موضة شركات حكومية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٩/مايو/٢٠٢١ ٠٩:٢٤ ص
موضة شركات حكومية

بقلم : محمد بن علي البلوشي

في السنوات الأخيرة طفت على السطح موجة و»موضة» جديدة من الشركات الحكومية التي توالدت أكثر من توالد شركات-في حجمها- في القطاع الخاص وشتان في الفرق بين توالد الشركات في القطاعين..استخدمت كلمة توالد للإشارة إلى وضع غير طبيعي في نشأة هذه الشركات. معظمها -باستثناء شركات النفط والغاز- كيانات إشرافية تقدم خدمات ولاتنتج سلعا ومنتجات تصديرية وكشفت المحصلة الأخيرة عن مديونيتها وارتفاع رواتب موظفيها بدون قياس قيمتهم السوقية ودون أن تحقق إضافات مالية حقيقية وقوية إلى خزينة الدولة بل لربما أضافت أعباء مالية أخرى تحملتها الحكومة لإبقائها على قيد الحياة بسبب انعدام الرؤية المستقبلية لتلك الشركات والجدوى الحقيقية لها كل ذلك أضيف إليه هروبها من معايير حوكمة الشركات. عمليا لايمكن أن نحكم على شركة حكومية أنها ناجحة مالم يكن لها رديف منافس وحينما تتمتع الشركات الحكومية بالحماية الحكومية لها كالسيطرة على قطاع أو دعمها ماليا فإن هذه الشركات لايمكن أن تصمد. لكن مع وجود منافسة تظهر لنا جدواها وقوتها في السوق وحينما لاتوجد قوة منافسة في السوق تصبح هذه الشركات بلارقيب أو حسيب يقيمها بمصداقية ولايمكن للحكومة ان تقيم مصداقيتها في شركاتها إن كان المقيمون هم من ابتكروها وصنعوها.ومع ذلك فإن القرارات التي صدرت مؤخرا مدعومة بمراسيم سلطانية عن خضوعها للحوكمة والنزاهة والمحاسبة قد يبعث اليقين أنها ستعامل كشركة وليست كطفلة مدللة يرعى من حنانها المئات برواتب مرتفعة وخيالية ومصروفات غير بناءة وعملية.حينما أستذكر الشركات فإنني أستذكر موقع امازون.عملاق التجارة العالمي وعلي بابا العملاق الاخر.أسسها شخصان من بيئتين مختلفتين هدفهما واحد جمع المال عبر تقديم خدمة تجارية لملايين المتسوقين وهم في منازلهم.موقعان يدران إيرادات بالملايين والمليارات من المبيعات اليومية والسنوية تتجاوز ربما دخل البلاد من النفط والضرائب.يفكران بعقلية تجارية تتجاوز عقلية التفكير في الشركات حكومية.لايمكن للموقعين على سبيل المثال أن يتعطلا فجأة ويظل الملايين من الناس ينتظرون إصلاح العطل لساعات «نادرا مايحدث» عطل صغير يكلف الملايين على الموقع ..من النادر أن ينتظر الزبون حل مشكلة خطأ بسيط في الموقع من التاجر أو البائع لأيام أو اسابيع لحل مشكلته.الوقت والجودة ورضا الزبون هو الأهم.سأترك لكم ذلك ولنتحول فجأة إلى شركاتنا الحكومية التي ينبغي من أساس نشأتها إدارة قطاع وتطويره والمنافسة لتقديم خدمة ذات جودة عالية وحل إي إشكاليات تقع للزبون في «غمضة عين».فعلى سبيل المثال يضرب اليأس الناس من تفاعل شركات تسيطر عليها الحكومة كالماء والكهرباء حينما يتعلق الأمر بالفوترة ورسوم الإستهلاك وتقديم الخدمات التي غالبا مايسيطر عليها عدم الدقة والخطأ في الحسابات ومع ذلك تتلكأ الشركات المقدمة للخدمة في حل الاف الشكاوى.. ترى لماذا تتلكأ في ذلك؟الإجابة بسبب عدم وجود منافس لها ولاتوجد لديها خشية من هروب الزبون الذي لاتتوفر لديه خيارات أخرى.