كيف ننقذ البرازيل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٥/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٤٥ ص
كيف ننقذ البرازيل

لويس فيليبي ديفيلا

يبدو أن الأزمة السياسية البرازيلية قد وصلت لذروتها والآن بعد أن صوت مجلس النواب البرازيلي لصالح عزل الرئيسة ديلما روسيف بسبب إنتهاكها للقواعد المالية ،سيصوت مجلس الشيوخ الذي يصل عدد أعضاءه لواحد وثمانين شخصا في الأيام القادمة على ما إذا كانت ستخضع للمحاكمة ولو وافق 42 عضو على ذلك فسيتم إيقافها لمدة لا تزيد عن 180 يوما يتولى خلالها نائب الرئيس ميشيل تامر مهام الرئاسة ولو لم يصوت مجلس الشيوخ بغالبية الثلثين على الإدانة خلال تلك الفترة فإن روسيف ستعود للرئاسة ولكن يبدو أن النتيجة الأكثر ترجيحا هي أن يقوم تامر بتولي مهام الرئاسة خلال السنتين المتبقيتين من الفترة الرئاسية لروسيف.
بغض النظر عن ماذا سيحدث لاحقا لذلك فإن البرازيل لم تخرج من مرحلة الخطر بعد فوضعها الإقتصادي سيء للغاية وهذا يعتبر نتيجة مباشرة للسياسات الشعبوية التي بدأها سلف روسيف الرئيس لويس أيناسيو دا سيلفا والتي حافظت عليها روسيف ففي أوائل العقد الماضي بدأت حكومة لولا التي كانت تتدفق عليها الأموال بفضل طفرة السلع بتوزيع ائتمان مدعوم على المستهلكين والشركات وخفض الأسعار بشكل مصطنع كما توسعت في الإنفاق الحكومي بإكثر من ضعف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. لقد كانت النتيجة تزايد الدين العام والذي وصل إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي وتوسع العجز والذي وصل إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا.

وعوضا عن الإقرار بالمشكلة ومراجعة السياسات طبقا لذلك ،لجأت روسيف للحيل المحاسبية المراوغة من أجل تمكين حكومتها ظاهريا من تلبية هدفها الأولي المتعلق بالفائض بدون خفض التحويلات الإجتماعية وحتى بعد إنهيار أسعار السلع وهذا مكنها من الفوز مجددا بالرئاسة سنة 2014 ودفعها لأن تعزل اليوم ( إن فضيحة الفساد الضخمة في شركة بيتروبراس المملوكة للحكومة والتي كانت ترأسها روسيف لم يكن عاملا مساعدا لها أيضا).

لكن بالطبع روسيف ليست الوحيدة التي تعاني من عواقب هذه المقاربة فالبرازيل تواجه أسوأ ركود إقتصادي منذ 80سنة حيث تشكل البطالة حوالي 10% والتضخم السنوي يتجاوز 10% وأنهارت مستويات المعيشة وعلى الرغم من أن البرازيليين يدفعون 37% من الناتج المحلي الإجمالي على شكل ضرائب كل عام – حوالي نفس المعدل الذي يدفعه الأوروبيون – فإن جودة الخدمات العامة ما تزال متدنية للغاية.

لو إفترضنا أن تامر سيتولى مهام الرئاسة ، سيتوجب عليه أن يتصرف بسرعة من أجل إعادة الإقتصاد للمسار الصحيح وإعادة بناء ثقة قطاع الأعمال وإستعادة ثقة الناس في الحكومة وهي ستكون مهمة صعبة للغاية بالنسبة لأي زعيم وخاصة لشخص سوف يمضي سنتين فقط في الحكم ولا يتمتع بدعم شعبي عريض وبالنسبة لتامر ليس هناك مجال للخطأ.

ستكون مهمة تامر الأولى هي تشكيل حكومة يمكن أن تأتي بسياسات إقتصادية صارمة وذات مصداقية وتأمين الدعم البرلماني الضروري وبعد ذلك يجب تطبيق أجندة من أربع نقاط للإنعاش الإقتصادي.

