لعنة الاستهلاك

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٥/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٤٠ ص
لعنة الاستهلاك

لميس ضيف

كنت في طريقي لزيارة عمل في تونس عندما سألت والدتي – حفظها الله – إن كانت تريد شيئا من هناك متوقعا أن تجيبني بـ" سلامتك" كما تفعل عادة ولكنها أطرقت تفكر ثم قالت لي بلهجة خجولة " سمعت أن لديهم طناجر طبخ فخارية ممتازة ". بلعت لساني ولم أذكرها بمخزنها الذي امتلأت رفوفه بأطقم تكفي لاستقبال مدينة، ولا بما تملكه من أوانً وطناجر تزيد عن ما تملكه المطاعم ! كان علي أن أقول " من عيوني " فطلباتي أوامر عند والدتي ويجب أن تكون طلباتها – المحدودة للأمانة كذلك.
ذهبت لتونس؛ ورغم ضيق الوقت وضغط ورشات العمل إلا أني سألت إحدى المنظمات على استحياء عن الوجهة التي علي أن أقصدها للشراء فعرضت مشكورة اصطحابي وهناك أبتعت ما أظنه أثقل طقم في العالم وحملته للبلاد لينظم لأخوته في سباتهم المريح على الأرفف!!
لم أعجب يوما بحبنا كخليجيات لتكديس الأشياء، ولا باكتظاظ بيوتنا بأشياء لا نحتاج منها أكثر مما نحتاج، لطالما وجدت البيوت الغربية مريحة: مساحات فارغة مريحة للعين وقطع معدودة، وكافية، من كل شيء. لذا تجد أن عائلة من 4 أو 5 أِشخاص تعيش بانسجام وراحة في شقة من غرفتين حيث يبدو كل شيء منظما. فيما نعيش نحن في بيوت كبيرة - ومزدحمة - رغم قلة عدد أفراد الأسرة لأننا ببساطة لدينا الكثير من الأثاث، الكثير من الأدوات والمعدات والقطع التي تحتاج لبيت مستقل لها وحدها!
عندما واتتني الفرصة لتأثيث بيتي الخاص أردته أن يكون على الطراز الذي لطالما أحببته: الرحب غير المختنق بمئات الأشياء التي قد نحتاجها مرة في العام وقد لا نفعل. قاومت مقترحات والدتي وصددت مشترياتها. ولكني – وخلال أقل من عام – وجدت نفسي على السطر ذاته !
قبل يومين فقط قصدت محلا لأشتري قطعة واحدة ظننت أنها ستكون إضافة لطيفة لمائدتي. وعندما خرجت من المحل اكتشفت بأني اشتريت تسع قطع تافهة لمجرد أن هناك عرض تشجيعي على بعضها!
لاشك لدي بأننا نملك ثقافة استهلاكية هي الأسوأ في العالم.. ونتوارثها جيلا بعد جيل. نحب ما يسميه المصريون " الكراكيب "ونسميه نحن " الخراخشين " .. نتوهم الحاجة لما لا نحتاجه وجهازنا المناعي ضد الإعلانات والدعايات من الضعف بمكان لا نحتاج فيه لكثير من الإلحاح لنسقط ضحية منتجات مكلفة بلا سبب وجيه سوى ما ينفق في سبيلها من أموال على الإعلانات والترويج !!
في الغرب يباع كل ما يفيض عن الحاجة في ما يُسمى "بيع الكراج" لكونه يباع في مئراب المنزل أو في "سوق البراغيث" وهو الرديف الغربي لأسواق الجمعة عندنا، ولسنا بحاجة لمثل تلك المسارب لتصريف ما دفعنا الشره لشرائه فنحن نملك خيار منحه لآخرين يحتاجونه أكثر منا وهو الخيار الأكثر دعّة وإنسانية.
ختاما نقول علينا أن نستيقظ، ونتيقظ لسلوكنا الاستهلاكي .. فهو لا يتخم منازلنا فقط بل ويخنق الحياة فيها أيضا.