مواكبة الثورة الصناعية الرابعة.

ويمكن لعمان كذلك أن تنظر للسعودية بإرتياح وليس أرتياب فالمملكة تقودها قيادة حكيمة وشابة متمثلة في جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أصبح يقود مشروعا نهضويا كبيرا لتحديث المملكة ويمكن ملاحظته داخليا وخارجيا مماينعكس إيجابا على المنطقة ويشجعها على الإلتفات للداخل كما أن عمان تدرك نوايا السياسة السعودية الصادقة والواضحة والتي تميل لتنمية للمنطقة ولايمكن لها أن تعمل على الإضرار بجيرانها بل تدعمهم وتقف في صفهم كواجب أخلاقي.

وحينما يزور جلالة السلطان المعظم المملكة العربية السعودية اليوم ويحل ضيفا على أخيه جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز في اول زيارة خارجية رسمية له منذ تسلمه مقاليد الحكم في البلاد فمن المؤكد أن هذه الزيارة ستثبت رغبة البلدين في بناء جسور التواصل والتعاون ودفعها للأمام برغبة صادقة من الجانبين بما يحقق المنافع المتبادلة للبلدين والشعبين وستقرب النوايا وتكشف عنها صدقها