مصر تخطف أنظار العالم

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/أبريل/٢٠٢١ ٠٨:٥١ ص
مصر تخطف أنظار العالم

بقلم : خالد عرابي

نجحت مصر  في لفت وشد وجذب بل وخطف أنظار العالم نحو «مصر الحديثة» وذلك من خلال واحد من المشاريع والفعاليات التي دأبت على تقديمها مؤخرا باستمرار وانتظام ، إنه الحدث العالمي «نقل المومياوات الملكية» الذي جاء ليؤكد ويدلل بشكل قاطع للشك أن مصر الآن غير، وأن مصر اليوم لا ولم ولن تعود للوراء، وأنها لم تعد الدولة التي كان ينظر لها في فترة أحداث الربيع العربي وعام 2010 .

ففي احتفال تاريخي مهيب انطلق الموكب الملكي «الرحلة الذهبية للمومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير -الذي افتتح في 1902 ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية فريدة تحكي تاريخ الحضارة المصرية العظيمة التي امتدت لآلاف السنين- إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط - المدينة التي بناها عمرو بن العاص عام 641 م لتكون عاصمة لمصر-، حيث ستستقر المومياوات الملكية في مثواها الأخيرة.

و كان الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا في استقبال الموكب الملكي المكون من 22 مومياء (18 ملكا و أربع ملكات) ترجع إلى عصور الأسر الـ 17 ، 18 ، 19، والعشرين و من بين هؤلاء الملوك: رمسيس الثانى، سقنن رع، تحتمس الثالث، سيتى الأول، والملكة حتشبسوت، ميريت أمون وأحمس وزوجته نفرتارى لدى وصوله متحف الحضارة، وأطلق حرس الشرف 21 طلقة تحية لملوك مصر من أمام المتحف.

إن المتأمل في الاحتفال الملكي و رحلة أمس الاسطورية يرى أنها جاءت لتبهر العالم، ولتحكي «قصة حضارة علمت البشرية معنى التمدن، والعلوم والفنون، والطب و الفلك والهندسة والعمارة، وقصة حضارة قدمت للبشرية أول نموذج حي لدولة قوية أساسها العلم والإيمان».. لقد جاء احتفال أمس ليؤكد أن مصر ما بعد ثورة 23 يونيو تغيرت كثيرا وعادت «تشرق شمسها الذهب» فمصر تعيش نهضة حقيقية متطورة ومتسارعة تسابق الزمن بحق وفي شتى المجالات والقطاعات في النهضة والحضارة والعمران والطرق، في التجارة والصناعة، وفي الثقافة والفنون وعلى كافة المستويات والأصعدة، والأهم الطريقة التي تدار بها، وهي العقلية المنفتحة على العالم والآخر، المطلعة على كل ما هو جديد، والتي تعمل وفق منظومة ومنظور ورؤية مضمونها أننا نريد الأفضل والأحسن والأجمل والأكمل - والكمال لله وحده - ولا نريد ما سوى ذلك، وذلك لأنه ما لم تصل نحو الكمال الفعلي فأنت على أقل احتمال قريب منه، ومن لا يدرك 100% فقد يدرك 99 أو 98 وهذا هو السبيل الحقيقي للنجاح وبتفوق، وهذا هو المنطق الذي تعمل به مصر حاليا بقيادة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تمكن وبحق من تغيير منظومة الفكر والعمل في مصر .

إن من تابع و شاهد وتأمل في «الرحلة الذهبية لنقل المومياوات الملكية» وفي طريقة تصميم موكب هذه الرحلة والاحتفاء والاحتفال بها، وما صاحب ذلك من طريقة التقديم والموكب والاحتفال والعروض المصاحبة والأوركسترا والإضاءة وكل تفصيلة سواء كانت صغيرة أم كبيرة، يدرك أن هذا العمل العبقري العظيم مدروس بكل عناية ودقة ولم تترك مثقال ذرة من تفاصيلة للصدفة، وإنما كان كل شيء مدروس وبعناية ومرتب له وبمقدار، وهذا هو الجوهر المهم والعبقري والملهم فيما تقوم به مصر من مشاريع وأعمال حديثة في شتى المجالات.. إنها وبحق تنشد الجمال والكمال وبناء نهضة أحدث وأشمل.

إن من أبرز ما شدني وما يلفت النظر وما هو واضح للعيان وضوح الشمس أن كل ما قدم من عمل عظيم في الرحلة العظيمة لهو بأيد مصرية خالصة 100بالمائة فالإضاءة المبهرة والإخراج والأوركسترا العبقرية والفنانات الرائعات المبهرات ومقدمات العروض والتصميم للموكب والعربات التي تحمل المومياوات وطريقة العرض وخط سير الموكب وحتى المتحف الجديد نفسه والتصميم والديكور والإخراج وسمي ما شئت من تفاصيل هي «صنع في مصر» وبأيد مصرية خالصة وهذا محور وعنصر مهم أخر للثراء وللعبقرية المصرية، إنها الثراء في كل شيء، إنها عبقرية الإنسان والزمان والمكان.. إن من يعيد التأمل فيما قدم بالأمس خلال الاحتفال بالرحلة الملكية ليجزم أنه لو قدم في دولة أخرى - أي دولة- لاحتاج إلى خبرات وفنيين ومساعدين ومنفذين من عديد من الدول، ولكن في مصر فإن الأمر جد مختلف إنها دولة الاكتفاء الذاتي في كل شيء، بل والمصدرة للعالم.

في العام 2015 كنت في زيارة لأمريكا وزرت متحف المتروبوليتان للفنون وكان من بين أبرز الأجنحة التي لفتت نظري بقوة الجناح الفرعوني هناك وكان به مومياوات وتوابيت فرعونية والأهم مقبرة بكاملها بنقوشها وتفاصيلها ولكم استغربت وتساءلت كيف نقلت هذه بأكملها، غير أن ما لفت نظري أكثر أن المرشد السياحي أخبرني في حينها أن الجناح الفرعوني فقط في المتروبوليتان يجتذب 6 ملايين زائر سنويا.. تخيل هذا الرقم مرة ثانية .. إن طرق العرض التقليدية والقديمة وطرق تكديس الأثار في متاحفنا ربما كان لها دور في عدم جذب الزوار بالشكل الكافي لتراثنا وحضارتنا وتاريخنا فـ 14 مليون سائح لمصر سنويا عدد ضئيل جدا على ما تزخر به من تاريخ وحضارة وأثار وتنوع على شتى المجالات، ولكن هذه هي البداية والقادم أفضل وهناك العشرات من المشاريع وفي شتى المجالات والأهم تقام بهذا لمستوى من الجودة والفخامة وبالطرق الحديثة فانتظروها وأقربها افتتاح المتحف المصري الكبير الذي سيكون وبحق علامة فارقة في متاحف العالم. أعلم أن الرحلة الملكية أقيمت بهدف نقل المومياوات وافتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية، و لكن أتمنى أن يكون مثل هذا الحدث سنويا، و إن لم يكن بالإمكان إقامته لعوامل فنية أو لخطورة على المومياوات فليكن التفكير بمشاريع ورحلات أخرى على غراره.