على المطاعني
يتداول بعض الجهات مصطلح المراجعين على أنه كل من يراجع الوزارات والجهات الحكومية كافة، وتعلق لافتات لأوقات المراجعين في بعض الجهات الحكومية وتشير إلى أن آخر موعد الساعة 12 أو 1 ظهرا وهكذا، وربما تذمر بعض الموظفين من زيادة المراجعين وفتح نوافذ الخدمة في الوحدات الحكومية، بل إن البعض الآخر يتلكأ في خدمة المراجع ويماطله، بل ويتعبه بالطلبات ونقص الأوراق وغيرها من الممارسات التي باتت تعكس صورة غير إيجابية عن المراجعات للجهات الحكومية بشكل عام، الأمر الذي يتطلب تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة عن المراجعين ودور الموظف في الدوائر الحكومية، فبدلا من أن نطلق على المواطن أو المقيم أو المستثمر مراجعا وكأنه عبء على هذه الجهات التي تقدم خدمات بعضها مدفوعة، نطلق عليهم عملاء أو زبائن أو ضيوفا باعتبارهم يقومون بخدمة للوطن أثناء مراجعاتهم للوزارت لإنشاء مشروع أو طلب خدمة حتى بناء منزل فهم يبنون الوطن ويحرّكون الأسواق بما يستثمرونه في عمليات البناء والتشغيل في ولاياتهم ومحافظاتهم، وبالتالي يثرون الاقتصاد الوطني وهكذا تدور عجلة البناء والتعمير في البلاد، لكن إذا فهم الموظف أن هذا المواطن أو المستثمر بأنه مراجع يطلب خدمة دون أن يدرك أنه جاء لكي يساهم في خدمة الوطن من خلال توظيف مدخراته وأمواله فإنه من الطبيعي أن يتقاعس في الأداء ويتثاقل في تقديم الخدمة إذا لم نغيّر المفاهيم لدى الموظفين ونقيس أداءهم بكم عدد المعاملات التي أنجزت منهم وهوما يتطلب تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن المراجع وطلبه الخدمة إذا رغبنا في تطويرها في جهاتنا الحكومية.
فبلا شك إن تطوير الخدمات الحكومية مطلب أساسي لدفع العمل في البلاد وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي وتعزيزه بكل السبل الممكنة سواء بتطوير قدرات الموظفين أو تطوير التشريعات بل بتغيير مفاهيم الخدمة التي يراها البعض عبئا دون أن يدرك مردودها على الوطن والاقتصاد وتطويرها وهي من البديهيات التي ينبغي التركيز عليها كإحدى الخطوات التي يجب العمل بها في هذه المرحلة والمرحلة القادمة كجزء من استراتيجية العمل في تطوير الخدمات الحكومية المطلوبة بأسرع وقت ممكن والأخذ بها للعديد من الدواعي والمبررات التي تقتضي تطويرمساهمة القطاعات غير النفطية وتشجيع الاستثمار في المجالات ذات القيمة المضافة، لكن ليس كلاما كما يقال ولكن من خلال منهجيات واضحة وفترة زمنية قصيرة تعمل كافة الجهات الحكومية فيها بتقليص الإجراءات وتطوير العاملين في مجالات خدمة العملاء وتحسين الأطر والقوانين.
إن خدمات العملاء " أو ما يسمى بالإنجليزية " custumer service من الخدمات التي توليها الحكومات والشركات أهمية كبيرة باعتبارها تشكل سمعة أي مؤسسة وتدر أرباحا هائلة للجهات والشركات من خلال تطويرها بكفاءات عالية المستوى وتطوير مهاراتهم بشكل مستمر، بل تعمل على اختيار أفضل الأشخاص والقدرات ليكونوا في هذا المجال وتجري اختبارات دورية على الموظفين بهدف قياس قدراتهم ومواكبتهم للتطورات في الخدمة وكيفية أدائها واستقدام زبائن وهميين لقياس مدى تفاعل الموظف مع الزبون أو ما يسمى cheek master. وغيرها من أدوات التقييم المتبعة في قياس مثل هذه الأعمال.
إن النظرة لدينا مازالت قاصرة حيث نرى المراجع محتاجا إلى عطفنا بإنهاء معاملته وإنجاز ما يرغب فيه وهو يتوسل إلينا، وليس نحن كجهات محتاجين لهذا المواطن الذي جاء لينهي معاملته في البلدية ويشرع في إضافة لبنة إلى صرح البناء والتعمير في البلاد، أو المستثمر الذي يرغب في انشاء مصنع أو شركة خاصة قيمة مضافة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من منتج أو خدمة، أو مستثمر أجنبي جاء بعملات صعبة يستثمرها في بلادنا، فالنظرة إلى أنه محتاج للآخر أول الأولويات التي ينبغي أن نغيرها في أذهان الموظفين، فإذا لم يدركوا ماهية الخدمة بأنها واجب أو "بزنس" تقدمها الجهات بمقابل سواء مباشرة ويتمثل في قيمتها أو رسومها وكذلك قيمتها المضافة الكبيرة للاقتصاد سواء في استثمارات أو بناء وتعمير في عملية البناء والتشييد أو أي عمل، فإننا لن نصل إلى ما نهدف إليه وسنكون في مؤخرة الأمم في هذه البسيطة.
فمنذ فترات طويلة يكثر الحديث عن تطوير الإجراءات ومخاطرها على العمل في الجهات الحكومية ودورها في تعزيز التنمية وخدمة الاقتصاد، إلا أنه ليست هناك خطوات عملية أنجزت على أرض الواقع، وما زالت الإجراءات تعيق الاستثمار ومازالت النظرة للمراجع بأنه عبء على جهاتنا ومازال الموظف يعمل بشكل متثاقل عن أداء دوره ومسؤولياته وبالتالي يتراجع الاستثمار والبناء في البلاد.
بالطبع بعض الجهات بدأت تطور خدماتها ويجتهد الموظفون في التعامل مع العملاء ويشكلون قيمة مضافة عالية و خدمتهم في أسرع وقت ممكن، لكن أغلب الجهات مازال العمل فيها يمضي بوتيرة بطيئة جدا والموظفون يبتزّون المراجعين بطرق كثيرة للأسف وإذا لم يقدم خدمة مقابلة لن تنجز معاملاته وهكذا تمضي الأمور.
نأمل أن تتغير النظرة إلى المراجع ليكون زبونا أو عميلا جاء لينهي معاملته ويشرع في عملية البناء والتعمير ويستثمر في أرجاء الوطن وما نحن كجهات إلا مساعدين له نقدم له الخدمة ونسهل عمله لكي تتكامل الأدوار وتتضافر الجهود في بناء الوطن، وليس لتعجيز الناس وإضفاء البيروقراطية على الأعمال.