صنعة الفتى

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٢/مايو/٢٠٢١ ٠٩:٣٠ ص
صنعة الفتى

بقلم : محمد بن علي البلوشي

بعد أن شبع ضربا كلما أختفت الصورة حملت التلفاز إلى أثنين من فنيي إصلاحه..هذه صنعة كمثل بقية المهن الفنية واخواتها يقوم بها الآسيوين فالسوق لهم وليس للعمانيين..من النظرة الأولى طلب الأول 15 ريالا لإصلاحه..بعد مفاوضات سريعة وعاجلة طلب 13 ريالا..لم أقتنع بذلك بعد مسافة محل آخر ومن نفس الجنسية طلب الثاني 10 ريالات وبعد مفاوضات عسيرة توصلنا إلى أتفاق بتسعة ريالات..بدون ضمان كما يقول وبدون فاتورة..قال أنه يصلح التلفزيونات ولديه زبائن غير «متشرطين» لكنه أعتبر الفقير الحامل للتلفاز متشرطا..رضخت لشروطه على مضض:حسنا موافق أصلحه..من أسرار الصنعة أنه لن يصلحه أمامي فلربما أكتشفت أن إصلاحه لايكلف إلا دقائق ..حينها سأعرف أين الخلل.إن سر قيمة التكلفة أيضا يكمن في معرفة الخلل وتشخيص المرض. يكسب الثالث وهو فني إصلاح وتنظيف اجهزة التكييف يوميا مابين 50-100 ريالا في شهور الصيف..ففي إتفاقية واحدة قد يكسب مائة ريال لمجرد تنظيف و»زيادة الغاز»تصوروا: مكسب 1500 -3000 ريال شهريا في المتوسط.

