الأب الغني .. والأب الفقير

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/يونيو/٢٠٢١ ١٧:٣٧ م
الأب الغني .. والأب الفقير

خالد عرابي 

بينما كنت منهمك مشغول بكتابة و تدوين شىء ما عقب عودتي من العمل وأخذ قسط من الراحة ، وإذا بزوجتي تتنقل بين قنوات التلفاز ، فلفت انتباهي برنامج على إحدى الفضائيات ، وكان لواحد من دعاة الفضائيات الجدد المشهورين ويتحدث فيه عن فكرة القناعة والحمد وأنه على كل واحد منا أن يكون حامدا شاكرا وقنوعا، لما في ذلك من نعم، فمهما إن كانت ظروفه وأحواله ووضعه الذي يعيشه فحتما ولابد هناك من هو أقل منه ، ولذا فعلى الإنسان دائما أن يتذكر من هو أقل منه ، فعلى سبيل المثال إذا كان راتبه بسيطا ، فليتذكر من ليس لديه راتب .. وإن كان في وظيفة دنيا فهناك من هو في وظيفة أدنى منه بل ، بل وهناك من ليس لديه وظيفة في الأصل .. وغيره من الأمثلة الكثير ..

بالطبع الحكم على مثل هذه الفلسفة يتوقف على سياق وطريقة الكلام والحديث ، وظروف المقام والمقال فكما يقال "لكل مقام مقال" ، فإذا كان هذا الحديث في سياق ديني ومن ذوي عدل وثقة فلا اعتراض عليه لأن القناعة والحمد والشكر مفاهيم سامية ولها تقديرها و ينظر لها هكذا في إطار من الحض و الحث على السعي و الجد والعمل و الأخذ بالأسباب ومن ثم بعدها تكون النتائج وفق ما هو مكتوب ومقدر ..

ولكن إذا كان هذا الحديث من سياسي مثلا أو من الحكومة في دولة ما أو من ليس بذوي عدل فهنا قد تكون النظرة إليه مختلفة ، فقد ينظر إليه على أنه نوع من تسبيط الهمم والدعوة إلى الإتكالية والتكاسل، وعدم الجد و الاجتهاد ، وقد ينظر له على أنه نوع من التخدير للشباب لتضييع جهدهم فيما لا يفيد و جعلهم يموجون في بحر لجي من النوم والتسيب وعدم العمل .

ولكن هذا الحوار ذكرني بكتاب مهم قرأته وعدت إلى عدة مرات متى و أن أـيحت لي الفرصة ألا وهو كتاب " الأب الغني .. والأب الفقير " وهو كتاب كتب في الأصل بالإنجليزية ولكن ترجمته مكتبة جرير للعربية ، وهو للكاتب الأمريكي المولد والجنسية، الياباني الأصل روبرت كايوساكي وهو كاتب و مؤلف و خبير في التنمية البشرية و رجل عصامي بدأ حياته من "الكابتل زيرو" أى كما نقول في العربية من الصفر أي بمعنى أوضح وأدق "من لاشيء" أو بمعنى آخر من العدم ، أي كان لا يملك من حطام الدنيا شيئا، ولكنه آمن بقيمة العمل و الجد و الاجتهاد و عدم الاعتماد على الوظيفة و من ثم نجح فأصبحت كتبه من أكثر الكتب مبيعا و أصبح مليونيرا و باعت كتبه نحو 26 مليون نسخة، الشيء المهم في قصته وما أردت أن اقتبسه هنا أنه جرب و حاول و كرر التجربة والمحاولة و لم ييأس و نجح نجحا محدودا وفشل و حصل على بعض الأموال ثم أفلس و حاول ثانية وثالثة و مرارا و تكرارا حتى نجح و وصل إلى ما هو عليه و ما ذكرته سابقا عنه، و الشيء الأهم من وجهة نظري و هو ما أردت التركيز عليه اليوم هو المحاولة و التكرار وعدم اليأس من شيء ..

