السلوك الإجرامي والعلاج

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/مايو/٢٠٢١ ٠٨:٢٣ ص
السلوك الإجرامي والعلاج

بقلم : محمد الرواس

« «عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردد مرارًا، قال: ((لا تغضب))» رواه البخاري

اتفق علماء الاجتماع الأولين والمتأخرين على أن الإنسان كائن اجتماعي بغريزته وطباعه ، ويحتاج بشكل كبير للعيش ضمن منظومة مجتمعية يستطيع من خلالها ممارسة أنشطته وسط أفراد آخرين يقومون بأدوار وانشطة متعددة ومختلفة حتى يحصل الجميع على تكامل قضاء حوائجهم لبعضهم البعض ، وتبادل المنافع والمصالح المشتركة بينهم ، وهذا الأمر لا ينفي وجود أسباب لوجود خلافات قد تقع بين أفراد هذا المجتمع جراء حصول دوافع شخصية، أو دوافع نفسية ، أو حتى دفاع عن النفس ، أو دفاع عن المصلحة الشخصية ،أو مصلحة الجماعة ، وقد تتشكل من خلال ذلك وجود مشاعر عدوانية ، وحدوث عدوان يتطور غالباً تحت ضروف معينة ويودي بالنتيجة الي سلوكيات إجرامية يقدم عليها فرد أو مجموعة أفراد.

في علم الاجتماع يُعرف السلوك الإجرامي بأنه «خروج أحد أفراد المجتمع عن السياق العام للعقيدة ، وللعادات والتقاليد ، والأعراف والقواعد الاجتماعية والقوانين السائدة في ذلك المجتمع» وفي علم النفس يُعرف السلوك الاجرامي بأنه « شكل من أشكال التصرفات العدوانية الناتجة عن خلل نفسي ، أو رغبة للدفاع عن النفس بدافع غريزة البقاء» وعليه يحدث غالباً تجاوز قانوني وضرر يشكل تصرف يعاقب عليه القانون الذي تمثله المنظومة القانونية التي اتفق عليها المجتمع وغالباً ما تكون أساسها العقيدة ويصاحبها الاعراف ، والتقاليد الاجتماعية ، و تختلف هذه الاعراف والتقاليد من مجتمع الي آخر في ظل العقائد البشرية المختلفة ، وهنا قد نلاحظ تعدد وتتباين درجات السلوك الاجرامي العدواني ، كذلك يختلف تصنيفه من حيث درجات الضرر لاولئك الذين وقع عليهم الضرر أو الجنحة ، أو الجناية برغم اتفاق المجتمع الدولي على الثوابت الأساسية للعقاب .

لا تزال ماهية وحقيقة وجوهر السلوك العدواني سواء للفرد محل خلاف غير متفق عليه بين مدارس علم النفس المختلفة ، فهناك من يؤيد الرأي الذي يقول بأن الطبيعة النفسية هي المؤثر لدفع الافراد لهذا السلوك العدواني ، وهذه هي المدرسة التحليلية ،وهناك من يرى ان السلوك الإجرامي يتعلمه الشخص ويكتسبه من خلال مراحل حياته التي قد يشوبها الاحتكاك بالمجرمين وبالتالي تقليد طباعهم ، ومهما اختلفت هذه المدارس والنظريات والمذاهب فأن هناك عوامل أساسية مشتركة لا يمكن تغافلها منها دفاع الفرد عن نفسه في حالة تعرضه للخطر أو للتهديد يجعله يلجا الي دوافع غريزيه كي تنجيه ، وقد تأتي هذه الدوافع على هيئة سلوكيات عدوانية وهي ردة فعل تختلف من شخص الى آخر ومن جماعة الي آخرى من حيث الشدة والقوة ونوع التاثير النفسي الذى يصيب الفرد أو الجماعة جراء تعرضه للاذى .

واذا اردنا أن نحصر الدوافع الأجرامية بصفة عامة فتتصدر الدوافع المادية والاقتصادية جملة هذه الدوافع حيث انها من أهم الأسباب التي تودي الي سلوكيات عدوانية إجرامية خاصة مما يتعلق بالمال حيث ان الحصول عليه بطريقة غير شرعية مرتبط ارتباطاً وثيقاً باسباب الطمع والجشع والأنانية.

