الشبيبة - المحامي يحيى الغافري
المحكمةّ النظاميةَ هي المحكمةُ صاحبةُ الاختصاص العام والقول الفصل في تنازع القوانين و في تفسير المواد و توافق أي قرار أو مرسوم أو قانون أو لائحة أو حكم قضائي مع النظام الأساسي للدولة.
لقد تجلت نهضةُ القضاء في السلطنة بصدور قانون السلطة القضائية بالمرسوم السلطاني رقم ( 90 /99 ) المعدل بالمرسوم السلطاني رقم ( 14 / 2001 ) مما رسخ مكانة القضاء و جعله يتسم بالوحدة والاستقلالية .
و قد أسست القيادةُ الحكيمة مبدأ عدم التدخل في شؤون القضاء، و نادت بأن لا سلطانَ على القضاة في قضائهم لغير القانون وضمائرهم ولا يسمح لأيـة جهـة التدخل من قريب أو من بعيد في شؤون القضاء.
ومن هذا المنطلق فقد تم إنشاء المجلس الأعلى للقضاء بصدور المرسوم السلطاني رقم ( 9 / 2012 ) والذي يهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ وأخلاقيات العمل القضائي ونزاهته وتحقيق استقلاله وتطويره في البلاد،
وبهذا تكون الدولة دولة فتية قوية تواكب العصر وتحرص على إرساء المبادىء القانونية و إعلاء راية العدل وسيادة النظام.
و حُق للدولة العمانية أن تساير الدول المتحضرة و المتطورة في شأن التشريعات والقوانين بما يتناسب مع ضرورات العصر و وحاجاته و ظروفه ، و بما يخدم رؤية عمان 2040 و بما يُعزز من مكانة السلطنة على الخارطة الدولية.
هذا وقد أدى الحراكُ التشريعي للجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشورى العماني إلى تقديم مقترح قانون المحكمة النظامية استجابة للنهضة التشريعية، و مسايرة للتقدم العالمي، و تزامنا مع النظم العصرية، ومواكبة للمطالب الشعبية، وتوصيات الأبحاث التي تنادي بضرورة تفعيل المادة رقم ( 85 ) من النظام الأساسي للدولة الصادر في المرسوم السلطاني رقم ( 6 / 2021 ) والتي جاء فيها : " يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين و الاجراءات التي لها قوة القانون والمراسيم السلطانية واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها أحكامه ويبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعه " وهو الأمر الذي سيقضي على تضارب القوانيين واختلاف اللوائح والقرارات ، هذا المقترح قد أجيز من مجلس الشورى و أحيل إلى مجلس الدولة في انتظار رأيه سواء بإجازته أو تعديله أو رفضه أو إعادة مناقشته فإن أجيز هذا القانون من مجلس الدولة فسيُرفع إلى المقام السامي لاعتماده وإصداره.
وحقيقةُ الأمر أنّ النظام التشريعي في السلطنة لم يتأخر في شأن اختصاصات المحكمة الدستورية أو النظامية فقد أسند بعض أعمالها إلى المحكمة العليا ممثلة في هيئة تنازع الاختصاص والأحكام الصادرة بالمرسوم السلطاني رقم (88 /2008 )
كما وضح قانون السلطة القضائية طريقة تشكيل الهيئة المختصة في المادة (10) و نص على أنها تتشكل عند الحاجة.
وكذلك نصّ المشرّعُ على أن تقوم ببعض أعمال المحكمة الدستورية الهيئة الدستورية كما ورد في المادة (11) من قانون السلطة القضائية ما نصه :" تكون الهيئة المنصوص عليها في المادة (10) هي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامه ، ويصدر مرسوم سلطاني يبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها ". و قد كان المأمول من هذه الهيئة أن تُفعل و تصل إليها النازعات ذات الصلة ولكن مرسومها لم يصدر ربما بسبب أن هذه الهيئة الدستورية هي نفس فكرة هيئة تنازع الاختصاص والأحكام، ولعل هذا الحراك في مجلس الشورى هذه الأيام سيكون محفزا لإصدار ما هو أفضل في شأن تجميع كل هذه الاختصاصات والأعمال في محكمةٍ واحدة وهي المحكمةُ النظامية.
و مما ينبغى توضيحُه هو أنّ المحكمة النظامية توازي المحاكم الدستورية في الدول العربية والدول الأخرى و من أهم أعمالها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية التي تثير خلافًا في التطبيق والفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين وتفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات الصادرة من حاكم البلاد إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها، حيث يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة إختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية.
و حسنًا فعلَ أصحابُ السعادة مقدمو الاقتراح في اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشورى حينما قدموا هذا المقترح بمسمى المحكمة النظامية تماشيًا مع النظام الأساسي للدولة ، وحتما فإن ذلك مظهر حضاري من مظاهر تقدم الشعوب ووعيها الفكري في تطوير منظومتها التشريعية والقانونية.
فهل يا تُرى سننتظر نهضةً تشريعيةً جديدة تنطلق هذه المرة من مجلس عمان الموقر؟!
هذا ما ستكشفه الأيام القادمة بإذن الله تعالى.