متى تتغير العقلية العربية ؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/مايو/٢٠٢١ ١٦:٣٠ م
متى تتغير العقلية العربية ؟

بقلم: خالد عرابي

ما بين حين وآخر تهل علينا بعض التقارير والإحصائيات التي توضح تصدر دول ما في قطاع من القطاعات أو صناعة من الصناعات أو أفضليتها العالمية ، مثال تقارير عن أفضل المؤسسات التعليمية ، أو أفضل الجامعات عالميا ، أو أكبر الشركات في مجال ما - ولله الحمد والمنة - نجد أنه في كثير من الأحيان إن لم يكن جميعها تخلو تلك القوائم من أي من الدول العربية، وحتى وإن جاءت بعض الدول العربية فيها تكون في ذيل القائمة .

الغريب في الأمر والمضحك المبكي أن تلك الدول العربية التي تأتي في نهاية قائمة ما عالمية حول تصدر قطاع معين أو أفضلية اقتصادية أو علمية أو اجتماعية ، لا تسكت بل تريد أن ترى الدول العربية الأخرى أنها أفضل منهم ، فتبدأ في عمل إحصاء أخر بعيدا عن الاحصائية العالمية وتأتي في الأحصاء الجديد بأنها الأفضل عربيا في البحث العلمي أو اقتصادية أو في الإعلام أي شيء أخر ، و تنسى تماما أن ترتيبها العالمي كان متأخرا أو كانت في ذيل القائمة ، وكأنها تريد أن تقول أنا الأفضل حتى وإن كنت أفضل (الوحشيين).

كشف أحدث التقارير العالمية التي صدرت مؤخرا عن أغلى 10 علامات تجارية في العالم في عام 2021 ، وبحسب موقع "براند فاينانس" فقد جاءت شركة أبل الأمريكية في المرتبة الأولى بقيمة 263.38 مليار دولار، ثم شركة أمازون الأمريكية في المرتبة الثانية بقيمة 254.19 مليار دولار، ثم شركة جوجل ثالثة بقيمة 191.22 مليار دولار، فشركة مايكروسوفت الأمريكية رابعة بقيمة 140.44 مليار دولار، ثم شركة سامسونج الكورية الجنوبية بقيمة 102.62 مليار دولار.. وحلت شركة والمارت الأمريكية في المرتبة السادسة بقيمة 93.19 مليار دولار، فشركة فيسبوك الأمريكية سابعة بقيمة 81.48 مليار دولار، وشركة اي سي بي سي الصينية ثامنة بقيمة 72.79 مليار دولار.. وحلت شركة فيرايزون الأمريكية في المرتبة التاسعة بقيمة 68.89 مليار دولار ، ثم شركة ويشات الصينية بقيمة 67.90 مليار دولار.

كما كشف تقرير أخر عن أكبر خمس شركات عالمية في مجال التكنولوجيا وما حققته من أرقام مالية عالمية -وبالطبع كما ذكرت وكما هي العادة تخلو من اسم أي دولة عربية- ، حيث ضمت القائمة أكبر خمس شركات بإيرادات بلغت أكثر من تريليون ، وحلت شركة أمازون الأمريكية في المرتبة الأولى بإيرادات بلغت 368.06 مليار دولار، ثم جاءت شركة أبل الأمريكية في المرتبة الثانية بإيرادات 294.14 مليار دولار، ثم شركة مايكروسوفت الأمريكية أيضا ثالثة بإيرادات 153.28 مليار دولار، ثم حلت شركة جوجل الأمريكية كذلك رابعة بإيرادات 149.75 مليار دولار، تلتها في المرحلة الخامسة شركة فيسبوك ولا تستغرب أنها الأمريكية أيضا بإيرادات 85.97 مليار دولار.

الملاحظ في القائمتان السابقتان أن معظم تلك الشركات أمريكية ، كما أن الملاحظ أيضا أن إجمالي إيرادات خمس شركات فقط تخطت تريليون دولار أمريكي (أي ألف مليار دولار) ، وهنا ينبعي أن نتدبر تلك الأرقام السابقة مرة واثنتين وثلاثة وأن نعيد النظر إليها لنرى أن إيرادات أو ميزانية شركة واحدة من تلك الشركات توازي ميزانية خمس أو عشر أو حتى عشرين دولة من الدول العربية أو الدول النامية الصغيرة بخيراتها ومواردها وإنتاجها قيادة وحكومة و شعبا، قطاعا خاصا وحكوميا..

وفي حسبة بسيطة بالعقل أو حتى بالورقة والقلم ولتكن أدق بالآلة الحاسبة نجد أن إنتاج شركة أبل على سبيل المثال تخطت 260 مليار دولار في حين أن ميزانية دولة عربية ما 50 مليار دولار سنويا ، أي أن أبل ضعف تلك الدولة 5 مرات ، ولو بحسبة أخرى قسناها على دولة أخرى ميزانيتها السنوية 25 مليار دولار مقابل شركة أبل نجد أن أبل ضعف تلك الدولة بنحو 10 أضعاف .. ولو قسناها على دولة ميزانيتها 10 مليارات لأصبحت أبل ضعفها 25 مرة، أما لو ذهبنا لدولة من الدول الأصغر و ميزانيتها 5 مليارات فهنا تكون ميزانية هذه الشركة (أبل) ضعف هذه الدولة 50 مرة، أي وكأننا نقول أن قوة الشركة الاقتصادية أو المالية توزاي 50 دولة !!

الملاحظة الأخرى أن كل تلك الشركات المتصدرة إنتاج العالم اقتصاديا ليست لبيع النفط ولا المنتجات الطبيعية كالمعادن وغيرها ، كما أنها ليست ذات علاقة لا بالجباية ولا الضرائب ولا غيره ، وإنما هي شركات إنتاج قائمة على العلم والمعرفة والتقدم والتكنولوجيا ، و بالتالي نستطيع أن نقول أنه لن يحدث تقدم أو تطور حقيقي في بلادنا العربية ما لم تتغير العقلية فيها ، بدءا من رأس الهرم إلى قاعدته لتصبح مهتمة بالعلم والمعرفة والإنتاج .. و لتصبح عقلية منتجة وليست مستهلكة .. ليصبح الفرد يفكر فيما أفاد بلده و وطنه لا فيما أخذ ، وماذا قدم في مقابل ما يحصل عليه من راتب لا أن يفكر في متى يأتي (ينزل) الراتب وكم زاد حتى وإن لم يكن يعطي بقيمة 10 أو 20 بالمائة منه .

شيء بالشيء يذكر أن تقارير أخرى صدرت مؤخرا تتحدث عن تصنيف الجامعات عالميا و بالطبع اجتزأنا البعض أجزاء منها لنصنف بها جامعاتنا كترتيب الجامعات العربية لنتعالى بها على بعضنا البعض حتى و إن كانت أولى الجامعات العربية في التصنيف في المرتبة 250 أو 350 عالميا مثلا ، وهذا يأتي لماذا ؟ لأننا لو رجعنا في الأصل حول تقدم الدول فهو الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي و ما ينفق عليهما ، ولو تأملنا ما ينفق على التعليم والبحث العلمي في بلداننا العربية لوجدنا أنه قد يكون نصف أو 1 أو 2 أو 2.5 بالمائة من ميزانية الدولة ، في حين أنه في دول أخرى من الدول المتقدمة يصل أضعافا وهنا تكمن المشكلة .. فمتى نرى الاهتمام الحقيقي بالتعليم والبحث العلمي ومعهما الصحة، و متى تتغير العقلية العربية لتصبح منتجة لا مستهلكة .. الله أعلم.