يأتي بعدها الخلافات الشخصية بين الناس وهذه اسبابها كثيرة ومتعددة وتقود احياناً الي تصرفات جرمية عدوانية من خلال الشجارات والسرقات والخلافات الفردية والعائلية ومنها الدفاع عن الشرف وغيره ، ثالثاً موضوع المحاكاة والتقليد خاصة في فئة المراهقين من الشباب وتقليدهم لما يشاهدونه من ممارسات إجرامية سواء بالواقع الأسري ، أوالمجتمعي ، أو من خلال تعرضهم للتنمر، والظلم مما يخلق لديهم دوافع عدوانية ، أو من خلال بعض وسائل الإعلام التي قد تغرس بأنفسهم سلوكيات شاذة من خلال تأثرهم بشخصيات تلفزيونية ذات طابع عدواني ، اما الأمر الرابع فهو نفسي بالدرجة الاولى من خلال وجود الثروة والمال والنفوذ ، أو الشهرة التي قد تجعل الشخص يستخدمها بطريقة خاطئة عبر ممارسات تتسم باضطرابات عقلية ونفسية تتصف بالاجرام كالتهور وارتكاب الاخطاء والافعال الشاذة كالأعتداء على الأخريين سواء بوعي أو من غير وعي فقط لان لديه الثروة والسلطة والميول الشخصية وهذا ما يسمى بالشخصية (السيكوباتية) وهو نموذج إجرامي آخر لسلوك شاذ بدافع الرغبات المرتبطة بنوازع نفسية داخلية تحصل للبعض . ولاجل معالجة مثل هذه الأمور من السلوكيات العدوانية ظهرت العديد من النظريات والمدارس والمذاهب منها النظرية «البيولوجية» وهي تمنح العوامل الوراثية والبيولوجية والتكوين الفيزيولوجي للإنسان الدور الأكبر في تكوين مثل هذا الميل ، أو السلوك الإجرامي ، ومنها ايضاً «مدرسة التحليل النفسي» وتتلخص في قولها « ان المتحكم الأول بالسلوك هو الغرائز المكبوتة في نفس الإنسان وهذه الغرائز يدور معظمها في فلك غريزتين أساسيتين هما (غريزةالحياة الجنسية وغريزة الموت أو العدوان) حيث تهدف كل من هاتين الغريزتين لتحقيق البقاء والاستمرار للكائن البشري وتوجد هاتين الغريزتين في منطقة (الهو أو الليبدو)، وفي بعض الظروف الخاصة مثل حالات الغضب أو الخوف أو المرض النفسي قد تفلت بعض هذه الغرائز من رقابة الضمير الإنساني اللاشعور (الأنا الأعلى) وتخرج إلى الواقع أو الشعور (الأنا) بصورة تصرفات وسلوكيات غير مقبولة اجتماعياً مثل السلوكيات الإجرامية» وهناك مدرسة ثالثة تقول بالنظرية السلوكيه « التكيف الاجتماعي « وهي تتجه للميل نحو العوامل البيئية المكتسبة في تكون السلوك الإجرامي أكثر من العوامل الوراثية ، أو الفطرية، فالسلوك الإجرامي من وجهة النظر السلوكية هو كل عمل يتعلمه المجرم من خلال النماذج التي يمر بها، ويتوطد هذا السلوك من خلال التعزيز الإيجابي المتمثل في بلوغ بعض الأهداف من خلاله، وبحسب اقوال بعض علماء النفس وعلماء الاجتماع فقد يتعلم الطفل السلوك الإجرامي من خلال ثلاثة نماذج أساسية يتمثل الأول بالأسرة ، والثاني بالمحيط الاجتماعي، والثالث بوسائل الإعلام.

وختاماً فإن السلوك الإجرامي يشبه المرض الذي يصيب الجسم ويحتاج الي علاج قبل ان يودي الي العديد من أشكال الألم والمآسي الشخصية والاجتماعية ، وتجنباً لذلك يمكن الوقاية منه وتجاوزه عبر علاجه نفسياً واجتماعياً وقانونياً ومن خلال دراسة الحالات النفسية بهدف تقدير الاسباب وراء هذا السلوك العدواني ، أو من خلال علاج الاضطرابات والمشاكل النفسية التي يعاني منها المجرم كالاحباط ، أوعقدة النقص ، أو أية مظاهر آخرى شبيهه ، وعليه فقد وضع القانون خطط للتعامل مع المجرمين داخل المؤسسات الاصلاحيه كالسجون ووجه للبرامج النفسية لمساعدة صاحب العقدة النفسية لتجاوزها، بجانب سن القوانين الكافية والرادعة حسب اختلاف الجرائم وأعمار مرتكبيها ، بينما وضعت الحلول المختلفة الناجعه للمشاكل الاجتماعية الأخرى كتعاطي المخدرات وغيرها تحت بنود عقابية وروادع تناسبها. وللحديث بقية.