محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
ما ينقص مؤسساتنا، وأعني الحكومية منها، الإبداع في صناعة حياة قادرة على مدّ الإنسان بالحيوية، يستوي في ذلك العمل الإداري السائر بوتيرة بطيئة كونه يفتقد الشريان اللازم ليبدو الجسم سليما ومعافى، وقادرا على التعاطي مع الحياة بإبداع حقيقي، وليس مجرد المحاولة الدؤوبة للانتهاء من ساعات «الدوام» في ترقب الذهاب للمكتب اليوم التالي..
لماذا نفتقد حماسة الذهاب إلى أماكن العمل، كما هو شعور الطلبة في علاقتهم مع مدارسهم وكلياتهم؟!
أظنه في تلك الروتينية المملة التي نعيشها، حيث التجديد الغائب في كثير من الأحيان، والمؤسسات الناجحة هي التي تجيد فن صناعة الحياة داخلها، كشأن الإنسان الناجح وهو يمضي في حصد المزيد مما يحقق به ذاته، حيث يهزم المصاعب، وينتصر على شياطين الكسل والتذمر القادرة على إفناء حياة كثيرين.. حتى وهم يتنفسون على سطح الأرض.. إنما فارق بين من يعيش، وباقتدار.. ومن لا يعرف كيف يعيش، والغالبية تمضي حياتها لعلها تكتشف ذلك، ربما لأن السياق العام يضعف الرغبة في تعلم.. ما أسميه فن صناعة الحياة!
لدينا الإمكانيات القادرة على خلق صورة من الحيوية، في مكاتبنا، وفي شوارعنا، وفي حدائقنا، وأينما اتجهت قلوبنا، لكن أين تلك العقول (القادرة) أو لنقل (الراغبة) في وضع الإنسان في مستوى جمالي يفتح نوافذ قلبه ليطل على الحياة بطريقة ترفع من روحه المعنوية ليعطي ويبدع؟!
كلما زرت مدينة ما في العالم، وأرى من إبداعات الحياة، أقول في نفسي لماذا لا نفعل ذلك؟ ما الذي يمنعنا من إطلاق أفكار أطفالنا بدلا من التربية التقليدية حيث يذهب للمدرسة مكرهاً، ويعود للمنزل يعمل على حل الواجبات مكرها، ويبحث في المكتبة عن بحث يسلمه لمعلمه، حيث لا مكتبة في الحارة أو الحي تعلمه العلاقة مع الكتاب، كما تعطيه مساحة للثقافة، الحوار مع الآخر، والوقوف بجرأة أمام التحديات.. ولذلك ليس مستغربا أننا نكبر ولا نجيد صناعة الحديث بلباقة أمام الآخرين، فما ينقصنا.. كثير!
ينقص أطفالنا مكتبة تعلمه كيف يرى الحياة، ومسرح للطفل يوسع مداركه معرفيا، ومناخ ثقافي وترفيهي يخرجه من دائرة الحلزونة التي تدور به في ركن الألعاب، والمتع القشرية في ركوب حصان بلاستيكي داخلها!!
كما ينقص عقول مسؤولينا تحويل أماكن عامة على قدر كبير من الروعة الجمالية أن تكون بمناخات تعليمية وترفيهية وسياحية وتسويقية، حديقة القرم الطبيعية أبرزها، والشارع البحري في مطرح أوضحها، وحيث لا تكون مهرجاناتنا في الولايات متشابهة ومتكررة، كأننا نريد أن نسترجع الزمن القديم، ونطوف بطفل «الآيباد» على ظهر حمار!
سألني أحدهم: عندما يسافر مسؤولونا إلى الخارج ألا يرون؟ ألا يشاهدون؟ ألا تشدهم الغيرة قليلا لنقل تجارب؟ وأعود إليه بالجواب.. المسؤول يحتاج إلى أربع سنوات ليتعلم ثقافة المكان الذي عيّن فيه حيث لا علاقة له به، وبعد تلك السنوات الأربع تصحّ عليه مقولة أن من مكث أكثر من أربع سنوات على كرسي وظيفي ينفصل عن الواقع، وهذا أراه ينطبق على من لا يجيد قراءة الواقع.. فقط، أو أنه يقرؤه ويفهمه أكثر منّا.. ليس مطلوبا منه إلا.. تسيير الأعمال، الإدارية ربما.. وفقط!