القتل بلا رصاص..

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٤٠ ص
القتل بلا رصاص..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

من التجارب التي تستحق التأمل تلك المتعلقة بقتل عدد ضخم من السجناء الأمريكان في السجون الكورية بشكل غامض بُعيد الحرب الأمريكية- الكورية.. فلأسباب عدة؛ لم تحكم السلطات الكورية على هؤلاء الأسرى بالموت ولم تدمرهم بالتعذيب وسوء المعاملة بل على النقيض: وقررت وضعهم في سجن يوافق المعايير الدولية ويراعي حقوق السجناء ورغم ذلك /‏ ومع ذلك إلا أن عدد الوفيات كان عالياً ومات ألف سجين انتحاراً «رغم أن ظروف سجنهم – نكرر - كانت أفضل مما هو متوقع»، كما أن أغلبهم مات ميته طبيعية «كثير منهم كانوا يموتون أثناء نومهم».. وهو ما حذا بالاستشاري النفسي في الجيش الأمريكي وليام ماير لفتح ملف ودراسة هذه القضية التي اعتبرت من أصعب وأعقد القضايا على الإطلاق..

بعد سنوات من البحث والتحري خرج د.ماير بنظرية القتل الناعم.. التي تشرح إمكانية القتل بلا رصاص. فرغم أن السجناء لم يتعرضوا للتجويع أو للتعذيب لكن إدارة السجن كانت تخفي عنهم كل الأخبار السعيدة وتكتفي بإغراقهم بالأخبار السيئة والمرعبة!! كما كانوا يطلبون منهم التجسس على بعضهم البعض ويكافئون الواشي بسخاء ما شجع الزملاء على الانقلاب على بعضهم البعض. كما كانوا يطلبون من السجناء تذكير بعضهم البعض بقضايا الخيانة والطعن في الظهر ويقنعونهم بأن لا أحد من أهلهم أو أصدقائهم يبحث عنهم، وهو ما قتل في أنفسهم الرغبة في الحياة وأدى لخوار قوتهم وهزيمتهم النفسية التي كانت تفضي في النهاية للوفاة..

إن فقدان هؤلاء للكرامة وتقدير الذات والإحساس بسوء هذا العالم وغياب الوفاء والخير فيه أدى لسقوطهم في براثن الاكتئاب ناهيك عن ضياع الإحساس بالأمان ضمن المجموعة، وكل هذا بالطبع بسبب الوشاية التي كانت تؤلبها أيادي السجانين..
ما مارسته كوريا يوما على أسراها بغرض التجربة أو التسلية يمارس علينا يوميا في كل وسائل الإعلام ونمارسه على أنفسنا أيضاً.. فنحن نُقتل ببطء بسبب الإحباط واليأس من التغيير، أضف لذلك غياب النماذج المشرفة والحضور الطاغي لتلك الوضيعة أو التافهة وهو ما يُورث مرارة في نفوس الموهوبين ويُرسل رسالة مشوشة للناشئة..!!
إننا نتغير كل يوم للأسوأ، ونفقد إيماننا بأنفسنا وبحضارتنا وبقيمتنا، ليس الغرب وحده من يرى أننا أنموذج للجهل والتعصب والتشدد في العالم بل نحن نرى ذلك في أنفسنا أيضاً.. وتراكم كل تلك المشاعر المدمرة في نفوسنا لا شك يقتلنا بتروّ وهدوء، فعندما تموت النفس وتزهد في الحياة.. لا يبقى لدى الجسد ما يكافح من أجله أو يعيش له..

لاحظوا أننا قبل عقود معدودة لم نكن نسمع باعتلال إلا من عمره الله في الخلق فنكسه. أما الآن فنسمع عن غزو الأمراض لأكثر الأجساد شبابا.. فنحن ضحايا حرب فعلية وحرب نفسية ولا شك أننا ساهمنا فيها بوعي أو دون وعي.. حرب نحن ضحاياها دون أن نكون طرفا فيها وحان الوقت لنقاوم اغتيال أمتنا ومجتمعاتنا بتعزيز إيجابياتنا في الحياة.