مجلس الوزراء والبيروقراطية ’2 - 2’

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٢/يونيو/٢٠٢١ ٠٨:٢٢ ص
مجلس الوزراء والبيروقراطية ’2 - 2’

بقلم : مرتضى بن حسن بن علي 

التغييرات السريعة المتلاحقة في العالم، تجعل من عملية إصلاح الأجهزة الإدارية الحكومية وتحريرها من البيروقراطية التي تحد من كفاءتها وفعاليتها، من المواضيع التي تشغل بال الحكومات والمفكرين والاقتصاديين عبر العالم، هذه التطورات السريعة تتطلب من مجلس الوزراء الموقر بالتحرك السريع للتقليل من البيروقراطية، وإنشاء جهاز إداري عالي الكفاءة من حق عمان ان تتمتع به.

النقلة الكبيرة آلتي حدثت في إدارة الأجهزة الحكومية في الدول المتقدمة، سببها الانتقال من المنهج التقليدي للإدارة إلى منهج يقتبس الكثير من أساليب ونظم العمل المطبقة في القطاع الخاص، منها الاهتمام بالعميل «المراجع»، وبالتكلفة وبالانتاجية، وتقييم العمل الحكومي وفقا للنتائج النهائية، المرتكزة على الأداء المؤسسي للاجهزة الحكومية، وتبني أنظمة متطورة للحوكمة والمحاسبة المالية والادارية، هذا المنظور لم يتغلغل لحد الان في عمليات الجهاز الاداري في عُمان، رغم تنامي الاصوات المنادية بذلك.

التعقيدات البيروقراطية المنتشرة في الادارات الحكومية، تتنافى أيضا مع مبدأ دولة المؤسسات والقانون كما تتعارض مع طبيعة العصر الذي نعيشه والمتسم بالسرعة والمرونة، ومع مضامين رؤية «عمان 2040 « التي تؤكد على كفاءة الاداء وتحسين الإنتاجية والابتعاد عن البيروقراطية العقيمة، كما تتصادم مع مبدأ النهضة المتجددة، ومع مناشدة الحكومة بضرورة تولي القطاع الخاص بتوسيع أنشطته أفقيا وعموديا، لتوفير الوظائف للباحثين عن عمل وتشجيع الشباب لإنشاء مشروعاتهم الخاصة، فالسلسلة الطويلة من الاجراءات المملة والمعقدة والضعف في كفاءة بعض الموظفين وتدني إنتاجيتهم وانعدام رغبتهم بالتعاون مع المُراجعبن، تثير العديد من التعليقات والانتقادات من المراجعين، كما تسبب خسائر كبيرة للجميع، أفرادا ومؤسسات.

حيث أن عرقلة معاملة واحدة تعني عرقلة سلسلة طويلة من المعاملات المرتبطة بالمعاملة الاصلية والنتيجة تعرقل سلسلة من الأعمال العديدة.وهناك عدد من الموظفين غير أكفاء وبيروقراطيين بشكل مفرط، يقاومون أي ابتكار أو أفكار جديدة من شأنها أن تجعلهم أقرب إلى العالم الحديث، كما يغيب أي تدقيق حقيقي عليهم سواء من وحدتهم أو من وسائل الإعلام.

ترى كيف يمكن لمجلس الوزراء الموقر أن يلعب دورًا مؤثرا من أجل إصلاح الجهاز الاداري للدولة وتقليل البيروقراطية تمهيدا للقضاء عليها؟ربما إن النقاط التالية قد تكون مناسبة لأخذها بعين الاعتبار:

1- إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للجهاز الاداري الذي يحصر سلطة إتخاذ القرار في اليد الواحدة، ولا يعتد بالتفويض أو اللامركزية، وغياب الحوكمة والمساءلة والمحاسبة أو تعيين الموظفين بشكل عشوائي في أجهزة الدولة سابقا.

2- تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإعتماد القرارات المنبثقة عن ندوة تطوير الأداء الحكومي ومن بينها وضع رؤية ورسالة لكل جهة حكومية وإيجاد دليل واضح للخدمات الحكومية المعنية وميثاق خدمة المتعاملين، ومعايير جودتها وألية تقييمها مع التركيز على معايير تقييم الخدمات وطريقة قياسها، والبدء فورا بالتنفيذ مع المتابعة المستمرة.

3- إصدار تعليمات واضحة من قبل مجلس الوزراء لكل رؤساء الوحدات الحكومية بالاجتماع بمدراء العموم والمدراء، وهم بدورهم يجتمعون بكافة الموظفين الاخرين، وإبلاغهم بالسياسات التي يجب إتباعها لتبسيط المعاملات وتقديم كل المساعدة للمراجعين والشركات، وأي تهاون سوف يتم مواجهته بسلسة من الإجراءات التأديبية إبتداءً من رسالة تحذير للموظف مرورا بالخصم من راتبه ووصولا إلى إنهاء خدماته، ويكون ذلك مدعوما بنص قانوني، وعلى كل وحدة حكومية وضع صناديق للشكاوي لا يستطيع ان يفتحها إلا موظف محدد من رئيس أو وكيل الوحدة.

4-تقوم كل وحدة حكومية، بتحديد الفترة الزمنية المعقولة لإنجاز أية معاملة أو إجراء، وإذا لم يقم الموظف المحدد باكمال الاجراءات في حدود تلك الفترة، يتم مساءلته عن السبب، وإنزال العقوبة بحقه، أو تعديل الإجراءات لتسريع المعاملة مستقبلا بما يتناسب مع السرعة المستهدفة.

5- إعادة النظر بصورة جذرية في مفهوم الوظيفة العامة، وتغليب منطق الخدمة والعائد على منطق السلطة، الموظف يتلقى راتبه من مجموع المستفيدين منه، أي من كافة أفراد الشعب، بالتالي هو مُدين لهم ولا يملك أية سلطة عليهم، وعليه تقديم أحسن وأسرع خدمة لهم، ليس كمساعدة منه لهم، وإنما كون ذلك من صميم واجباته، كل ذلك يتطلب العمل على إيجاد ثقافة تنظيمية تُعنى بثقافة العمل ورفع كفاءة الاداء وبطريقة إقتصادية وتطبيق المفاهيم المطبقة في القطاع الخاص.

6-إعادة تدريب جميع الموظفين بصورة مكثفة ومستمرة بما في ذلك القيادات، ومن قبل خبراء مختصين، وإيجاد معايير واضحة في التوظيف والاختيار، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة والجزاء والعقاب والحوكمة، وربط الترقية وزيادة الراتب بالاداء والانتاجية وليس بعامل الزمن.

7-خصخصة عدد من الخدمات التي تقدمها الدوائر الحكومية المختلفة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، المصادقة على خرائط ورسوم وتراخيص البناء وشهادة الإكمال، والتصديق على الاتفاقيات والعقود، منها عقود بيع وشراء العقارات أو تأجيرها والقيام بمكننة تنظيف الشوارع وخصخصتها، وإجراء الاختبارات على السلع المختلفة، الخ...

7- الإسراع في إنشاء الحكومة الإلكترونية بشكل متكامل، والتي تأخرت نحو ربع قرن.فكرة الحكومة الإلكترونية كانت من إحدى أهداف رؤية عُمان 2020، ولكنها تأخرت بشكل غير مبرر. بداية لم يقم مجلس الوزراء بإقرار الاستراتيجبة الوطنية لمجتمع عمان الرقمي والحكومة الالكترونية الا في شهر مايو عام 2003، ولكن من دون متابعة، وبعد تسع سنوات وافق في شهر يونيو 2012، على البدء في إنشاء منظومة الحكومة الالكترونية على ان تنتهي في نهاية عام 2014.والان وبعد سبع سنوات من التاريخ الاخير المفترض للانتهاء من الحكومة الالكترونية، وبعد ربع قرن من الفكرة، ما زالت غير منجرة بسبب عدم متابعة مجلس الوزراء لقراراته وتبذل الان وزارة التقنية والاتصالات، جهودا لتطبيقها، تمهيدا لتطبيق إستراتيجية الحكومة الذكية.

