اللقاحات .. حرب دولية من نوع جديد

الحدث الجمعة ١٦/أبريل/٢٠٢١ ١٢:٠٧ م
اللقاحات .. حرب دولية من نوع جديد

مسقط - العمانية

تناولت عدد من الصحف في المملكة المتحدة مواضيع تتعلق بحرب لقاحات فيروس كورونا المستجد /كوفيد 19/ على المستوى الدولي.

وقالت صحيفة "ديلي ميل" في عنوانها الرئيسي "لا، لا يمكن للاتحاد الأوروبي الحصول على لقاحاتنا" في رسالة مباشرة لدول الاتحاد الأوروبي ورددت صحيفة " ديلي إكسبريس" ذات الرسالة في عنوان رئيس يقول "انتظر دورك! الاتحاد الأوروبي الأناني يريد لقاحاتنا".

 وتعكس هذه العناوين الرئيسة مزيجًا من روح الانتصار بسبب نجاح المملكة المتحدة الباهر بإجماع كل الآراء، في طرح اللقاح - خاصة عند مقارنتها بالبُطء الشديد في الاتحاد الأوروبي - وروح الغضب من قرارات بعض الهيئات التنظيمية الوطنية قبل أيام قليلة بتعليق استخدام لقاح "أكسفورد-أسترازينيكا" المُضاد لكوفيد ١٩ البريطاني عقابًا للمملكة المتحدة على خروجها من الاتحاد الأوروبي.

وكتب جاريث ديفيز أستاذ القانون في أمستردام، تحليلاً قال فيه: إنه لفهم ما حدث نعود إلى مطلع العام الماضي ٢٠٢٠م عندما اتخذت بعض القرارات الرئيسة أنتج فريق الخبراء في أكسفورد لقاحًا مرشحًا في وقت قياسي، لكنه احتاج إلى شريك صناعي لطرحه في السوق حيث كان اختيارهم الأولي شركة (ميرك Merck) الأمريكية، التي تتمتع بخبرة واسعة في تصنيع اللقاحات مع ذلك، اتسم ترحيب الحكومة البريطانية بهذا الأمر بقلق بالغ، حيث لم يكن هناك ما يضمن أن أي لقاحات تنتجها شركة أمريكية ستكون متاحة للمملكة المتحدة وبدلاً من ذلك أصرت حكومة المملكة المتحدة على توصل أكسفورد إلى اتفاق مع شركة (أسترازينيكا AstraZeneca) البريطانية السويدية.

وأضاف أن إحدى المشاكل التي واجهت شركة "أسترازينيكا" أنها لم تكن لديها الخبرة في إنتاج اللقاحات حيث إنها في تجارب تقييم سلامة وفعالية اللقاح عانت من سلسلة من المشاكل التي أُصيب خلالها أحد أفراد العينة التي أُجريت عليها التجارب بأعراض عصبية غير مُبررة وتوقفت التجارب مؤقتًا.

وذكر أن البريطانيين تذرعوا في ذلك الوقت بأن هناك دائمًا خطرًا عندما يتم إعطاء عدد كبير من الأفراد الأصحاء مُنتجًا جديدًا حيث إنه قد يتعرض البعض منه لأعراض جانبية غير متصلة لكن سرعان ما استؤنفت التجارب على الرغم من بعض التأخير في ذراع التجارب الأمريكية ليتلقى بعدها ٢٧٤١ شخصًا نصف الجرعة المحددة المقصودة حيث كان تفسير هذا صعبًا بالتأكيد.

وأضاف أن المشكلة الحقيقية كانت كيفية إيصال الخبرين إلى عوام الناس مع وجود تناقضات واضحة في كيفية ووصف مشكلة الأعراض العصبية في البيانات الصحفية التي أصدرتها الشركة، والتعليقات المقدمة للمستثمرين وحملة الأسهم، والوثائق الداخلية وعندما تم الإبلاغ عن النتائج الأولية للتجارب.

ولفت إلى تركيز الشركة على رقم فعالية بنسبة ٩٠ بالمائة في المجموعة التي تلقت  الجرعة الأقل عن غير قصد حيث تم الترحيب بهذا النجاح الظاهري، ولكن سرعان ما اُثيرت تساؤلات كثيرة حول تفاصيل كثيرة كانت مفقودة، وخلافًا لأفضل

الممارسات، تم الجمع بين نتائج تجارب مختلفة ولم يتضح على الفور أن الفرق في الجرعات لم يكن مخططًا له، مضيفًا أنه في الوقت نفسه كافح المعلقون للتأكد مما إذا كان الرقم ٩٠ بالمائة يرجع إلى إطالة التأخير في الحصول على الجرعة الثانية لأولئك الذين حصلوا على جرعات أقل، أو لأنهم شملوا عددًا قليلاً من كبار السن وفي الواقع، عندما أصبح من الواضح أن كبار السن كانوا ممثلين تمثيلاً ناقصًا في جميع بيانات التجربة، تنامت المخاوف بشأن مدى فاعلية اللقاح في هؤلاء الأفراد.

وبين أن مشاكل التواصل والإعلام لم تكن إلا البداية فقط فبمجرد بدء الإنتاج، أصبح من الواضح أن أسترازينيكا غير قادرة على الوفاء بما وعدت به.

