ضفادع الإحباط

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٦/يونيو/٢٠٢١ ٠٨:١٩ ص
ضفادع الإحباط

بقلم : محمد  بن علي البلوشي

تسابقت مجموعة من الضفادع للصعود لقمة جبل أو برج فيما بقي أقرانها الآخرون من الضفادع يشاهدون السباق وهم جازمون أن لا أحد منها سيفوز بصعود القمة وكان لهم رهانهم إلا أن ضفدعًا من المتسابقين فاز بالصعود فاستغربوا فوزه وهم من كانوا يصرخون باستحالة وصول ضفدع واحد إلى تلك القمة لكن الضفدع فاز والسبب أنه كان أصمًا فلم يستمع لهم..قصة تحمل عبرًا كثيرة.تستيقظ من النوم فتتصور أن «لحفاك» صار خشنا مهترئًا .. إنه حال سيء عندما تتحسس ميزانيتك وتقول لا يمكن تغييره..لكنك يمكن أن تغيره في الشهر التالي حينما تصمم على ذلك.. لذلك لديك حل واحد هو الصبر ..لكن ليكون صبرك جميلاً وحتى تتجنب التحطيم الذاتي ابدأ يومك بالتفاؤل بالرغم من كل المحيط الذي يطلق سهاماً ونبالاً- هي الوصف الذي يمكن أن أدعي أنه -صناعة الإحباط- لكن هذه المرة ليست من الضفادع بل من حشود الناس التي تفتقر إلى صناعة الامل والتفاؤل. صناعة الإحباط والتذمر أصبحت تكتسح الفضاء العام المحلي وتنتشر انتشار النار في الهشيم فصارت أعين الناس سوداوية وكأنها ظلت مغلقة أو أن نظرتها كانت أسيرة للتزييف ثم أنكشفت الغمامة فاتضح أن الفضاء المحلي كله سوداوي ويدعو للتذمر الذي يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي الإحباط.


لماذا يحبط الناس أو لماذا عادة يتجهون إلى صناعة الإحباط العام والذاتي ..حينما يفتقدون الأمل فيصبحون غير مكترثين لذلك يميلون إلى السخرية فنشأ ما يسمى السخرية الاجتماعية أو السخرية السياسية التي تتمثل في القصص والأمثال وهي صالحة لكل زمان ومكان وهي للهروب من الواقع ونقده عبر السخرية..أما حينما يشعر الجمهور بأن النور يلوح في اخر النفق هنا ينجلي الإحباط وتبدأ بشائر الأمل في البزوغ..

وفي الأونة الأخيرة يدق الناس على جلودهم مسامير الإحباط من كل شي فيتولد الإحباط لا إراديًا ..مثل تسابق الجميع إلى إصطناع عدم الرضا أو محاولات إثبات اخفاق الحكومة في كل شي كما يحدث الآن..هنا يبدأ المرض حينما يدعي الكل أنه على صواب فيما الكتلة الأخرى /حكومة/‏‏‏مؤسسات حكومية/‏‏‏ تقود العمل/‏‏‏البلاد إلى الهاوية وهي تنحاز إلى الطريق الخطأ في عملها وأدائها مما يتطلب تقويم أدائها.. ذلك مشابه بما تقوم به الأحزاب في الأنظمة الحزبية.. تلطيخ ومعارضة الحكومة القائمة التي يقودها الحزب الآخر أملاً في كسب قاعدة جماهيرية واسعة ممايمهد الطريق بالإطاحة بالحكومة وإجراء انتخابات أخرى حزب يفوز وحكومة تسقط وتشكل حكومة أخرى. هنا لا يؤمن الناس أنهم يبدون رأيهم فحسب بل أنهم على صواب باسم المصلحة العامة وعندما تقول إن رأيك للمصلحة العامة فهو إذن لا يقبل النقاش. نعيش اليوم وفي المرحلة الجديدة من فتح الباب للآراء التي «قد» تدفع إلى صقل قصة الرأي وحرية التعبير ليصبح من رأي مكبوت ثم ينطلق فجأة فيطلق أعيرة «أرائية» عبثية لتتحول لاحقا وبحكم الممارسة إلى آراء عميقة تخلو من السطحية مما تنعكس على جودة التفكير التي تثري العمل الوطني..في العادة هذه خارطة جيدة لمسار صحي حيث يتفاعل الجميع لإعلاء مصلحة البلاد فوق كل أعتبار فالنتيجة يستفيد منها الكل وتمضي عجلة الحياة المحلية في طريق مستقيم. وسط فوضى وسائل التواصل الاجتماعي يمكن للجاهل أن يصنع الإحباط بالكذب تارة وبالمعلومة غير الدقيقة أو تشويه الحقائق تارة اخرى مما يعني انقياد أفراد/‏‏‏جماهير /‏‏‏عديدة لتصديق ذلك ليتحول التزييف أو الآراء السطحية التي تفتقر للحكمة والتعمق إلى حقائق صادقة بل وصادمة فلا تقبل الجدل والنقاش ومن هنا يتولد لدى الكثيرين الإحباط والتذمر والشكوى.


فيبدأ وعي الناس في التشكل بصورة عدم تصديق ماتقوله الحكومة ورفض ماتقوم به مما يزيد من الهوة الواسعة بين الجمهور/‏‏‏الشعب/‏‏‏الحكومة /‏‏‏مما يؤدي إلى تصادم معنوي يتمثل في عدم قدرة السلطات في المضي ببرامجها لمصلحة البلاد بسبب تراجع أو انعدام منسوب الثقة الذي صنعته السوداوية وصناعة الإحباط بين الجمهور والرأي العام. فالكل صار خبيراً في كل موضع وموقع ..طبيباً وحكيماً واقتصادياً ومشرعاً وقاضياً وهلم جر إلى كل الوظائف..من حق الناس أن تراقب أداء الحكومة ضمن المساحة التي أتاحتها للجميع فحرية التعبير مكفولة وإبداء الرأي حق مكفول طالما أنه يصب في المصلحة العامة/‏‏‏الجميع يدعي أنه يتحدث للمصلحة العامة في كل مجالاتها فالناس تأمل فيما تتحدث عنه -صحيحاً أو كاذباً- في التغيير الإيجابي. نحتاج للحكماء والعقلاء وإن وجدوا فهم بدأوا يسبحون مع العوام وحينما تخلوا المجتمعات منهم فإنها قد تركن لضجيج الضفادع المحبطة..فتضيع الأحلام والآمال الصغرى منها والكبرى. الضفادع المحبطة لايمكن أن تصنع أملاً وحلماً. «كثرة الضجيج تفقد السمع».