إشكاليات فهم حرية التعبير

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٤/مايو/٢٠٢١ ٢٠:١٢ م
إشكاليات فهم حرية التعبير
علي بن راشد المطاعني

علي بن راشد المطاعني 

في الوقت الذي نحتفي فيه باليوم العالمي لحرية الصحافة‏ كإحدى المناسبات العالمية التي تقيَّم فيها الحريات الإعلامية في دول العالم وتتم فيها إماطة اللثام عن الانتهاكات المرتكبة، فإننا في السلطنة نقف في ساحة يشوبها نوع من عدم الفهم والإدراك لتلك المعاني، وهذا ما نراه جليا وواضحا في وسائل الإعلام والتواصل، حيث نرى تبادل الاتهامات بين شرائح المجتمع حول مع أو ضد حرية التعبير، وحدودها وكيفية فهمها، فالبعض يطلق عليه مسمى (النقد) وحق في طرحه كنوع من التجديد وتقويم الممارسات العملية بهدف الإصلاح في مؤسسات الدولة، والبعض الآخر يفهمه بشكل آخر، ويطلق عليه (التنمر) كمصطلح حداثي دخل لخاصرة تعاملاتنا السلوكية والاجتماعية في ملاحقة الجهات والمسؤولين حتى في أحوالهم الشخصية وعائلاتهم، وآخرين يطلق عليهم كلمة (المطبلين) على كل من يكتب تجارب إيجابية أو يلقي الضوء على إنجازات الدولة، لذا تجد الكثير لا يتطرقون لذلك هربا من أن يطلق عليهم هذا المصطلح، ويذهب البعض إلى ربط النقد وزيادة الجرعة به، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعية إلى التشكيك في وطنية البعض، فيصدر صكوكا ويوزعها على من يكتب بأن هذا وطني والآخر غير ذلك، فهذه الممارسات التي تخيم على الساحة المحلية في وصف حرية، وما تواجهه من تباين في الفهم حول منطلقات النقد وحرية التعبير وإسقاطات الآخرين عليها كلا وفق مرئياته تثير بعض المخاوف بأن هذا التباين والتلاسن سيفرز ممارسات خاطئة. ففي البداية يجب عدم الانزعاج من هذا الحراك الإعلامي في الأوساط المحلية بكل تجلياته فهذا دليل على قوة المجتمع وعنفوانه في إبداء الآراء وصفحة ناصعة في حرية الرأي في السلطنة تضاف إلى ما تحقق من تطور في المشاركة المجتمعية وجزء من التطور الذي تشهده البلاد وتزايد الوعي المجتمعي الهادف إلى تقويم السلوكيات غير السوية وإصلاح العمل في أجهزة الدولة. ثانيا علينا أن نحتكم إلى أن النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم: 6/‏2021 وإلى منطوق المادة (37) منه (حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الكراهية أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه)، وأيضا للمادة (38) التي تنص على (تلتزم الدولة بحماية الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كافة المجالات، وذلك وفقا للقانون). وذلك في إطار جدلية حرية التعبير كحق أصيل من حقوق الإنسان وفي حدود القانون، وجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله- أشار في خطابه إلى صيانة حرية التعبير في البلاد، فليس هناك خلاف على المبادئ التي تقوم على عمدها حرية التعبير في السلطنة، لذلك لا ينبغي لأحد أن يزعم بأنه فوق النظام الأساسي للدولة أو وصيا على حرية التعبير بالبلاد، وتأكيدات جلالة السلطان في هذا الشأن واضحة ولا لبس فيها، ويبقى التباين هنا حول النقد كَمّاً ونوعا، ومدى مشروعيته على صعيد ما يحمله من حقائق دامغة وأدلة لا تقبل الشك، فمثل هذه الأمور تصحح نفسها بنفسها تلقائيا، فالحقيقة كانت وستبقى ناصعة كالشمس، وما دونها إشاعات وزبد لا يلبث أن يذهب جفاء ويبقى في الأرض فقط ما ينفع الناس. الجانب الآخر الذي ينبغي وضعه في الاعتبار هو أن زيادة الانتقادات الحالية مردها للتداعيات القهرية نتيجة الأوضاع الصحية والاقتصادية وانعكاساتها على المواطنين، فما نشهده من انتقادات لإذاعة أحيانا للقرارات والتوجهات هي إفرازات طبيعية جدا لهذه الحالة يجب استيعابها وتفهمها في هذا الإطار لا أكثر ولا أقل، وفي المقابل يجب أن نؤمن ونقر بأنها تحمل حبا لا مزيد عليه للوطن، وهي تأتي في إطار التطلع للأفضل بطبيعة الحال؛ وبالتالي يتعين أن ننظر إليها في هذا الإطار فقط. إلا أنه في المقابل نرى عدم وجود تفهم من (بعض) الجهات والمسؤولين لهذا الأمر، فهم يصنفون ويضعون كل من ينتقد في خانة العدو ويخضع للترصد والتصيد، وهذا سلوك لا يتناسب وضرورات المرحلة التي تعيشها السلطنة ويحتاج إلى توعية لتأكيد حقيقة أن النقد لا يعني الهدم بل التصويب لمواضع الإخفاق والتطلع للمشروع الأفضل ولما فيه صالح الوطن والمواطن. في المقابل أيضا ليس هناك وضوح في التعاطي الإعلامي لقضايا البلاد وشرحها بنحو كاف من جانب الجهات المعنية، وليس لديها من الخطط والبرامج ما تستوعب به المتغيرات الراهنة بالمزيد من التقارب وتوضيح المنطلقات التي تمر بها الدولة، وإضفاء الكثير من الشفافية والتناول الصحيح لما تشهده الساحة المحلية من تطورات إيجابية وسلبية ومتغيرات تقتضي الكثير من المكاشفة والمصارحة، وتوطيد العلاقات المهنية بين الإعلاميين والمغردين وصولا للصيغة المثلى التي وصلت إليها الكثير من الدول المجاورة؛ من توافق في هذا الشأن. لذا من الطبيعي أن تجد هناك خللا في فهم المنطلقات وتفسيرها وفق فهم كل شريحة في المجتمع.

