بين الجحود والتشفي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/مايو/٢٠٢١ ٠٨:٥٠ ص
بين الجحود والتشفي

بقلم : محمد بن علي البلوشي

(كلما دخلت أمة لعنت أختها) الآية 38 من سورة الأعراف.. بعض التفاسير تذهب إلى تفسير الآية الكريمة بالقول «كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين»..هنا يمكن ترويض التفسير كذلك على بعض الجوانب التي بدأت الناس-ليسوا جميعا بل البعض منهم وهم كثر وبدون أن يدركوا أنهم في ذلك قد يلعنوا أنفسهم أو يجلدوا ذواتهم..في النوايا يذهبون إلى صدق النية دون أن يدركوا انهم يرتكبون لربما «مجزرة نفسية» للقيمة الوطنية.كيف ذلك؟.

يركب الناس حاليا موجة عاتية من الجلد والطعن أكثر مماهو نقد إصلاحي..بل تركوا الرغبة في ما يعتقدون أنه إصلاحا لتقدم الوطن إلى تحميل الاخرين سبب المصائب بل ولربما محاكمة عهد سابق فيمايرونه من صعوبة الوضع الحالي فتكال التهم إلى الاخرين ولأكن اكثر وضوحا إلى مايسمونه «الحكومة السابقة» والكل يعلم أن الحكومة السابقة هي حكومة جلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- والتي عملت على مدار خمسين عاما لبناء عمان من الصفر دولة ومؤسسات وقوانين وتشريعات والأهم بناء الإنسان العماني فكرا بدءا من أبجديات الكتابة والقراءة يوم كانت البلاد معدمة من الأقلام والدفاتر والكتب والمدرسية فتمخضت عن تلك الورشة الوطنية الكبرى الأجيال العمانية التي يشاد لها بالبنان وهي تسهم الآن في مسيرة الوطن كلا حسب علمه ومعرفته ومقدراته.. لقد كان تشكيل الحكومات-مجازا- وهو مانطلق عليه تشكيلا وزاريا يجري بين فترة واخرى حسب متطلبات وتقييم كل مرحلة واتسم ذلك بالجهد والبذل والعطاء تحت متابعة لصيقة من جلالة السلطان الراحل. يقول جلالة السلطان الراحل في أحد حواراته الصحفية « إن النفوس إذا كانت كبيرة تعبت في مرادها الأجسام. وحتى الآن أستطيع أن أقول لك إن الجهاز التنفيذي بما فيه الحكومة والمستشارون يبذلون الجهد، وهو جهد مريح، نعم أطمح إلى أن يكون الإنجاز أسرع وألا يخطئ أحد، ومن ملاحظاتي ومن متابعتي فإن خطأ المخطئ هو خطأ المجتهد الذي لم يصب ودوري هنا أن أنبه، وإذا ما تفاعل الخطأ تعطى الأدوار لمن هم أقل خطأ. أو بلا أخطاء. وأكرر إن أكثر الأخطاء التي تحدث ليست متعمدة، وهذا يجعلني لا أعتب كثيراً، وإن عتبت فهو عتب المحب». هذه إجابة رصينة ومحكمة وتحمل مدلولات عميقة من السلطان الراحل للذين يعملون في حكومته في ذلك الوقت. وهي النية الصادقة والإخلاص في العمل لتحقيق الأهداف التي كان يريدها جلالته طيب الله ثراه. لكن ما يحدث ومانسمعه يوميا الآن هي موجة من الأبواق لا هم لها سوى كيل الإتهامات التي بدأ البعض يكيلها لمايسمونه الحكومات السابقة ومايرون أنها ارتكبت الأخطاء وغيرها من الإتهامات التي تشير إلى أخطاء متعمدة وكأنها كانت تعمل ليل نهار للإضرار بالبلاد وبدون وجود حسيب أو رقيب وهو امر ينافي الحقيقة فمؤسسات الدولة الحريصة على البلاد لايمكن إغفال دورها الوطني المقدس لسلامة الوطن ومكتسباته ورصد كل مامن شأنه الإضرار بالبلاد تنمويا.. ثم يقرر ولي الأمر مايراه مناسبا فأوامره مطاعة بإجماع وطني.

البدعة الجديدة التي ظهرت على السطح تشكل صدمة لما اعتدنا عليه من رزانة الموقف والتقدير والكلام المتزن الذي يخلو من التشهير والتنكيل بالاخرين ممن كانوا في الحكومات السابقة -لست هنا في معرض الدفاع عن احد ولست منصبا نفسي نيابة عن الاخرين» لكن الحق أن نعيد تصحيح بوصلة أفكارنا وان نتخلص من ذهنية العويل والتشفي..لقد أصبح الجميع مصابا بهوس الرغبة في الإنتقام وهو هوس وحشي غير مبرر.بل دخل البعض في محاكمة علنية لكل مامضى وهو امر به الكثير من الغلو والجحود والنكران..وليس من شيم اهل عمان الجحود واكل لحوم بعضهم ..فنحن نتاج ذلك العهد وفي العهد الجديد الذي يقوده جلالة السلطان المعظم هو العهد الذي ستعيش فيه الأجيال المقبلة لتسهم في المسيرة الوطنية وتصنع ملحمة أخرى كما الملحمة الأولى.

لا أرى حاليا «نكبة» في الوقت الحالي إن جاز التعبير كما تدعيه ألسن الناس بل إن مجريات الأمور تمضي وبقيادة جلالة السلطان المعظم لمستقرها وفي طريق واضح وخطة محكمة للدفع بالبلاد إلى تطلعاتنا دون كيل الإتهامات إلى أحد..إن كيل تلك الإتهامات قد لايراها البعض أبعد من اتساع رؤية عينيه فقط إلا أنها وعند تفسيرها وتحليلها فإنها تصب الإتهامات بل وكأنها تحاكم عهدا مضى وهذا امر لايمكن قبوله فهو عهد مصان في الذاكرة الوطنية لكل أبناء عمان ولاينبغي التعرض له أو التشفي به وليست هي القصة الحالية في البلاد..لقد كرم جلالة السلطان المعظم اخر مسؤولين ووزراء في عهد جلالة السلطان الراحل-بعد أن شكل جلالته -حفظه الله ورعاه- الحكومة الجديدة..إنه تكريم رمزي لكن له دلالة واحدة..»شكرا لكم لقد قمتم بواجبكم والتغيير سنة الحياة وليس لشيء اخر»..هذه كانت الرسالة من التكريم..إن كان قائد البلاد قد وجه شكره الكريم لأولئك الرجال الذين عملوا في ظروف نعلمها جميعا في السنوات الأخيرة من حياة جلالة السلطان طيب الله ثراه ومضت البلاد مستقرة هادئة وسط محيط من الصراع الفوضوي فإنه من الحق أن نقول للجميع شكرا.. توقفوا عن الجحود والتشفي لأنه ليس من شيمنا وخلقنا..لننظر للمستقبل فقط.