الأمر الثاني والذي أعطيه أهمية أكبر وهو الإيمان بأنه مهما إن عمل الشخص براتب فلن يكون هذا هو النجاح المبتغى أو المراد الأكبر، فالراتب لا يصنع نجاح ولا يخلق للفرد رفاهية لأن خلاصته أنه مهما إن حصل الشخص على راتب فإنه يوفق حياته في إطار هذا الراتب ، و كما يقال كل شخص منا ينفق وفقا لراتبه فإن كان راتبه 500 ريال فهو ينفق شهريا بناء عليها ، و إذا ترقى في الوظيفة و أصبحت 700 فسيكون الأمر كذلك وهكذا حتى و أن أصبح رتبه ألف أو الفان أو عشرة آلاف ، و هنا لو أن كايو ساكي ركن لوظيفة لما وصل لما هو عليه و لما ألف كتب و لما باع 26 مليون نسخة من كتبه .

ولكن المهم او الأمر الأكثر أهمية هو أن يكتشف الإنسان ذاته و يفتش بداخله عن النجاح فليس شرطا أن يكون طبيب ناجح بل من الممكن أن يكون كاتب و روائي ناجح و لنا من الأمثلة العربية أسوة فطبيب الأسنان المصري علاء الأسواني كانت روايته شيكاغو من أكثر الكتب العربية مبيعا .

و لو رجعنا إلى خبيرنا و قدوتنا في هذه المقال كايو ساكي فسنجد له من الحكم والأقوال التي تجعلنا نؤمن بنظريته و نسلم بها لأننا لو فكرنا فيها قليلا فسنجد أنها قمة في المنطقية والاقناع فهو من يقول و بحسب الكتاب: "الوظيفة حل قصير الأجل لمشكلة مزمنة طويلة الأجل، وما الوظيفة المرموقة الآمنة إلا وهم زرعه أباؤنا في عقولنا، من غير وعي ظنا منهم بأنه الملاذ الآمن و هم بدورهم ورثوه عن أبائهم" .. و يقول: " مهما أرتقيت من وظائف مرموقة فسيأتي يوم تصبح عجوزا وجب تغييرك " .. و يقول: " العبد ذو الأجر الكبير يظل عبدا في نهاية الأمر " .. و يقول أيضا: " الموظف يعمل بأقصى طاقته حتى لا يصرفه رب العمل .. و رب العمل يصرف و يدفع أقل ما يمكنه حتى لا يتركه الموظف" أي ليحافظ على المال لأنه لو جاء يوم و لم يجد هذا العامل راتبه فحتما سيترك العمل " .. إذا أليست كل هذه الأقوال منطقية وعقلانية و تجعلنا نفكر أو نعيد التفكير فيما نحن فيه من وظائف؟ وأنه على كل شاب في عمله ألا يفكر في أن العمل أو الوظيفة ومن ثم الراتب الشهري هو الملاذ الآمن ونهاية الحياه .. بل وعليه أن يتخذ العمل خطوة لجمع ما يستطيع من المال ثم يبدأ مشروعا صغيرا يوظف فيه أفكاره و قدراته فيكبر به و يكبر معه ومن ثم يذق طعم النجاح الحقيقي والأكبر.

وهنا أرى أنه من الواجب على أن أذكر بخلاصة ونصيحة مهمة يمكن أن نتعلمها من مؤلف هذا الكتاب روبرت كايوساكي وشريكه في التأليف شارون إل . لشتر ، وهي أن الأب الغني هو الذي الأب الذي يستطيع أن يرى أن العمل أو الراتب الشهري ما هو إلى خطوة أو درج في سلم النجاح ، وأن الواحد منا عليه أن يتخذ العمل خطوة لجمع بعض الأموال والبدء بالعمل الحر أو لمشروع خاص ، بينما الأب الفقير هو من يظل قابع في الوظيفة معتمد على الراتب الشهري ، و أزيد على ذلك علينا كجيل جديد أن نسعى لنأصل في فكر و ذهن ابناءنا ذلك وهو أن الوظيفة و الراتب ليس الأمان الحقيقي للفرد وأنها مجرد خطوة ومرحلة يجب أن تكون مؤقتة في حياة كل فرد.