مسقط - ش
ملفتة هي الأرقام التي أظهرها تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حول مؤشر ثقة المستهلك في السلطنة، فالمؤشر لحظ انخفاضاً في الربع الأخير بمقدار طفيف يقدر بـ 0.8 نقطة في الربع الأخير من العام 2015، مسجلاً 95.1 نقطة مقابل 96.1 في الربع الثالث، أي في نهاية شهر سبتمبر 2015.
أما أهمية المؤشر فهو بكونه يشكل دليلاً ملموساً عن ثقة المستهلك بالاقتصاد الوطني، وكل ما يتعلق به من مستوى الدخل وحجم التضخم وفرص العمل المتاحة وإمكانيات الاستثمار. وبالتأكيد يتأثر المؤشر بشكل كبير بالأجواء الاقتصادية العامة للبلاد، إذ أن الحديث عن أزمة اقتصادية أو غلاء في الأسعار من شأنه أن يدفع المؤشر إلى التراجع.
وعملياً ينعكس ذلك في أداء المستهلكين ومدى استثمارهم أو إنفاقهم، فكلما زاد معدّل إنفاق المستهلكين، كلّما زادت نسبة الطلب مقابل العرض، مما يزيد الإنتاج وينشط الدورة الاقتصادية بكاملها، أما إذا أحجم المستهلك عن الإنفاق فذلك يؤدي إلى نمو العرض على الطلب ويؤدي تدريجياً إلى تباطؤ الاقتصاد.
وعندما تعاني الدول من مشكلات سياسية أو اقتصادية، يميل المواطنون والسكان إلى التقشّف ولا يقدمون إلا على شراء الحاجيات الاساسية، خوفاً من أزمة مقبلة، أو وضع اقتصادي صعب، كالصرف من العمل أو غلاء الأسعار. فيفضلون التريث قبل الإقدام على أي استهلاك كبير ويبنون سلوكهم على توقعاتهم الشخصية بالنسبة للاقتصاد.
لذلك فإن المؤشر يتأثر في سلوك كل فرد من أفراد المجتمع، والعادات الشرائية التي تبدو شخصية جداً تجتمع لتعكس جواً عاماً يصل أثره إلى كل البلاد. لكن ما الذي تعنيه أرقام مؤشر ثقة المستهلك الأخيرة؟.
بحسب التقرير يعتمد المؤشر على ثلاث نقاط أساسية، وهي الأوضاع الاقتصادية الحالية، مستوى دخل الأسرة، وتوقعات المستهلك المستقبلية، وإذا فصّلنا النقاط الثلاث نجد أن انخفاض ثقة المستهلك، ولو بنسبة طفيفة، يعتمد بشكل الأساسي على الخوف من المستقبل، لا سيما أن الأرقام تظهر تناقضاً بين الواقع والمتوقع. ففي الفترة نفسها زاد مستوى دخل الأسرة في الربع الأخير من العام 2015 بنسبة 2.4 في المائة، و1.2 في المائة، مقارنة بشهر ديسمبر العام 2014 وهو رقم إيجابي لا يمكن التساهل فيه، لا سيما إنه يتزامن مع إنخفاض التضخم 0.43 في المائة مقارنة بشهر ديسمبر العام 2014، إذ شهدت السلطنة تراجعاً كبيراً في بعض اسعار بعض المنتجات والسلع والخدمات على رأسها الأسماك والاتصالات. علماً أن التضخم يعتبر من أهم المؤشرات الاقتصادية في أي دولة، لذلك تسعى الحكومات إلى تحقيق معدلات منخفضة فيه، لأنه يعكس الاستقرار الاقتصادي والمالي، وما انخفاض التضخم في السلطنة الا انعكاساً لسياسات اقتصادية نجحت في ضبط غلاء الأسعار مستفيدة من انخفاض تكلفة الإنتاج العالمية للسلع المستوردة لا سيما بسبب هبوط العملات الأوروبية والآسيوية أمام الريال العماني.
وعندما ينخفض التضخم ويزيد معدل دخل الأسر، فهذا يعني أن الاقتصاد بخير، وهذا يعني أن التراجع في مؤشر ثقة المستهلك، مرده إلى قراءة مبنية على التوقعات المستقبلية حصراً، فالناس يتوقعون زيادة في الأسعار أو صعوبات في الحصول على وظائف جديدة، أو حتى تراجعاً في الدخل الأسري، ويبدو أن تلك التوقعات مبنية على الأجواء العامة المتعلقة بتحرير الوقود وانخفاض أسعار النفط العالمية، من دون أن يربطوا تلك الأحداث بالإجراءات الحكومية التي ستطبق بالسلطنة والتي من المفترض أن تؤمن الكثير من الوظائف الجديدة، وتحقق التنوع في الاقتصاد.
إن التشاؤم الذي يسود فئات كبيرة من المجتمع لا بد أن يتبدد، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بعد تطبيق الإصلاحات الاقتصادية بشكل ملموس، فينتقل من المستهلك من التوقع التشاؤمي المبني على الإحساس إلى التوقع الموضوعي المبني على الوقائع والأرقام. وهذا أمر يحتاج إلى مواكبة إعلامية كبيرة للإجراءات الحكومية، وإلى شرح مبسط لانعكاس تلك الإجراءات على الاقتصاد العام، فضلاً عن متابعة الإجراءات الصارمة التي تقوم بها الهيئة العامة لحماية المستهلك وهي الجهة الموكلة بمنع أي استغلال للمواطنين.
إن الاقتصاد العماني يمر بمرحلة حساسة، إذ ثمة توجه نحو تغيير جذري في شكل الاقتصاد، وتحريره من عبء الاعتماد على صناعة النفط من دون سواها، والسلطنة أمام فرصة حقيقية لفتح الاستثمار في مختلف القطاعات التي من شأنها أن تحقق نمواً ملحوظاً في السلطنة على رأسها السياحة وقطاع التعدين والصناعات التحويلية، وهي قطاعات بدأت فعلياً بتحقيق إيرادات كبيرة وتشهد نمواً غير مسبوق في السنوات الأخيرة.
لذلك، من المهم الإسراع في الإجراءات الحكومية، والبدء الفعلي بتطبيق الخطة الخمسية التاسعة 2016-2020، وتعميم إيجابيات التحول الجديد في الاقتصاد، لتعود الثقة إلى المستهلك، وتنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني للسلطنة.