8-من الان وحتى تطبيق الحكومة الالكترونية، توحيد الإجراءات في مقر حكومي افتراضي واحد، يضم جميع الجهات الخدمية المسؤولة ومنحها الصلاحيات اللازمة، لتتمكن الجهة الراغبة بإنهاء إجراءاتها من ذلك المبنى من دون عناء أو تعب، مع تشارك الجهات الخدمية في إنهاء الأعمال الخاصة باية معاملة، خلال مدة زمنية قصيرة يتم تحديدها.

9- إجراء إستطلاعات مستمرة مستقلة لمعرفة مدى رضا المراجعين، افرادا كانوا أو مؤسسات، من الخدمات المقدمة من الوحدات الحكومية والاستفادة من التغذية الراجعة بما ينعكس على جودة الأداء وتقليل الهدر في الوقت والجهد والمال.

10-إيجاد قناة تواصل مباشرة بين مجلس الوزراء والمجتمع لتوضيح كل ما يحدث وبشفافية تامة ولتلقي اي بلاغ أو شكوى بكل أريحية والرد عليها بشفافية واضحة كما يتطلب الأمر تشكيل فريق عمل لمراجعة كل الإجراءات والتشريعات الحكومية تمهيدا لتعديلها ووضع خطة واضحة ومتابعتها، ولا سيما إن عُمان مقبلة على خطط وبرامج جديدة ضمن اهداف الرؤية المستقبلية والبرنامج الوطني لتعزيز الاستثمار.

ولادارة الأجهزة الإدارية بكفاءة عالية، فمن الضروري تطوير مهارات وخبرات الموظفين باستمرار، ليكونوا قادرين على إنجاز عدة أعمال في وقت واحد، وأن يتمكن المُراجع من إنجاز معاملاته عن طريق الحاسوب أو الهاتف الذكي وتطبيقاته، وعندما يقل عدد الموظفين وترتفع كفاءتهم وإنتاجيتهم، ترتفع مرتباتهم ومزاياهم الوظيفية.

من المهم أيضا أن تراقب الاجهزة الرقابية، الأداء النهائي، من حيث الفعالية والجودة والجدوى والنتائج.النقلة الحقيقية لإعادة الهيكلة تتطلب إعادة تشكيل الادوار بحيث تكون رقابة الاجهزة الرقابية، رقابة أداء، ورقابـــة نتائـــج والتركيز على الإنتاجية والفعالية والجدوى، وعلى درجة الالتـــــزام بالضوابط واللوائح الموضوعة، لان المسؤولية عن النتائج تتطلب التحرك بشكل أوسع لوضع النظم الداخليــــــة الخاصة بها الدور التطويري لهذه الأجهزة يحتاج إلى المزيد من التفعيـــــل والتعميق، بحيث ينشط دورها في تقديـــــم مقترحات تُعين الاجهزة التنفيذية على النهوض بأدائها وعلى تحسين نظم وأليات عملها بالشكل الذي يؤدي الى تحسين الأداء النهائي.

ومن دون الإصلاح الجذري للجهاز الاداري للدولة، إضافة للاصلاح الجذري لانظمة الاقتصاد والتعليم والتدريب، سوف يكون صعبا إن لم يكن مستحيلا، تنفيذ أية رؤية إقتصادية طموحة لعمان لتأخذ مكانتها اللائقة بين الدول في هذا العالم المتغير والذي يقوم بإعادة تشكيل نفسه من جديد