شراكة متجددة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:١٩ ص
شراكة متجددة

بقلم:محمد الرواس

«إذا كانت الأيام يوماً مفضلاً هو أفضل الأيام فهو عندما يتفق الأخوان والشعبان في إطار محبب للنفوس لمصلحة الجميع»

-الملك فهد بن عبد العزيز (١٩٩٠) اتفاقية ترسيم الحدود بين السلطنة والمملكة

في إطار سعي السلطنة نحو توثيق الروابط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع دول الجوار وخاصة المملكة العربية السعودية تأتي الزيارة التي يقوم بها جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - للمملكة العربية السعودية والتي تتضمن توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات النقل والاتصالات والتقنية والمعلومات والاستثمار والاعلام والشباب والرياضة والثقافة وغيرها، التي من شأنها تعزيز العلاقات بين السلطنة والمملكة، فمثل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية هي في الأصل تواصل ثقافي وتجاري وحضاري يجمع البلدين في علاقات شراكة متجددة حيث أن هذه العلاقة تتوثق اليوم بآمال كبرى لمواصلة للسير على خطى الاباء والأجداد المؤسسون لكلا البلدين من أجل التقارب ومد جسور التعاون والمحبة والتآخي في ظل علاقات ثنائية متميزة.

سوف تكون - بإذن الله - لهذه الزيارة العديد من النتائج الإيجابية على مستوى كافة الاصعدة وصولاً إلى رؤية مشتركة نحو السير لترسيخ التوجهات البناءة لدعم وتعزيز العلاقات وتنمية الموارد الطبيعية والاقتصادية وتسخيرهما لخدمة البلدين الشقيقين، من أجل ذلك كان حرص جلالة السلطان هيثم وجلالة الملك سلمان - حفظهما الله - على وضع مثل هذه الزيارة التاريخية التي يقوم بها جلالة السلطان - حفظه الله - في أولى زياراته الخارجية الرسمية منذ أن توليه مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير من عام ألفين وواحد وعشرين لتكتسب صفة التلاحم المتجدد لدول مجلس التعاون حيث ان السلطنة والمملكة يملكان الكثير من المقومات لترسيخ واستمرارية هذا التوافق.

تعتبر السلطنة أرضاً خصبة للاستثمار الواعد وموقعاً استراتيجياً مميزاً على ضفاف البحار والمحيطات الكبرى التي تربط الجزيرة العربية بالعالم عن طريق المحيط الهندي، وهي جاهزة من خلال نهضتها المتجددة ببنيتها التحتية من موانئ ومناطق اقتصادية ومناطق صناعية ومناطق حرة وشبكات طرق داخلية وخطوط ملاحة جوية عبر مطاراتها الحديثة ما يجعل افتتاح المنفذ البري بين السلطنة والمملكة بمثابة تواصل اقتصادي يخدم كلا البلدين ويربطهما بطول ٦٨٠ كيلومتراً عبر الربع الخالي وهو المنفذ الذي يختصر المسافة بين البلدين، ويُعد مسار مروري يوفر المال والوقت ويخدم الاقتصاد والسياحة والحج والعمرة ويسهل هذا المنفذ الحدودي الذي يبدأ من ولاية عبري رابطاً تجارياً مهماً حيث من المأمون أن يضاعف من خلاله التبادل الاقتصادي بين البلدين كونه ميزة يستفيد منها كلا الطرفين، ويجعل التواصل مباشر بين السوق السعودي والعُماني، مما يقلل أسعار التكلفة في النقل والخدمات خاصة في القطاعات السمكية والزراعية، ومن خلال هذا المنفذ البري سوف يتمكن رجال الأعمال في كلا البلدين استثمار الكثير من الفرص التي سوف تخدم سياسة التنوع الاقتصادي التي تنتهجها كلا البلدين من خلال رؤية عُمان ٢٠٤٠ ورؤية المملكة ٢٠٣٠..أن معظم الاقتصاديات الناجحة في العالم تقوم على التقدير المسبق للاحتياجات الإنسانية للمواطنين وتلبيتها بعد ذلك ، وهذا ما يتم تجسيده في هذا المنفذ الحيوي الهام من خلال إنتاج وتوزيع السلع والخدمات، حيث إن النظم الاقتصادية العالمية التي شهدت تطورات هائلة قامت بتسخير الموارد الطبيعية التي تملكها، ووفرت اليد العاملة، والتكنولوجيا وما يلزم من قدرات مالية وإدارية مما ادى الى تفوق اقتصادها وتطوره وسهلت سُبل تواصلها مع الاقتصاديات المجاورة.

خلال الخمسة العقود الفائتة بالسلطنة نستطيع أن نقول أن لدينا نتاج تجربة اقتصادية، وثقافية، ومعرفية اكتسبت من إرث تاريخي، واليوم يمكن تأكيد ضمان إيجاد نظام اقتصادي متجدد بالسلطنة يعتمد على موارد طبيعية متعددة حبانا الله بها يمكننا رفد اقتصادنا العُماني عبر إعادة إنتاج سلع مهمة ومطلوبة منها السمكية والزراعية والمعدنية على سبيل المثال لا الحصر من خلال التواصل مع اقتصاديات مجاورة مثل اقتصاد المملكة العربية السعودية، وغيرها من الاقتصاديات الإقليمية.. إن أحد عوامل نجاح أي نظام اقتصادي بجانب نوعية العمل ، وجود موارد و كوادر بشرية وتقنية ومعرفية، وهذا ما نشهده حالياً بالسلطنة ، حيث تتوفر الموارد الطبيعية، وهذا ليس إلا جانباً واحداً من عملية التطور الاقتصادي، ويمكن أن نضرب مثال بذلك الثروة السمكية بالسلطنة عبر تطوير وتوسعة الصناعات السمكية بالسلطنة وشركات الاسماك بكافة المحافظات الساحلية، فخيرات البحر مورد لا ينضب ولله الحمد، والصناعات السمكية يعود نجاحها إلى ما يقوم به رؤساء مثل هذه المؤسسات الذين يستجيبون للإرشادات الواردة من الاسواق المحلية والاسواق الخارجية وتعرفهم على مصادر الطلب من الثروات السمكية التي تحتاج الى الموارد المالية والتي قد تحتاج لمزيد من الموارد المالية وتشييد المزيد من الصناعات السمكية التخصصية، ومثل هذه الاستثمارات يفترض أن تقوم بها المؤسسات المالية الوطنية والصناديق المتخصصة، فبعد خمسين عاماً من حصاد مالي للمؤسسات المالية الكبرى أوجدت الخمسة العقود الماضية رجال اعمال وصناديق مالية ، واسواق تجارية لديها من الرساميل ما يمكن استخدامه في تجديد النهضة الاقتصادية العُمانية، عبر الاستثمار المباشر لفرص الاستثمار الواعدة بالسلطنة، مما سيعود بعوائد مرتفعة لاستثماراتهم الوطنية.. واليوم عند توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة بين السلطنة والمملكة التي نتحدث عنها في هذا المقال يمكننا القول أن شركات القطاع الخاص والشركات المساهمة الكبرى بكلا البلدين يمكن أن تكون استثماراتها على هيئة تكتلات اقتصادية مشتركة في الاسواق لتتشكل مؤسسات تجارية تهدف لخدمة اغراض اقتصادية صناعية وتجارية وزراعية وصناعات نفطية وغازية وخدمية وغيرها يمكن تبادلهما، إضافة إلى الإستثمارات المتوقعة لرؤوس اموال إقليمية واجنبية في ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي خاصة في مجالات الشحن والنقل والخدمات البحرية والأعمال اللوجستية.