وأشار إلى أن صناعة اللقاحات تُعد مُعقدة للغاية حيث واجه مصنعو اللقاحات الأخرى مشاكل أيضًا ومع ذلك فإن الشيء المختلف هو كيفية استجابة كل شركة للمشاكل، مشيرًا إلى أن أسترازينيكا وقعت عقودًا مع سلطات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء ووافقت على تسليم ما يصل إلى ١٢٠ مليون جرعة إلى الاتحاد الأوروبي بنهاية مارس ٢٠٢٠ مع ذلك، ومع ظهور حجم مشكلات التصنيع، نصحت الشركة الاتحاد الأوروبي بأنها غير قادرة إلا بأن تعده بـ ٣٠ مليون جرعة، ثم زيادتها لاحقًا إلى ٤٠ مليونًا.

وقال إن الاتحاد الأوروبي كان غير سعيد ، وهو وضع لم يساعد كثيرًا عندما أصبح واضحًا أن الاتحاد الأوروبي كان يصدر ملايين الجرعات من اللقاحات إلى الخارج، بما في ذلك إلى دول مثل المملكة المتحدة التي كانت تصنع اللقاح أيضًا، بينما لم تحصل منها على أي شيء في المقابل وكان النقص الناتج عن ذلك أصبح بمثابة العامل المحدد الذي أعاق طرح اللقاح في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد

الأوروبي، مضيفًا أنه في ذات الوقت كانت المملكة المتحدة تتلقى اللقاحات بكميات وفيرة من مصانعها ومن مصانع الشركة في بلجيكا والهند.

وأفاد بأن أسباب هذا الموقف لا تزال محل خلاف كبير، ولكن يبدو أن المشكلة تكمن في توقيع شركة أسترازينيكا تعاقدين غير متوافقين؛ نظرًا لمشاكل التصنيع الخاصة بها. مع ذلك، فإن القضايا الدقيقة بعيدة كل البُعد عن الوضوح. ويرى جاريث ديفيز أستاذ القانون في أمستردام في تحليله ومن تحليلات مطلعة عديدة، أنه من الواضح أن النزاع قائم بين الاتحاد الأوروبي وشركة أسترازينيكا. مع ذلك واصفًا القرار بـ "المُعقد" بسبب الانهيار الشديد في الثقة وفي خضم هذا النزاع، أعطت الشركة انطباعًا بأنها لم تتعلم شيئًا من المشكلات التي أحاطت بإصدار بيانات التجارب الأولية.

وذكر أنه في تطور غير مسبوق حيث أفاد المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية أنه تم إخطاره من قبل مجلس مراقبة البيانات والسلامة للتجارب الأمريكية بأنه "كان قلقًا من المعلومات الصادرة عن أسترازينيكا بشأن البيانات الأولية من اختباراتها السريرية للقاح كوفيد ١٩".

وفي سياق متصل تحدث فيليب لامبرتس، زعيم مجموعة الخضر في البرلمان الأوروبي، نيابة عن كثيرين في الاتحاد الأوروبي قائلاً: "يبدو أن أسترازينيكا لديها مشكلة كبيرة في الثقافة التنظيمية، إنها ثقافة عدم الموثوقية".

كما أفاد تييري بريتون، مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي ، بأنه بينما كان "على تواصل دائم" مع شركة أسترازينيكا ، "لم أتلقَ دائمًا توضيحات متسقة" حول مشكلات الإمداد. وكما لو أن هذا لم يكن كافيًا.

وكما هو مذكور في بداية هذه المقال فإن هذا النزاع يُعاد تأطيره من قبل البعض على أنه نزاع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي الواقع كان هناك خطر من أنه يمكن أن يتحول إلى ذلك فعلا عندما اقترحت المفوضية الأوروبية وضع أحكام بشأن فرض حظر على الصادرات، وهو الأمر الذي لم يدعمه المجلس الأوروبي. ومع ذلك ربما كان هذا التطور مُحتمًا بسبب عدم ثقة بروكسل الراسخة في المملكة

المتحدة، خاصة بعد انتهاك التزاماتها بموجب بروتوكول ايرلندا الشمالية، بحيث اضطر الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات إنفاذ بالقوة ولحسن الحظ، فإن الغلبة كانت للأصوات الأكثر هدوءًا، من خلال ضمان إبعاد مسؤولي المملكة المتحدة المشاركين في التفاوض بشأن اتفاقيات ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذين كان موقفهم التصادمي واضحًا للغاية، عن المناقشات. 


ومن المعروف منذ فترة طويلة أن الثقة شرط أساسي مُسبق لأي حملة تلقيح ناجحة عادة ما يُنظر إلى هذا على أنه ثقة بين أولئك الذين تمت دعوتهم للتطعيم والذين يدعونهم وهذه الحالة مختلفة، لكن المبادئ هي نفسها للأسف الشديد، ويبدو أن هذا قد امتد إلى القلق العام بشأن هذا اللقاح في بعض البلدان وهناك خطر من أنه قد يتسبب في ضرر أوسع نطاقا بكثير؛ نظرًا لوجود العديد من المجموعات والأفراد الذين يسعون إلى استغلال أي مخاوف بشأن اللقاحات.

وتحتاج أسترازينيكا بالتأكيد إلى إلقاء نظرة فاحصة طويلة على كيفية تعاملها مع هذه العملية والتعلم منها؛ فقد طور فريق "أكسفورد-أسترازينيكا" لقاحًا آمنًا وفعالاً بحق ي وقت قياسي ستكون مأساة حقيقية لو أهدرت جهودهم بفعل أفعال قد تؤدي إلى فقدان الثقة.