بقلم : محمد محمود عثمان
المشاكل الاقتصادية تتفاقم مع تحورات سُلالات كورونا المتكررة ، وعجز بعض اللقاحات عن مواجهتها ،ومع تخفيض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2021 لمعظم الاقتصادات العربية - بدرجات متفاوتة - وتذبذب أسعار النفط ،ومع تراجع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي،نحتاج بالضرورة إلى فكر متحرر ومتحور جديد، من خلال منظومة متكاملة من الإجراءات للوصول إلى التعافي الاقتصادي، ومبادرات جادة للتنويع الاقتصادي لموارد الدخل، والبحث عن موارد جديدة لدعم الموازنة العامة للدولة ، من خلال ما هو متاح بعيدا عن أساليب الجباية التي تقننها بعض السياسات النقدية من خلال فرض الضرائب أوزيادتها أو زيادة رسوم الخدمات ، مما يزيد الوضع سوءا إذا تم ذلك تحت مظلة الركود والانكماش الذي يخيم على كل الاقتصادات ،مع تراكم الديون وتعثر سداد القروض ،ما يُحمل القطاع الخاص والشركات والأفراد أعباء إضافية غير عادية ، لا يمكن استيعابها أو تحملها ، وتعوق سرعة العودة للتعافي والخروج من عنق الزجاجة ،وتعد هذه الآثار من المؤشرات التي ترسم الصورة الذهنية والانطباعية السلبية عن المناخ الاقتصادي والاستثماري ، لأن المحفزات الاقتصادية ضدها الاغلاقات حيث لا تستقيم الأمور ،إذا حاولنا الدفع للآمام من جهة وهناك دفع مضاد من الجهة الأخرى للخلف وبقوة ،ومن ثم لا يمكن أن تسير الأعمال بكامل طاقتها في ظل الاجراءات الاحترازية والوقائية المقيدة للأنشطة ، مع فرض القيود غير المسبوقة لمنع لسفر وإغلاق الحدود ، لأن هناك تكاليف باهظة آنية ومستقبلية على المجتمع والقطاع الخاص والأفراد يصاحبها حالة من الاحتقان المجتمعي، ومن ثم يتطلب الأمر من الحكومات وجود خطة قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى وتقضي الأولى: بالسياسات العاجلة لمعالجة السلبيات التي ألقت بظلالها على المشروعات الاقتصادية التي تدعمها الحكومات وكذلك أنشطة القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة التي توقفت أوتعثرت منذ بداية أزمة كورونا ،مع تقليص الوظائف وتسريح أعداد كبيرة من العاملين وتخفيض الأجور وتقليص ساعات العمل وانعكاسات ذلك على قطاعات مثل البورصات وأسواق المال والسياحة وسوق العقارات والإيجارات التجارية والمنزلية والقدرة التسويقية ،ومن ثم على دورة رأس المال وهذه الخطة تعتمد على تخصيص محفزات لعودة الانتعاش وانتشال الاقتصاد من عثرته وضخ السيولة للتعويضات والتمويلات الكافية ، وتأجيل كافة الالتزمات المالية والضرائب والقروض أوزيادة الرسوم بأنواعها إلى حين ،لأن ذلك يؤدي الى زيادة الأرباح وبالتالي زيادة الاستثمارات ، حتى تعود الحياة للأنشطة الاقتصادية من جديد ،وإعطاء الثقة والدافعية لأفراد المجتمع لمشاركتهم الفاعلة في بدء دوران عجلة الإنتاج من جديد ولو تدريجيا ،لأننا في حاجة إلى تعويم وإنقاذ السفينة وتخفيف الأعباء والأحمال عنها قبل الغرق ، ووضعها على بداية الطريق للحد من نزيف الخسائر وتحقيق نقطة التعادل بين الأرباح والخسائر مع الاحتفاظ بمظلة التدابير الاحترازية - للوقاية من الوباء - التي تسمح بالمعايشة الكاملة واستمرارالعمل بدون توقف ، في قطاعات الإنتاج التي تضخ في موارد الموازنة العامة، وتقضي الخطة الثانية طويلة المدى: بوضع استراتيجية شاملة للتعافي، والخروج من دائرة الركود والانكماش التي خلفتها الجائحة، وتبدأ بالاصلاحات التشريعية ،ومعالجة آثار الإغلاقات والإجراءات الاحترازية التي تمت لمعظم القطاعات ، لاستمرارالتعايش مع كورونا الذي لا ندري متى نهايته تحديدا ،ووضع خريطة للاستثمارات الجديدة مصحوبة بدراسات جدوى اقتصادية مع تحفيز البنوك لتقديم التمويل للمشروعات والشركات والأفراد وتخفيض الفائدة ،لأنها كسياسة نقدية تؤدي إلى زيادة الاستثمارات ،والتشجيع على الاستهلاك المحرك الأساسي في الاقتصاد، والمؤثرعلى زيادة معدلات النمو،التي يقابلها فتح مجالات وقنوات جديدة لاستيعاب المدخرات المحلية ، وجذب الأموال الهاربة والاستثمارات الأجنبية ، التي تبحث عن ملاذ آمن ، لأنّ الاستثمارات لا تنمو في ظل البيروقراطية والتعقيدات الإدارية ،أوالتركيز على السياسة الجبائية على حساب العائد الاقتصادي، لأن ارتفاع التكاليف من العوامل الطاردة للاستثمار والتي تنعكس على النمو ،لذلك من الضروري توفير التمويل من المصادر المتاحة وتقديم التسهيلات الممكنة ، التي تحقق التوازن والثقة في السوق، لأن الكارثة الأكبر أن ينهار الاقتصاد ونحن في موقف المتفرجين أو الخائفين أو المنظرين ،أو أن نصدر القرارات والقوانين التي تغفل مراعاة الظروف المادية والاقتصادية والنفسية للمجتمع خاصة في وقت الأزمات الوبائية العالمية ،التي تتطلب اتخاذ إجراءات مرنة تتعلق بتخفيض الضرائب والرسوم، ودعم الصناعات والقطاعات الواعدة التي تساهم في زيادة معدلات النمو، حتى لا نجد أنفسنا بلا استثمارات ولا أسواق مال ولا سياحة ولا إنتاج ولا خدمات ولا وظائف ولا عائدات النفط ، ولا بنوك قادرة على الوفاء بالتزماتها أو تقديم خدماتها للمستثمرين والأفراد ، ونفاجأ بتوقف الحياة بعد عجز المصانع والآلات عن العمل والدوران.