النقطة الأولى من تلك الإجنده هي تسريع إستثمارات البنية التحتية وهذه تعتبر الطريقة الأسرع من أجل إعادة إحياء الإقتصاد وتوفير الوظائف ولكن البرازيل بحاجة ماسة لرؤوس الأموال الأجنبية من أجل تمويل بناء الطرق والموانىء والمطارات ومشاريع الطاقة ولجذبها يتوجب على الحكومة تحسين الشفافية وتبسيط القواعد واللوائح وتقديم سندات الأداء (لضمان إكمال المشاريع) وإلغاء الحد الأعلى للعائد على الإستثمار.

النقطة الثانية يجب أن تتعلق بإصلاحات سوق العمل . إن أفضل مقاربة والتي ستمكن الحكومة من تجنب جدل سياسي لا ينتهي عن القوانين التي يجب إلغاءها هي الموافقة على تعديل دستوري يضمن حق العمال في عمل عقود خاصة مع أصحاب العمل .إن مثل هذا الإجراء سوف يخفض تكاليف العمالة بشكل كبير ويخرج العمال من القطاع غير الرسمي.

ثالثا ، يتوجب على تامر التعامل مع إصلاحات التقاعد وعلى الرغم من وجود إجماع على رفع سن التقاعد من 60 إلى 65 سنة فإن هناك مقاومة قوية لتخفيض المعونات الإجتماعية ومرة أخرى تستطيع الحكومة التقليل من المناوشات السياسية المضيعة للوقت هذه المرة وذلك بالتركيز على القطاع العام . تنفق الحكومة البرازيلية حاليا على 950 ألف موظف حكومي متقاعد نفس المبلغ الذي تنفقه تقريبا على 28 مليون عامل متقاعد في القطاع الخاص مما يعني أن المشكلة الأكبر هي أيضا تلك التي ستكون أقل صعوبة من الناحية السياسية للتعامل معها .

أخيرا ، تحتاج البرازيل إلى أن تستعيد مكانتها في الإقتصاد العالمي وعليه يتوجب عليها إعادة إحياء نمو الإنتاجية وتوسيع الصادرات وفتح إقتصادها للمنافسة العالمية والدخول في صفقات ثنائية وإقليمية جديدة مع كبار اللاعبين الإقتصاديين ولو نجحت حكومة تامر في المجالات الثلاثة الأولى فإن بناء مصداقيتها أثناء ذلك سيجعلها في موقف قوي من أجل تحقيق أهدافها كذلك.

إن أجندة الأربع نقاط حيوية من أجل إعادة تنشيط الإقتصاد البرازيلي وجعل الإنفاق العام تحت السيطرة ولكن هذا لن يكون كافيا لوقف الحلقات المفرغة من الإزدهار والإفلاس والتي تتعرض لها البرازيل منذ فترة طويلة ومن أجل ذلك يتوجب على البرازيليين أن يلقوا نظرة فاحصة على المواقف والتوقعات والتي جعلتهم في هذا الوضع . إن التغيير الحقيقي يعني كسر الإدمان على دولة الرعاية التدخلية ودعم التعديلات الضرورية في السياسات وإن كانت تعديلات بغيضة .

مايزال الطريق طويلا أمام البرازيليين من أجل القضاء على الفساد وإصلاح أو إلغاء السياسات الشعبوية وخلق مؤسسات دولة فعالة ومسؤولة ولكن يبدو أن مزيج من السخط الشعبي ووجود قضاة شجعان ومستقلون وصحافة حرة وديناميكية قد وضع البلاد على طريق واعد بحيث لم يتم تسليط الضوء على الأفعال غير المسؤولة للسياسيين ورجال الأعمال فحسب بل ومعاقبتهم كذلك .

إن عزل روسيف المرجح بحد ذاته لن يحل المشكلة ولكن لو ساعد ذلك في دفن المعتقدات والقيم التي جعلت البرازيل تتراجع فإن البلاد يمكن أن تجد نفسها وكما ذكر ونستون تشرشل في نهاية البداية.

رئيس مركز البرازيل للقيادة العامة .