يومـان في مصـيرة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/مارس/٢٠٢١ ٠٨:٥٧ ص
يومـان في مصـيرة

بقلم : سمعان كرم

أخذنا طريق وادي العق الجديد، عبر النفقين الحديثين، وتعجبنا فرحين كم اصبح سهلاً قطع هذا الوادي مقارنة بالمسار القديم الذي كان يأكل من وقتنا وينهم من صبرنا ويتلف اعصابنا ويهدد سلامتنا.

دهشنا في سناو حين رأينا توسعات المدينة في الاتجاهات الأربع، نحو المضيبي ونحو ازكي ونحو السيوح شمالاً وجنوباً بإتجاه العيون وبرزمان.

لم نقضِ وقتاً طويلاً في محوت والحج ولا حاولنا الوصول إلى بر الحكمان العجيب بجماله، إذ كان علينا الوصول إلى شنه عند توقيت إقلاع العبارة التي حجزنا عليها. من هناك، من على رصيف شنّه تبدأ رائحة السمك التي لاتفارقك حتى العودة عند الوصول إلى رأس الحد في اليوم الثالث.

سمكٌ في البحر وسمكٌ في السيارات وسمك على مائدة الطعام وفي المينا وفي المصنع حتى وانت تستمع إلى الاخبار تتكلم الاستراتيجية العمرانية المعتمدة عن أن الرؤية المستقبلية للجزيرة مبنية على صيد السمك. الحياة هناك تتكيّف مع مواسم صيد السمك. تتكاثر الناس على الجزيرة في الموسم، وخصوصاً البنغاليون منهم وتفرغ الاماكن في الخريف فتنتفخ شوارع سناو بالذين حضروا.

امتلىء بطن العبارة بالسيارات وتوزع الركاب على متنها. منهم من بقي مع عائلته في السيارة ومنهم من صعد إلى الطابق الأول وجلس في حجرة واسعة مبردة بالمكيّف ومنهم مثلنا واقفاً خارجاً في الهواء الطلق ينعم بالمشهد الفريد. كأننا مغامرون مثل(شرو) كولومبوس نبحث عن يابسة جديدة. شابان يصليان صلاة العصر في ركنٍخالٍ. يودّعنا النورس.

عبّارات المواطنين (Landing Craft) تصطاد المتأخرين أو الذين لم يحجزوا مكاناً لهم لفرق السعر أو لأن عبّارة الشركة لا تقبل الهوش والبوش عليها.

يغمر بحر العرب مصيره من جميع الجهات هي وابنتها الجزيرة شغف، مثل الحبيب لحبيبته، يداعبها طول الأيام ما عدا في الخريف (Monsoon) فيثور ويغضب وكأنه يتذمر بالعبث بالصيد والسفن الغريبة الجارفة فيحرمهم من خيراته لمدة أشهر.

في المساء ونحن على شرفة الفندق القريبة من المياه نتناول العشاء من الشارخة والكوفر والبياح، كانت مراكب الصيد تضيىء بحر العرب بأنوارها الساطعة وكأنها مدينة سحرية اقامتها في الليل حوريات أتين من اعماق المياه. تأملنا السماء المليئة بالنجوم والمجرات وشاهدنا الدّب الأكبر واخيه الدب الأصغر وأوريون التي كانت تدلنا على اتجاه الشمال في ظلمات الليل. لا تلوث يحجب الرؤية ولا اضواء المدن تغطي الاجسام السابحة في الفضاء.

في الصباح زرنا الجزيرة من شمالها إلى جنوبها، من رأسها في رأس حِلف ووسطها في المغله وانتهائها عند كرسيّ النصراني في رأس ابو رصاص كما تحكي الرواية، والروايات كثيرة على الجزر منهاالتي تقول بأن هذا الرجل كان يجلس عليها كل يوم وهي مرتفعة على صخرة ويبعد نظره في البحر وكأنه ينتظر حبيباً لن يعود. مررنا بالشنعذي وصور مصيرة ومرصيص والضّواح واعيننا تارة على الشواطىء ومياهها الزرقاء وطوراً على جبل الحمر وجبل الخويرات. في صور مصيرة طمعنا بمناظر الشواطىء الخلابة التي تستريح عليها سفن الدهو الخشبية المتعبئة من المسافات فتنام مائلة إلى كتفها، ودخلنا منطقة سبخةٍ طرية فعلقت سياراتنا في الرمل والوحل. انضم لنا للمساعدة مواطنون وهم في طريقهم إلى حلف وصرنا نغني سوية ونحن نشدّ بالحبال «اربعة شلّو الجمل، والجمل ماشلْهٍم». الجزيرة شغف اصبحت محمية للطيور وتستحق لجمالها هذا التقدير.

المدينة اكتملت خدماتها حالياً من طرقٍ داخلية وكورنيش وميناء للصيد ومحطة تحلية وشبكة مياه الشرب ومحطة لمعالجة مياه الصرف الصحي ومرسى للعبارات ومحطة توليد الكهرباء والمدرسة والمستشفى وممرات المشاة وشبكة الاتصالات. جميع العناصر متواجدة لاستقرار أهل مصيرة في مكان واحدٍ.

لكن كيف يتم ذلك وهم يعتبرون الكون بوسعه لهم وفيه منازلهم: البحر والشعاب والسيوح، ولما يحضروا، النخيل ايضاً لهم. كيف تثبتهم بمكان واحدٍ واين؟ هل في حِلف أم الحج أم محوت أم برزمان أم سناو، هم الذين استبدلوا الجِمال بسيارات الفرويل (Four Wheel)؟

لما غادرنا الجزيرة تساءلنا عن مستقبل الجزيرة ومايلزمها. كيف تصل إليها لو نمت. هل عن طريق المطار العسكري أم عن طريق العبارات؟ وكم تكلفة انشاء جسر يربط الجزيرة بالبّر .

ولمن يقام هذا الجسر؟ للصيد أو للسياحـــــــــة؟ وما مستقبل السياحة هناك؟.

من شنه وفوق آخر شرايين رمال الوهيبة إلى الخويمة و الخويمية والأشخرة واصيلة ورأس رويس والدفة والخبة وصولاً إلى رأس الحد، تلك القرية الهادئة المليئة بالتاريخ والآثار، فندقٌ رائع يديره صاحبه العماني هو وابنه. ليسا من البنغال. سهرة جميلة أخرى وسمكٌ وافر ولذيذ.

في الصباح عدنا إلى مسقط عبر الطريق الذي يمرّ فوق الجسر المعلّق (Suspended Bridge) في العيجة مروراً بصور وقلهات ووادي طيوي ووادي الشاب وفنس وبما وضباب وقريات.

يومان تمتعنا بهما في جنوب الشرقية. لكن لم نتفق على مصير مصيرة الاقتصادي: سمك فقط أم تنويع اقتصادي كالسياحة؟ قد يكون الجواب في الرؤية 2040.