أما الرابع الذي بحثت عنه فهو كهربائي خمسة كهربائيين كلهم مشغولون..يعملون ويكسبون..هذه مهن يحتاج لها الكل الشركات والمنازل والناس..هل نسيتم خياطوا الملابس الرجالية مثلا هم الأخرين يتدفق المال في جيوبهم..أما خياطة الملابس النسائية فحدث ولاحرج فالمال لا ولن يتوقف طالما النساء على قيد الحياة.ماذا بعد..محلات بيع المواد الغذائية وغيرها..آلاف الفرص التي يتعامى الشباب عنها..أصحاب هذه المهن أحرار في أعمالهم رؤوساء أنفسهم دون مسؤول قد يتنمرعليهم أو وقت يسابقهم ويسابقونه لبصمة أو موعد دوام..احرارا في أسعارهم فإن قبلت بها تفضل وإن لم تقبل بها فهو ليس بخاسر فالزبائن لايتوقفون..لا احد يتسلط عليه والمال يسري في جيبه كما يريد..بينما نحن في وضعية الزبائن والزوار في السوق ..ومع ذلك لاتلتفت الغالبية من الشباب لهذه المهن لأنها بحاجة إلى ثلاثة عوامل: إرادة وصبرا وجهدا..لقد أعتاد أعتاد الناس على العمل كحارس في منشاة حكومية أو شركة بدلا من الإنطلاق في عمل حر ومجزي ماليا اكثر من الموظف الذي ينتظر راتبا شهريا. يعمل في السوق الآلاف في هذه المهن بينما يرفضها الشباب..هؤلاء أتموا دورات قصيرة أو متوسطة في معاهد أو ورش صغيرة في بلادهم ثم شهادات فنية - بعضها حقيقية وبعضها مزورة..لا يهم سيصل إلينا ويتعلم ويصبح أستاذا..فبعضهم وبعد تجارب علينا يتأهل في هذا السوق..نواجه مشكلة وخللا في الثقافة الاجتماعية السائدة والتي أثرت كثيرا علينا ومع ذلك لابد من الاعتراف أنها تراجعت..هناك ممن كسروا القواعد الخاطئة وبداوا ينطلقون.قد نحتاج لسنوات طويلة لتصحيح السوق وهي مهمة الحكومة لتصحيح مساره ومع وجود هذا التوجه فإن المسألة تتطلب كذلك غربلة المناهج التعليمية وتقليل الجرعات الدراسية التي لاتجدي في سوق العمل بحيث يصبح الطالب أو الخريج يحمل مهارة «فكرية» جديدة لما بعد إنهاء مرحلة من المراحل الدراسية بدلا من إنتظار وظيفة حارس أو إعلان تجنيد أو الإتكاء على أنتظار وظيفة حكومية أو مقابلة في شركة وضغوط الأجر الذي ستمنحه هذه الشركة وظروف الإنتقال إلى العاصمة وما يتكبده من مصاريف. في سنوات مضت كانت الأنظار تتجه إلى رفع جودة التعليم المهني والتقني وهي التي تمنح درجات متنوعة من الشهادات التي تمكن حاملها من ممارسة هذه الأعمال المجزية مالا..وكأنها اختفت وتلاشت وقل الأقبال عليها لربما.لازلت أتسائل ماهو الأمر الذي يدفع بهروب الشباب من هذا السوق الذي يدر مالا من المهن الحرة..لماذا نستقبل ىلالاف من حملة هذه المهن بينما يجري نهر الخير من امامنا ونصرخ من العوز بسبب عدم وجود العمل وهو أمامنا..ألم يحن الوقت لنبذ ووأد هذه ثقافة السيئة وبناء ثقافة وطاقة إيجابية جديدة عن العمل في المهن الحرة واقتحام أفاقها..علينا التوقف عن زف المثالية بالجمل المعلبة التي يفتقدها المجتمع والناس..مالذي يدفع الناس إلى تجاهل مشروع مثل محل مواد غذائية تعتمد عليه الحارة باكملها بينما يبقى الناس يثرثرون أمامه فيما مبيعات المحل مئات الريالات يوميا ومكاسبه الشهرية تفوق راتب موظفا جامعيا بل ويوظف ويحول اموالا وينفق على نفسه وعائلته إن كانت معه ويجدد بطاقاته وملتزم بكل الرسوم التي يتوجب عليه دفعها. نفتقد للدافعية للعمل الحر بدلا من التعلق بالوظائف والأعمال الجاهزة..المجتمع المنتج هو الذي يكتسح أبنائه الأعمال..يوجد بالسوق مليونين مقيم..دعونا نتحدث عن مائتي ألف شخص يعملون في قطاعات مجدية ومجزية ماليا..تجارة المال الحر فهو المستقبل..لاتنتظر شيئا لن يكون لك..السوق ميدان مفتوح لمن يرغب في العمل..والأنتظار هو وظيفة المتخاذلون والكسالى.أدهش من كثرة التنظيرعن التعليم فهو مشوش وتشوبه السطحية فالتنوع في العمل والشرائح العاملة في المجتمعات هو الطبيعي فهم يدورون في دورة رأس المال.كثرة الشهادات العالية ليست معيارا واحدا لتقدم المجتمع..وهي لاتجدي إلا في جزيرة معزولة فقط..لايمكن أن يصبح كل المجتمع جامعيا..ولايمكن تحويل كل الخريجين-أكثرهم كانوا في العلوم الإنسانية- لمخلصي معاملات حكومية ليكسبوا راتبا شهريا..ثم لنقول أننا نرفع من شأن الوطن..هذه جمل معلبة وفارغة..ينبغي أن تعمل لرفعة شأنك وتكف نفسك عن السؤال..عندما لانستطيع ان نحرك طوبة في الإنتاج فلنتوقف عن المثالية الزائفة والشعارات الجوفاء..لماذا: الإجابة أن هؤلاء الذين يعملون في هذه المهن التي يعتمد عليها المجتمع هم الذين يرفعون كذلك من شأن الوطن الذي أتوا إليه ليعملون ويفيدون الناس..الشهادات وحدها لاترفع من شأن الأوطان..بل أعملوا إذن أو قفوا في صفوف الأنتظار والمتفرجين؟ شكرا كومار.. شفيق..نور الدين..شكرا لكم بحجم السماء.