أم اللغات

مزاج الأحد ٢٤/أبريل/٢٠١٦ ٠٩:٣٥ ص

مسقط -
يقول المثل القديم «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم» والمقصود به بالطبع هو القدرة على التواصل مع الآخر بما يحميك من الخداع وسوء الفهم ويسهّل عليك إيجاد حوار مشترك معه، والسؤال هنا، هل من السهل تعلم لغات الآخرين بالشكل الذي يمكننا من تحقيق هذا التواصل الفعال.

هنا يكون التقييم حسب صعوبة تعلم اللغات وتعقيدها، إلا أن اللافت في الأمر أنه كلما تشعبت اللغات وتعددت مفرداتها ونغماتها، كلما زادت قدرتها على التعبير عن المشاعر والأحاسيس والأفكار والآراء والنظريات المختلفة، إلا أنه وفي الجهة المقابلة، يتأثر انتشار اللغة بمستوى تعقيدها، ولذلك تجد الإنجليزية تحتل المرتبة الأولى بين لغات العالم على مستوى الانتشار نظراً لبساطتها، إلا أنها لم تفلح في احتلال المركز الأول في القدرة على التعبير واكتفت بالمركز الثاني لاحتوائها على 600 ألف كلمة فقط حسب أوسع قواميسها، وعلى الرغم من تفوقها على منافسيها كالفرنسية التي لا تزيد عن 150 ألف كلمة، أو الروسية التي تصل إلى 130 ألفاً فقط، أو الصينية التي يتحدث بها ما يزيد عن 1.3 بليون شخص على الرغم من كلماتها ورموزها التي لا تزيد عن 60 ألفاً.
إلا أن السؤال هنا «ما هي اللغة الأكبر من حيث عدد الكلمات والمترادفات وبالتالي القدرة على التعبير؟» إنها اللغة العربية دون شك والتي تجمع ما يزيد عن 12.3 مليون كلمة دون تكرار، هل تتخيلون القدرة على التعبير عمّا يجول في خاطرك باستخدام هذا البحر الواسع من المفردات، ويتساءلون لماذا يبرع العرب بالشعر والنثر والخطابة، ولماذا يقف المترجمون عاجزين أمام بعض النصوص التي لا تملك اللغات الأخرى مرادفات لها مما يستحيل معه إيصال فكرتها كاملة. هذه المزايا الإيجابية الهائلة في إمكانية شرح ما يجول في ذهنك بوضوح للطرف الآخر، تقابلها سلبيات تحد من انتشار اللغة على المستوى العالمي، حيث يصعب جداً على الثقافات الأخرى إتقان هذه اللغة قبل قضاء عقود طويلة في الدول الناطقة بها، على عكس اللغات الأخرى التي يكفي أن تمضي عامين أو ثلاثة لديهم لتتحدث بلغتهم بطلاقة تشبه إلى حد كبير أصحابها الأصليين.
أشعر بالتعاطف مع الأجانب الذين يحاولون تعلم العربية معتقدين أنهم سيفلحون بذلك بوقت قليل، إنه ليس بالأمر اليسير على الإطلاق، فهذه اللغة الأصيلة تحتاج أن تولد على أرضها لتملك بعض أسرارها ومفاتيحها التي ستقودك ولا بد إلى أسرار أخرى ومفاتيح أكثر قد لا يملكها أبناؤها أنفسهم.. لله درك أيتها العربية ستبقين دائماً وأبداً أم اللغات ومعجم الكلام.