في حياتك حدأ وبوم وغربان ، وعصافير أيضا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/يوليو/٢٠٢١ ٠٩:٠٧ ص
في حياتك حدأ وبوم وغربان ، وعصافير أيضا

بقلم:خالد عرابي


تداول خلال الأيام القليلة الماضية مقطع فيديو حول طائر "الحدأة" وتجمع على "حدأٌ" و "حداء" ، والبعض يطلق عليها "الحدبة" وتجمع حدبات ، وتضمن هذا المقطع ما يقوم به هذا الطائر من دور خطير ، حيث يتعمد اشعال الحرائق ونقل النار من مكان إلى آخر و قد قام في فترة من الفترات بحرق كثير من الغابات أستراليا . 

كما وتصادف أن انتشر في نفس التوقيت مقطع آخر للدكتور عبدالدايم كحيل وكان حول هذا الطائر ووصفه بأنه الطائر الغريب الذي أمر سيدنا النبي "عليه أفضل الصلاة والسلام " بقتله حتى ولو كان داخل الحرم ، وقال عنه بأن أحدث الدراسات التي قام بها باحثون بجامعة سيدني الأسترالية توصلت إلى أن طائر "الحدأة" يتعمد اشعال الحرائق في الغابات بطريقة احترافية ، فهو يستخدم منقارة ومخالبة حتى أنه يحاول مع زملائه من الطيور من نفس جنسه توسيع رقعة هذه الحرائق .

وأضاف الدكتور كحيل قائلا: هذه الظاهرة أدهشت العلماء، حيث كان تساؤلهم الرئيسي: كيف تتمكن هذه الطيور من اشعال هذه الحرائق ونشرها لأوسع نطاق ممكن؟ ومن الذي علم هذا الطائر ذلك؟! وأردف قائلا: أجابت على ذلك نتائج البحث الذي نشر في مجلة اثنوبيولوجي - على حد وصفه - والذي أكد على أن هذه الطيور المؤذية تنشر الحرائق لكي توسع مناطق صيدها ، وتستخدم تقنيات عالية في ذلك ، لدرجة أن السكان المحليين في أستراليا يعرفون ذلك منذ زمن بعيد ، ولذا أطلق العلماء تحذيرا من هذه الطيور وضرورة التخلص منها نظرا لضررها ولدرأ شرها .

موطن شاهد الدكتور كحيل واستحضاره لهذه القصة في مقطع الفيديو الذي نشره كان مهم جدا وهو أن هذه التحذيرات التي يطلقها العلماء في القرن الحادي والعشرين ، سبقهم إليها بعدة قرون سيدنا النبي "عليه أفضل الصلاة والسلام" فقبل أربعة عشر قرنا ، أي في القرن السابع الميلادي أطلق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" هذا التحذير من شرها ، بل وأمر بقتلها حتى ولو وجدت في الحرم - حيث يحرم الصيد وقتل الحيوانات - .

واستشهد الدكتور كحيل في ذلك الأمر بحديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حين قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " رواه البخاري ومسلم.. وهذا يدل على أن كل ما أمر به النبي الكريم فيه حكمة عظيمة وأنه جاء لمصلحة الناس وخير البشر .

وهنا لي موطن وشاهد أخر من القصة السابقة وهي أنه في حياة كل منا بالفعل حدأ ولكن ليست من الطيور ، فهي من البشر ، حيث أن هناك أناس يفعلون ما تفعله الحدأة فهم يتعمدون اشعال الحرائق ويوسعون نطاقها ولكن بطرق شتى ، فيؤذون الآخرين وهؤلاء أشد مكرا وأكثر ضررا على حياة الناس - جنبنا الله و أياكم مكرهم و شرورهم .

ترى هل في حياتنا حدأ فقط ؟ بالطبع لا ، فهناك بوم وغربان ، وهم أيضا ليسوا من الطيور فقط فهناك بوم وغربان من البشر ، ومن المضحك المبكي وشيء بالشيء يذكر أتذكر أنه في إحدى المرات كنت في أحد المجمعات التجارية وسمعت طفل عربي يتشاقى مع والدته وبينما هو يتحدث معها فرد عليها قائلا لها " بومه " ، وهنا القصد أن هناك أناس أيضا يكونون بمثابة البوم الذي ينشر في الأجواء ومن حوله الفقر والبؤس والبين وينشر أجواء من السوداوية حتى يشعر الناس من حوله بأن الدنيا ظلام و الحياة صعبة وكئيبة ولا يوجد فيها غير البؤس والشقاء والسواد . وهذا النوع من الناس حذر منه علماء النفس و وصفوا أصحابه بالأشخاص السلبين والمحبطين أو من ينشرون الطاقة السلبية ..

أما عن الغربان فهؤلاء الذين يشبهون النوع السابق ولكن في منطق ومنطلق التشاؤم فهم أيضا يرون كل شيء أسود ومن ثم يؤدون نفس الدور السابق ولكن بطريقة أخرى ، وقد تم الربط بينهم وبين الغربان لأن الغراب في الأمثال والتاريخ ربط بالشر والطيره ، ولذا كان الشاعر أبوالعتاهية يوصف بأنه شاعر ذو طيره أي كثير التشاؤم فلو خرج من داره ورأى غرابا أو كلب أو قطة سوداء أو قابل شخص أسمه لا يعجب مثل أبو الأسود وغيرها يعود ويغلق عليه داره ولا يخرج إلا في اليوم التالي، وحتى في اليوم التالي هو وحظه فقد يتكرر نفس الأمر ولذا قيل كان يحبس نفسه لأيام و حتى أسابيع.

المهم: هل الحياة كلها حدأ وبوم وغربان؟ بالطبع لا فالدنيا والحياة فيها الكثير من الطيور الجميلة ففيها العصافير، وهؤلاء نشبه بهم الأشخاص الممتازون المتفائلون ، فأنت حينما تلتقي بأناس يحبون الآخرين ويتعاملون مع الأشياء بإيجابية ويرفق ، ويتحدثون عن النصف المملوء من الكوب والأشياء الجيدة فهم يبثون التقاؤل والإيجابية من حولهم . وهنا نقول أن كلا النوعين قد يكون موجود في كل مكان حولك في الشارع ، وفي العمل ، وأحيانا في البيت ، فقط كل ما عليك هو أن تنتبه وألا تتأثر بالحدأ والبوم والغربان ، وأن تنتقي العصافير .