الإفطارُ علناً في رمضان بين التقييدِ القانوني وحريةِ الوجدان

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/أبريل/٢٠٢١ ١٦:٠٢ م
الإفطارُ علناً في رمضان بين التقييدِ القانوني وحريةِ الوجدان

الشبيبة - المحامي يحيى الغافري

لقد تميزت القاعدةُ القانونيةُ في التشريع العماني بمحافظتها وحمايتها لحرمات الدين الإسلامي لأنها تؤسس وتنطلق من أحكامه. ومن أهم تلك الحرمات حرمة المجاهرة بالإفطار العلني في شهر رمضان المبارك و ذلك كما ورد في المادة (٢٧٧) من قانون الجزاء العماني والتي نصت على : " يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (١٠) أيام، ولا تزيد على (٣) أشهر كل من جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطرة في نهار رمضان."

و قد جاءت هذه المادة مقيدة الإفطار حتى يكون مجرما بقيد وهو الإفطار العلني في نهار رمضان، ويظهر من فعل كهذا أن المفطر علنا و كأنه يتحدى المجتمع أو يستهزأ بمشاعره أو يستهين بشعيرة الصيام العظيمة، وإلا فإن الدنيا كلها كانت تسعه ليأكل ويشرب كيفما شاء في مكان خاص، لأن شهرَ رمضان له قدسيته، و الناس فيه صائمون، و بالتالي صار الصيام طابعا عاما، بل حتى الدولة كيفت نفسها و أعمالها على برنامج رمضان تسهيلا على الصائمين، فمن هنا ارتأى المشرع العماني أن يكبح جماح مثل هذه التصرفات الخادشة.

و لما كان صيام شهر رمضان ركنا من أركان الإسلام فإنّ الخطاب الإلهي الذي جاء في قول الحق تبارك وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" جاء خاصا بالمسلمين ، و إن فروع الشريعة الإسلامية لايلزم بها غير المسلمين على الراجح، ومن ضمن تلك الفروع الأحكام الفقهية فلا يلزم غير المسلمين بصيام شهر رمضان، أضف إلى ذلك وجود أصحاب الأعذار الذين تم استثناؤهم من وجوب الصيام بل و من مشروعيته أحيانا. 

وعليه فإنّ المادة رقم ( ٢٧٧) من قانون الجزاء العماني لا تنطبق على من تناول الأكلَ والشربَ سرا في مكان خاص، و إنما تنطبق على من ظهر آكلا أو شاربا أو مفطرا علنا وجهارا أمام الملأ سواء في مكان عام أو قام بتصوير نفسه و نشر مقطع التصوير المرئي بشكل علني.

ومما يجدر ذكره أن العبادات تؤدى رغبة و طواعية حتى تنتج آثارا روحية طيبة بعيدا عن الطقوسية و الجمود. 

لقد راعى القانونُ وجود وافدين غير مسلمين يعيشون على الأراضي العمانية وترك لهم مساحة كبيرة في ممارسة حقوقهم الإنسانية و لم يتدخل في حرية تدينهم أوحرية اختيارهم لطرائق حياتهم المناسبة، و لم يمنعهم من الأكل والشرب في أماكنهم الخاصة في نهار رمضان. 

إنّ سلطنة عُمان جزء من العالم وهي تتعايش مع مختلف الأفكار و يهوي إليها أصناف من الشعوب و البشر ذوي الديانات المتعددة والاتجاهات المتنوعة، و يستطيعون التكيف والتعايش مع المجتمع العماني بكل سهولة لأن المشرعَ العماني لم يقيد حريةَ الفكر و الوجدان و الدين ، فلا وصايةَ على أفكار الناس، و لا إكراهَ في الدين. ولقد ترسخت السماحة العمانية كسمة حضاريةٍ من سمات التشريع العماني.