اقتصاديات النفط .. وذكريات العاشر من رمضان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٥/أبريل/٢٠٢١ ٠٩:٤٣ ص
اقتصاديات النفط .. وذكريات العاشر من رمضان

بقلم : محمد محمود عثمان

ذكرى انتصارات حرب السادس من اكتوبر 1973م التي وافقت العاشر من شهر رمضان لعام 1393 هـ - تمثل أعظم انتصار للعرب في مراحل الصراع العربي -الإسرائيلي على مر التاريخ - وكانت نقلة نوعية في عائادات النفط للدول العربية المصدرة للنفط ، وكانت وراء تحرير سياسة البترول من سطوة الشركات إلى يد الدول البترولية نفسها، ومن ثم كانت أهم قفزة فى تاريخ الدول البترولية، بعد أن نجح العرب للمرة الأولى في استخدامه كسلاح استراتيجي فعال خلال هذه الحرب ، حتى أن خبراء الاقتصاد يؤرخون بأن نهضة وتقدم الاقتصاد العربي في الدول النفطية بدأت بعد حرب العاشر من رمضان ، بعد صعود سعر برميل النفط من أقل من دولارين في 1970 إلى أكثرمن 75 دولارا للبرميل (تجاوزعتبة 98 دولارا في 2007 )الذي تسبب في وجود فوائض مالية ضخمة ،وهذه الزيادة في الأسعار كانت لها آثارا ايجابية على الدول المصدرة للنفط في العالم اجمع ، وفي بلدان الشرق الأوسط ، التي أصبحت تسيطر على سلعة حيوية ، وشكل تدفق رأس المال لها مصدرا هاما لتكوين ثروات واسعة ،كانت سببا في التقدم الذي تشهده دول المنطقة حتى الآن ، كما استفادت من ذلك اقتصاديات الدول غير النفطية المصدرة للأيد العاملة التي توافدت للعمل في الدول النفطية ، وتمثل تحويلات العاملين في الخارج رقما مهما في ميزانيتها المالية.

ولذلك علينا أن نعمل على ترسيخ معاني الانتصارات والبطولات في وجدان النشء الذي تغذى لسنوات طويله بثقافة الهزيمة ، بعد أن تم بقيادة الطيار حسني مبارك قائد القوات الجوية وسلاح الطيران المصري، تدمير مراكز القيادة و الاتصالات المتقدمة وتحصينات خط بارليف القوية التي كونت سلسلة من النقاط الحصينة التي صنعت الخط الدفاعي الأصعب في تاريخ الحروب، الذي أنفقت عليه إسرائيل أكثر من 300 مليون دولار.

لذلك ستظل هذه الذكرى محفورة في ذاكرة العالم عامة وذاكرة العرب خاصة ، ولاسيما وأنا أحد العرب المصريين الذين تشرفوا بالمشاركة في صنع هذه الانتصارات كمقاتل في أحد تشكيلات الدفاع الجوي للجيش المصري على شاطيء قناة السويس، ولا أنسى الساعة الثانية وخمس دقائق من ظهريوم السبت السادس من أكتوبر73، وكان يوما عاديا في الروتين اليومى منذ الصباح انتظارا لآذان المغرب وساعة الإفطار، فبعض الجنود يستعدون لمغادرة المعسكر للقيام باجازتهم الشهرية ، والبعض من قدامي الجنود ممن شاركوا في حرب 1967 يتسلمون رسائل تسريحهم من الجيش وإحالتهم للاحتياط والبعض في وقت الراحات يعلب الشطرنج والبعض يلعب كرة القدم ونحن صيام « وكان الاستطلاع الإسرائيلي يرصد ذلك يوميا «،وفي الجانب المقابل كان طاقم العمل المناوب يضع السماعات على أذنية من خلال اجهزه الاستقبال المتصلة بالرادارالذي يرصد ويسجل حركة الطيران المعادي التي تظهر في نطاق ومدى الرادارات المصرية ، وتتباع البلاغات والتعليمات ، ولكن كان يمكنها أن تستمع لبعض موجات الإذاعة المتداخلة مع ترددات أجهزة الاستقبال،وإذا بنا نسمع صياحا وتهليلا «الله أكبر .. الله أكبر» الإذاعة تعلن أن الطائرات المصرية عبرت قناة السويس ، وفجاة تغيركل شيء في المعسكر الهاديء ، ونحن في دهشة كيف حدث ذلك ؟؟ ولم توجد لدينا أي تعليمات أو تحذيرات أو حتى إعلان حالة الطوارئ ، ولم نجد إجابات شافية سريعة حينئذ ،وعلمنا بعدها أنها كانت جزء من خطة التمويه والخداع الاستراتيجي الذي نفذها الرئيس الراحل محمد أنور السادات بنجاح أذهل العالم أجمع ، وخدع حتى أكبر وكالات الاستخبارات العالمية ، حتى أن وسائل الإعلام المصرية نشرت وأذاعت في هذا اليوم خبرا بتوجه مجموعة من ضباط وقيادات الجيش المصري للسعودية لأداء مناسك عمرة رمضان، لذلك تأني هذه الذكرى ، لتعبر بنا من زمن الانكسارات والهزائم التي ذقنا مرارتها بداية من حرب 1948 إلى نكسة 1967 القاسية وفي ظل مشهد شديد القتامة، الى ملحمة النصر والعبور من ذل الهزيمة الى فخر الانتصار،ولتعطي لنا ومضة أمل وتفاؤل ،بأننا قادرون على التضامن والاتحاد و التخطيط والتنظيم والإدارة والإرادة ودقة التنفيذ، بعد أن التف العرب ودول الخليج حول السادات وقدم بعضهم للجيش المصري الدعم العسكري والمعنوي، بالإضافة إلى استخدام سلاح النفط وهو أقوي عنصر اقتصادي في المعركة ضد الغرب للمرة الأولى، فتجلت بذلك القوة العربية، التي نفتقدها في مواقف كثيرة متعلقة بحاضر ومستقبل الأمة العربية، بعد أن نجح العرب في حظر تصدير النفط للدول التي تساند اسرائيل ، وكانت وقفة عربية شجاعة ونادرة في ذات الوقت، ونحتاجها الآن في ظل الأزمات التي تنخر في أوصال الوطن العربي الممزق ، بل والمتصارع على المصالح الفردية ، والتي يستثمرها أعداء العرب في زيادة بؤر الصراع بداية من العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن والسودان ، التي تُستنزف اقتصادياتها لانهاك القوى العربية وتبديد ثرواتها، لصالح أعداء العرب الذين يرون أن في ضعف العرب أمن وقوة لهم ومن هنا علينا أن نتذكر بفخر بعد 48 عاما على تلك الحرب المجيدة الانتصارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تحققت نتيجة لحرب العاشر من رمضان - السادس أكتوبر 1973 لنأخذ منها العبر والدروس التي يجب أن يتعلمها ويفخر بها أجيال اليوم.