السِّياقة الجميلة في زمن الرعيل الأول

مؤشر الأربعاء ٢٣/يونيو/٢٠٢١ ١٨:٠٥ م
السِّياقة الجميلة في زمن الرعيل الأول

بقلم: حمد بن سالم العلوي

إذا نظرنا إلى ما يجري في شوارعنا المحلية اليوم، فأنك ترى سياقة طائشة ومتهورة وخطيرة، وليست شبهاً للشخصية العُمانية الهادئة والمتسامحة، فعندما كنت تنزل إلى الشارع سائقاً أم ماشياً، تشعر بأخوة وألفة مع الجميع، والكل يحترم تواجدك ويسهل مسارك، وأنت تتربص الفرص لترد له ذلك الجميل، ولكن اليوم تأسف على ما كنا عليه في مطلع السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ويعجب المرء كيف يحدث هذا بعد ذلك الهدوء والمثالية الرائعة، ففي نظريات "داروين" التي تتكلم عن النشوء والإترقاء كما يؤمن بها على الأقل صاحبها، فيقول الإنسان كان أصله قرد فتطور وأرتقاء وصار إنساناً، وإن كنا نقول كذب صاحب النظرية وصدق الله العظيم، وحتى إذا أردنا أن نطرح نظرية داروين على السياقة في بلدنا "عُمان" فجودناها تسير عكس هذه النظرية الضالة، وإن كان قد ظل العرب يدرسونها للطلبة في المدارس إلى عهد قريب لقناعتهم بها جهلاً.

إذن؛ السياقة في مسقط والتي كانت مضربُ المُثل في تلك الأزمنة في تأدُّبها وذوقها الرفيع، لأن السائقين قد أخذوا أدب المجالس "السبلة العُمانية" معهم أينما ذهبوا، ولكنها لم تعد اليوم كذلك، وكان الأمل أن ترتقي وتتقدم بمرور الوقت، ولكن تلك السجايا الحميدة، وجدناها قد ذابت وأندثرت مع طغيان الثقافات الوافدة، وقد توقف نموها وتطورها، لا بل وتخلفت عن مسايرة غيرها، وكان الأمر الطبيعي، أن تواكب التقدم الحداثي، الذي شمل مناحٍ كثيرة من صنوف الحياة المختلفة، وذلك في تطورها وتقدمها، وعلى سبيل المثال تطور شبكة الطرق في البلاد، ووسائل الملاحة الجديدة.

لكن الأمر الذي يؤسف له المرء، وخاصة من ظل على قيد الحياة من ذلك الزمن البعيد، ووضع مقارنة ذهنية بين ما كان عليه واقع الحال في ذلك الزمن البعيد/ القريب، والذي كان جميلاً ورائعاً، فعندما تقف عند عبور المشاة الوحيد في السلطنة على الطريق البحري، مقابل سوق مطرح العتيد، فترى كل السيارات تأتي مسرعة - وحتى كبار الشخصيات ممن كانت لهم هيبة خاصة - ولكن تجد الجميع يتوقف عند خطوط عبور المشاة، فهناك من يتخلَّى عن هيبة لتعلو هيبة النظام، فإن لم يجدوا من يريد العبور استأنفوا السير، وابتعد عن المكان، وأعين الناس تلاحقهم حباً واحتراماً لذلك السلوك الحضاري التلقائي، فلا شرطي يفرض ذلك، ولا إشارات حمراء تنظم التوقف، ولا حتى إشارات وميض أصفر في المكان، أما اليوم فالأمر مختلف جداً عن ذلك الوضع المتحضّر، فتنظر إلى الشارع وتتخيل إن الذي يجول فيه أسود ضارية جائعة تمر بالشارع، لا سيارات حديثة يقودها إنسان مثقف متعلم، ويفترض أن يكون مهذباً ومتحضراً أكثر عن أولئك الذين ملكوا الشوارع بأخلاقهم في تلك الحقب الزمنية.

- أعلم أخي السائق:

"إن السياقة: "فن، وذوق، وأخلاق" وأنت تعلم أن المركبة لا عقل لها ولا إرادة، بل عقلها بيد سائقها، وعليك أخي السائق؛ أن تتجنب أخطاء الآخرين، فاخذ حاجتك من الطريق، وأتركه آمناً لغيرك كونه ملك الجميع".