في المقابل نتفق هنا جميعا بأن الدولة تمر بمرحلة استثنائية ودقيقة، وأنها صامدة بحول الله ما بين مطارق الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية الطاحنة، وتحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود والفهم المشترك لمتطلبات العمل الوطني، وهذا ما يجب أن تعيه الجهات المختصة في تعاطيها مع الرأي العام والإدارة الإعلامية من خلال توضيح هذه المنطلقات للإعلاميين واستيعابهم بشكل أفضل مما هو عليه الآن من جفاء لا تخطئه العين، فلا يمكن تجسير الهوة الإعلامية إلا بتضييق المسافات بين الأطراف والتنازل طواعية عن السلوكيات السلبية التي تشوب التعاطي الإعلامي.

الجانب الآخر هو أن التباين الكبير بين الإعلام الرسمي والخاص والتواصل الاجتماعي في إدارة الجوانب الإعلامية ومساحات الحرية؛ ‏بات واضحا على صعيد الشفافية، وهذا واقع يفقد الإعلام الرسمي مصداقيته بدرجة كبيرة، ويجعل الكثيرين يهربون إلى البدائل سواء في الإعلام الخاص أو وسائل التواصل الاجتماعي أو إعلام الدول الأخرى؛ وهنا يفقد إعلام الدولة رسالته وجمهوره، وهذا ما يجب التفكير به لإضفاء المزيد من المكاشفة فيه والجاذبية لبرامجه وتسويقها بشكل أفضل، فليس هناك من الممنوعات إلا المحظورات التي حددها القانون، ولا يجب فهم أي نقد بأنه هدم، وألا نجنح كثيرا إلى التلميع المبالغ فيه لما يشكله من نفور للمتلقي.

بالطبع نحن نشد على أهمية النقد البناء وضرورته؛ ولكن يجب أن نعترف أيضا بأنه نسبي كذلك، فما يراه الإعلامي والمغرد بأنه صحيح وعين العقل أن يطرق ويطرح في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي؛ قد يراه المسؤول غير ذلك، وفي هذه الحالة عليه أن يوضح ما هو الصحيح مقترنا بالمستندات والحقائق والأرقام والإحصائيات الكفيلة بإقناع الطرف الآخر، وهكذا تمضي السفينة لمبتغاها بغير رياح أو عواصف تغير وجهتها.

نأمل ألا نتضجر من النقد وممارسة حرية التعبير في هذه المرحلة وغيرها، وعلينا التأقلم معها بكل إيجابياتها وسلبياتها، والعمل على تعزيز إدارة العمل الإعلامي بكفاءة أفضل مما هو عليه الآن، ولنفتح بذلك آفاقا أوسع بإيجاد منطقة وسطى نحفظ في حماها التوازن الدقيق بين الحرية الإعلامية ومصالح الوطن العليا.