فلاشركات اخرى ستقدم هذه الخدمات وحينما تسيطر الحكومة على هذا القطاع بهذه الشركات فإن الجودة والدقة والتفاعل هو اخر ماتفكر به تلك الشركات.. والأمثلة على ذلك لاتعد ولاتحصى..المحصلة إن تجارب المستهلكين مع هذه الشركات سيئة جدا..إن كنا نتحدث عن شركات حكومية هدفها تحسين الجودة والخدمة ومع ذلك فإن قدراتها التفاعلية وتحسين خدماتها لايحظى برضا الزبائن فمابالنا بالدوائر المدنية الحكومية التي تقدم خدمات مقابل المال كذلك كالإسكان والبلديات والعمل وهي أهم وزارات حكومية يتعامل معها الناس..الإجابة أن التجارب ايضا سيئة ربما أكثر ومع ذلك لاينبغي أن ننكر عدم وجود تحسن..لكنه يأخذ وقتا إن وجدت إدارات قوية وحريصة على العمل.وفي الخدمة مقابل المال لايميل الأشخاص إلى «الاحتراق» من اجل المال العام بقدر المال الخاص وهي فطرة طبيعية لايمكن إنكارها..اجد نفسي هنا مجبرا ان أورد تجربة شركة حكومية جديدة دخلت السوق وهي تقدم منتجات بجودة عالية وبمنافسة..لماذا: ببساطة لوجود منافسين أقوياء بمنتجاتهم ..فالبقاء في السوق للاقوى بمنتجاته..ورضا زبائنه.لننظر كيف كان قطاع الإتصالات قبل فتح السوق وبعده..ومع وجود منافسين ودخول منافسين جدد سيزدهر هذا القطاع ولن يشعر الناس «بالتعاسة» من رداءة الخدمات وتعثرها. في الأسبوع الفائت تبنى جهاز الاستثمار إدارة مشروع المليون نخلة بعد سنوات- إن لم تكن سيئة فإنها لم تحقق الطموحات المرجوة من فكرة المشروع..الآن سيدير الجهاز المشروع بإسناده إلى شركة تتبعه لتنتشل المشروع من مستنقعه على امل تحقيق أهدافه وبإشراك المزارعين المحليين مماسيخفف العبء المالي الذي تكبده المشروع في السنوات الفائتة..انشأ المشروع ونشأت معه إدارات وموظفين وماتبعه من تكاليف مالية «باهضة»لايعلم ماذا حققت..دخول جهاز الإستثمار على الخط يعني تصحيح المسار ربما بعد تعثره..في مثال اخر يطالب الناس الحكومة بإنشاء مشاريع وتشديد قبضتها على موارد طبيعية-لاتصنف في الغالب كثروات سيادية- حجة الناس أنها ثروات تسيطر عليها شركات ولم تحقق الهدف منها كصنع الوظائف وزيادة إيرادات الدولة من الضرائب المحتسبة على هذه الشركات التي حصلت على امتيازات المواقع-كقطاع التعدين- ولربما يصيب الناس في ذلك لكن النتائج التي نراها هي مسؤولية الحكومة.المحصلة:بدون منافسة ستظل هذه القطاعات مترهلة وستلحق بأخواتها من الشركات الأخرى التي كثرت اسمائها لكنها لاتسمن كثيرا ولاتغني من جوع. ماذا بعد ذلك: توجه الحكومة لبناء هذه الشركات في البداية قد يكون ضروريا وملحا بسبب عدم رغبة المستثمرين وخوفهم كذلك في تبديد اموالهم في مشروعات لايعلمون نتائجها.لكنه لاينبغي أن يستمر لمالانهاية.يمكن للحكومة الاحتفاظ بأسهم لكن من الضروري إسناد هذه الشركات للقطاع الخاص أو مستثمرين خارجيين إن كان القطاع الخاص ضعيفا ولايمتلك القدرة على ذلك. من المهم أن تنتشل الحكومة هذه المشاريع وتعيد بناء مسارها ثم تضع الكرة في ملعب القطاع الخاص والمستثمرين .لتبقى هي مراقبا ومنظما وضابطا للقطاع ليأخذ مساره في دورة الإقتصاد المحلي بقواعد الاقتصاد.غير ذلك ستصبح الشركات الحكومية وكرا للترهل والمحسوبية وعبئا حكوميا اخر يستنزف الوقت والمال والجهد الذي ينبغي أن تصرفه الحكومة على بناء اقتصاد قوي ومنافس..دون أن تزج بنفسها للمنافسة فيه.