تداعيات اتهام ديلما روسيف أبعد من البرازيل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٣٥ ص
تداعيات اتهام ديلما روسيف أبعد من البرازيل

ريتشارد بورن

ربما يجدر بنا التوقف عند اجراءات عزل رئيسة البرازيل ديلما روسيف لنسأل: ماذا يعني هذا لمكانة البرازيل في العالم؟" رغما عن انتهاء الدكتاتورية العسكرية في الثمانينيات وتمكن فرناندو هنريك كاردوسو من استعادة قوة العملة وكبح جماح التضخم في التسعينيات، إلا أن البرازيل ظلت تفتقر إلى الظروف المهيئة لتصبح قوة عالمية.
بيد أن ذلك قد تغير الآن الى حد كبير بفضل حكومات حزب العمال تحت قيادة الرئيسين البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (2003- 2011) وديلما روسيف ( منذ 2011) وكان الفضل الأكبر يعود إلى دا سيلفا الذي فاز بالرئاسة في المحاولة الرابعة بعد التخلص من الاشتراكية، فراح دا سيلفا يسافر بلا كلل، وخصوصا في أنحاء أفريقيا، لبناء تحالفات مع الدول النامية من دول الجنوب، مع تلميحات قوية للعداء مع الولايات المتحدة.
وكان لهذا نتيجته، فقد تم الاعتراف بالبرازيل كلاعب رئيسي في مجموعة الـ20 وأضحى عدد من مواطنيها يرشحون لوظائف دولية - خوسيه جرازيانو داسيلفا تولى منصب الامين العام لمنظمة الأغذية والزراعة عام 2012، كما أصبح روبرتو أزيفيدو المدير العام لمنظمة التجارة العالمية في عام 2013. وعندما أنشئ بنك التنمية الجديد في شنغهاي لمجموعة بلدان بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) تم تصميمه لتحدي هيمنة البنك الدولي في التنمية الدولية. وخلال عامين فازت البرازيل بتنظيم بطولتي كأس العالم والألعاب الأولمبية تتويجا لجهود دا سيلفا في حشد الهيئات الرياضية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.
وفي أمريكا اللاتينية نفسها عملت حكومات حزب العمال لجمع المجموعات شبه الإقليمية التي تخدم المخروط الجنوبي ودول الأنديز، وفي عام 2008 تم الموافقة في برازيليا على إنشاء اتحاد دول أمريكا الجنوبية (يوناسور) على غرار الاتحاد الأوروبي، ليكون مقره في كيتو ويتألف من 12 مجلسا وزاريا وجمعية برلمانية ومصرفه الخاص.
وتابع الغرباء المد الأحمر يتدفق في جنبات أمريكا الجنوبية: هوجو شافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، وكيرشنر في الأرجنتين، ورافائيل كوريا في الإكوادور، وبطبيعة الحال دا سيلفا في البرازيل. وعلى الرغم من ان كلا منهم كان يحمل التزاما بالسيادة الوطنية إلا أن سياساتهم كانت متباينة الى حد ظهور خلافات، كما حدث عند تأميم موراليس للنفط والغاز وتعريض الامدادات الى البرازيل للخطر.
لكن ماذا سيحدث الآن؟ الاقتصاد البرازيلي يسير في منحنى منخفض، ما يهدد بنجاح حزب العمال في انتشال الفقراء إلى الطبقة الوسطى الجديدة. والدعاية التي صاحبت فضيحة بتروبراس والطريقة التي تم الضغط بها في هذه القضية من قبل اليمين قد تؤدي بالساخرين الى الجزم بأن مجموعة من المحتالين قد تآمروا لإقصاء آخر، كما أن سمعة البرازيل الدولية وقدرتها على نهج دبلوماسية تقدمية تضررت كثيرا. وليس واضحا ان البلاد سوف تكتسب احتراما بإجراء تطهير داخلي ما لم يتم التخلص من جميع الساسة الفاسدين.

والعالم يحتاج البرازيل التي تحظى قدراتها على الصعيد الدبلوماسي – والتي ترتكز في مبنى نيماير الجميل في برازيليا، والذي شهد أيضا التظاهرات المناهضة لروسيف – بالإعجاب والتقدير. ومن الناحيتين الجغرافية والسياسية تمثل البرازيل عاملا حاسما يتحول اليه جيرانها الناطقين بالاسبانية، ناهيك عن القضايا التي يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في حلها.
وعلى سبيل المثال، في عام 2015 أدعت فنزويلا فجأة ضم المياه البحرية قبالة جميع جيانا تقريا، كما راحت تهدد مناطق اقتصادية حصرية لثماني دول أخرى بما فيها كولومبيا ثم تراجعت مع كولومبيا، لكنها أمرت قواتها البحرية باحتجاز السفن قبالة جيانا، بما في ذلك سفينة مسح اكسون موبيل التي كانت تبحث عن النفط والغاز في مياه جيانا المعترف بها. وعاودت فنزويلا مطالبتها بثلثي جيانا ، الأراضي التي لم يسبق أن كانت تابعة لها ولا لسالفتها الإمبراطورية الإسبانية.
وقبل أيام قال كارل جرينيدج، نائب رئيس جيانا أمام حشد في معهد رامفال في لندن أن تلك الأفعال بلطجة واضحة، فقد تم رسم الحدود بين جيانا وفنزويلا في مطلع القرن العشرين وكانت البرازيل هي الضامن لخط الحدود. وآخر ما تريده البرازيل هو تجدد النزاعات الحدودية حول حدودها، تلك النزاعات التي يغذيها الطمع في النفط والمعادن، وبالطبع فالسياسة الخارجية النشطة يمكن أن تساعد في تهدئة هذا الجدل. ولكن مع انطواء برازيليا على نفسها، على النواب وأعضاء مجلس الشيوخ أن يتذكروا أن البرازيل ليست جزيرة، وإنما جزء من أميركا اللاتينية، ومن المؤكد أنه بفضل جهود ومثابرة دا سيلفا أصبح للبرازيليون الآن مكانة مرموقة على الصعيد العالمي، وأي تداعيات في البرازيل سيكون لها أثرها في كافة أنحاء العالم.

زميل بارز في معهد دراسات الكومونولث وكاتب عمود في صحيفة الجارديان