بقلم : محمد محمود عثمان
فرض وباء كورونا نفسه على الاقتصاد العالمي، مع الفشل حتى الآن في اكتشاف اللقاح الناجز، ولن ينتصر عليه إلا كل من فكر من خارج الصندوق وتغلب على العقبات والمحبطات، التي تتميز بها عقليات البلاد النامية بما لديها من قدرات فائقة على صنع العراقيل والقيود التي تكبل انطلاق الاستثمارات والمشروعات من خلال إجراءات وقوانين بالية تحمل في مجملها المعاناة الدائمة من الروتين والتعقيدات البيروقراطية المرئية والمخفية، التي لا يمكن اكتشافها إلا من خلال التطبيقات العملية التي تثبت أن منظومة التشريعات القائمة مُنفرة وطاردة للاستثمار وللمستثمرين ومحطمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذكرت في أكثر من مقال فائت أنه ليس من المعقول أوالمقبول أن تجعل الحكومات من نفسها وصياً على المستثمرين الأجانب أو الذين يفكرون في الاستثمار، وتملي عليهم تعليمات ووصايا بزعم التأكيد على الجدية وخوفا من فشل المستثمر أومن تحقيق الخسائر، على الرغم من أن المستثمر هو الأكثر حرصا ووعيا ورغبة في النجاح وتحقيق الأرباح،وكذلك في ظل مستحقات كورونا المدمرة لكل الأنشطة الاقتصادية والتجارية التي صاحبها انخفاض أسعار النفط وتعثر أو تتوقف أو هروب الاستثمارات أو المشاريع القائمة التي يؤدي تأخرها إلى تعطيل عجلة التنمية. فهناك صرخات ألم مدوية متكررة - لم نستمع إليها بعقلية اقتصادية - من الذين تحاصرهم الديون والمطالبات بالإيجارات والمرتبات وأقساط القروض والأحكام القضائية بالسجن بعد معاناة الموجة الأولى من إغلاقات كورونا والتي تمتد مع التسونامي الجديد ، ومن ثم مضاعفة الخسائر والإفلاس، ولن تجدي معهم الحلول المؤقتة التي ليست بحجم الأزمة الحقيقي ،لأن الأمر الخطير في هذه المرحلة هو استسلام صناع القرار للمخاوف المستمرة من كورونا ، واعتبار أن الوضع خارج عن الإرادة، وتجاهل سلبيات ذلك على المدى الطويل وذكرنا وصفة العلاج لهذه الحالات التي تقضي بالمعايشة مع هذا الوباء كما فعلت مملكة السويد منذ بداية الكورونا ، مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحتياطية الوقائية والعلاجية ؛لأن أي إغلاقات جديدة لها آثار كارثية على المجتمع والأفراد في مختلف القطاعات ولكل الفئات في القطاع الخاص تحديدا، وأنها تحتاج إلى “لقاح اقتصادي” قوي يتكون من حزم تحفيزية غير عادية وآليات تشريعية ملزمة لتخفيض إيجارات المتاجر والمساكن وفواتير الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت والرسوم الحكومية بأنواعها وتثبيت أسعار السلع الغذائية ، وهنا يبرز الدور الأساسي والمحوري لغرف التجارة والصناعة بأن تتحمل مسؤوليتها في الوقوف إلى جانب القطاع الخاص الذي تمثله ،والتعبيرعن مطالبه وتبني حل مشكلاته ،حتي اجتياز الأزمة وعودة الأنشطة إلى معدلاتها الطبيعية ، وكذلك في مجال السعي لجذب الاستثمارات الصناعية أو السياحية أو غيرها، فمن الضروري أن يتضمن “اللقاح الاقتصادي” بالإضافة إلى ما سبق مجموعة من الإعفاءات الضريبية لعدد كاف من السنوات، لأن العائد من الاستثمارات على المدى البعيدأهم وأنفع للدولة وللمجتمع من عائدات الرسوم والضرائب ، وأن نترك للمستثمر حرية اختيار المجال الذي يعمل به ، وحرية إدارة مشاريعه وأعماله وحرية التوظيف دون تحفظات أو قيود، أو فرض شروط من أي نوع، طالما لا يوجد تعارض مع سلامة البيئة أو السلامة المهنية أو قيم المجتمع وتقاليده ، ولا مع الأغراض الأساسية للنشاط المسموح به ، وتطبيق شعار «الاستثمار بمجرد الإخطار» خاصة في المناطق الحرة القائمة أو المناطق الصناعية الجديدة ، لأن وباء كورونا جعل من الضروري أن نتصرف بسرعة تسابق الزمن لاجتياز هذه المحنة ، وفق مبادئ النجاح التي تحتم علينا أن “نفعل ما يجب وقت مايجب” لأن المحنة إذا استمرت أكثر من ذلك فإنها ستقضي على الأخضر واليابس ،وأن يتضمن “اللقاح الاقتصادي” أيضا جاهزية الدول وقدرتها على عرض أولوياتها للمشاريع المطلوب الاستثمار فيها عاجلا ،والتي تمثل قيمة مضافة حقيقة للتنمية الشاملة، متضمنة دراسات الجدوى الخاصة بكل مشروع والمدة الزمنية القصوى لاتمامه ،على أن يكون الشرط الوحيد والملزم للمستثمر هو سرعة بدء المشروع “بمجرد الإخطار”،وبدون تأخير أو تلكؤ، واستخدام أحدث التكنولوجيا والتقنيات المتطورة والعمل على توطينها ،وتشجيع المؤسسات الصغيرة على المشاركة في الصناعات التحويلية ، ومن ثم يكون المستثمر مسؤولا عن تقدم ونجاح استثماراته، ويكون دور الحكومات هوإعداد البنية الاساسية وتقديم العون والتسهيلات والمحفزات والاستجابة المرنة لتبسيط وتعديل القوانين واللوائح المتعلقة بآليات النظام الضريبي والجمركي ومعدلات الفائدة ، وتنظيم سوق العمل بما يتوافق مع القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان ،وجاهزية سوق الصرف وتعاملات البنوك وتوافقها مع التقنيات الحديثة وقدرتها على التمويل، وتيسير إجراءاته وضماناته، وكذلك شفافية وسائل الإعلام وقوتها وموضوعية وصدق التناول للأحداث والأنشطة الاقتصادية بشكل خاص، باعتبارها من المؤشرات الحقيقية لقوة الاقتصاد، إلى جانب الرقابة على الجودة والمواصفات والمقاييس العالمية، والتصدي لعمليات الغش التجاري والفساد الإداري الصفة غير المتنحية في سلوكياتنا.