الفقر بعيدا عن الأرقام

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:١٥ ص
الفقر بعيدا عن الأرقام

جوليا كورفالان

تُرى ما هو الفقر؟ على مدار عقود من الزمن كان تعريفنا للفقر يعتمد على رقم، والذي يحدده البنك الدولي حاليا بدخل شخصي يقل عن 1.90 دولارا يوميا. بيد أن هذا الرقم الواحد يعجز عن تصوير مدى تعقيد الفقر. ويشكل قياس عناصر أخرى غير الدخل ضرورة أساسية لفهم احتياجات الفقراء وتقديم المساعدة لهم.
عندما يعقد البنك الدولي اجتماعات الربيع في واشنطن العاصمة في الأسبوع المقبل، سوف تسنح لنا الفرصة لوضع المعايير التي تشمل الأبعاد الاجتماعية والبيئية للفقر. وقد أقر البنك بضرورة النظر في ما هو أكثر من الدخل، وأنشأ مؤخرا المفوضية المعنية بالفقر العالمي للتوصية بمقاييس إضافية.
وبرغم أن العديد من المجموعات العامة والخاصة تقوم بالفعل بجمع البيانات حول مجموعة من القضايا التي تؤثر على المجتمعات الفقيرة، مثل التغذية أو صحة الأمهات أو القدرة على الحصول على التعليم، فإن مثل هذه المعلومات تظل غير مستغلة إلى حد كبير ونادرا ما تتبادلها المؤسسات. ولكن هناك بعض منارات الأمل، بما في ذلك مؤشر التقدم الاجتماعي، والذي يوفر إطارا لتتبع الأعراض المتعددة للفقر بين البلدان ويكمل المقاييس التقليدية التي تقوم على الدخل.
عندما نعتمد على رقم واحد لقياس الفقر، فإننا بهذا نتوصل إلى تشخيص خاطئ لاحتياجات الفقراء. في بلدي باراجواي، عملت مع واحدة من أكبر المؤسسات الاجتماعية في البلاد، وهي مؤسسة باراجوايا، لتوفير التمويل الصغير والتعليم والتدريب للآلاف من مواطنينا الأكثر فقرا. وقد نظرنا في نحو خمسين قياسا عبر ستة أبعاد للفقر، بما في ذلك الدخل والإسكان والتعليم والبنية الأساسية.
والآن أصبحت إحدى عميلاتنا، السيدة مرسيدس، سيدة أعمال صغيرة ناجحة من مجتمع ريفي لا يبعد كثيراً عن العاصمة أسونسيون. عندما بدأت لأول مرة مع مؤسسة باراجوايا، كانت تتقاسم منزلا من غرفة نوم واحدة مع 16 آخرين من أفراد الأسرة وتطهو وجبات الطعام على حفرة نار صغيرة في الأرضية الترابية. والآن أصبح لديها أرضية أسمنتية، وبيت مبني بالقرميد، ومطبخ منفصل، ونحو 500 دولار أميركي من المدخرات.
باستخدام التقييم الذاتي للفقر على طريقة مؤسسة باراجوايا، تمكنت من فهم احتياجاتها الخاصة بشكل أفضل ومعالجتها الواحدة تلو الأخرى. وفي حين تركز الأساليب التقليدية إلى حد كبير على تقدير مصادر الإنفاق والدخل لكل أسرة، ساعَد التقييم الذاتي السيدة مرسيدس على تفكيك احتياجاتها إلى خمسين منطقة منفصلة يمكنها العمل عليها، الواحدة بعد الأخرى، ومراقبة التقدم بمرور الوقت.
على سبيل المثال، قيمت السيدة مرسيدس ذاتيا حمَّامها ومطبخها، وجودة الطعام الذي يتناوله المقيمون في المنزل، وصحة أسنان أفراد الأسرة، وعدد غرف النوم المنفصلة في البيت، بل وحتى ثقتها بنفسها وقدرتها على اتخاذ القرار. وتساعدها خريطة بسيطة للفقر في تتبع التقدم الذي تحرزه باستخدام ألوان الإشارات الضوئية، الأحمر والأصفر والأخضر، والتركيز على مناطق الأولوية. ثم تخطط بعد ذلك لإضافة غرفتي نوم إلى منزلها والعمل على توسيع أعمالها التجارية.
كانت مؤسسة باراجوايا قادرة على استنساخ ذلك النوع من النجاح الذي تحقق في أجزاء أخرى من العالم. ففي تنزانيا، حيث عملت لمدة ثلاث سنوات في مجتمعات ريفية، ساعدنا القرى في المرتفعات الجنوبية على تكييف مؤشرات الفقر التي ابتكرناها مع السياق المحلي من أجل معالجة الاحتياجات من المياه والصرف الصحي والكهرباء. الآن تبذل جهود مماثلة في جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وأوغندا، والصين، وبلدان أخرى.
وبوسعنا أن نحقق المزيد من التقدم بدعم القطاع العام لنا. تقوم مؤسسة باراجوايا بجمع بيانات وافية عبر أبعاد متعددة، فنتتبع أداء أكثر من 8700 أسرة كل عام في باراجواي وحدها. وإذا كان لهذه المعلومات أن تصل إلى حكومة باراجواي ــ التي تطبق نماذج خاصة بها لجمع البيانات ــ فقد نتمكن من تحديد جيوب الفقر بسرعة أكبر وتخصيص البرامج لمساعدة كل أسرة. ولأن الإبلاغ عن المعلومات يتم بطريقة ذاتية، فإن هذا النوع من التعاون قادر على تسليم المساعدات المستهدفة وتسليط الضوء على الخدمات العامة المطلوبة على وجه التحديد.
وعلاوة على ذلك، إذا تبنت مفوضية البنك الدولي المعنية بالفقر العالمي مقاييس متعددة الأبعاد للفقر، فسوف تحفز منظمات أخرى لإنتاج وتقاسم المزيد من البيانات المفصلة عن الفقر. وهذا من شأنه أن يعطي العاملين في مجال المساعدات والإغاثة خريطة أكثر شمولاً للفقر في العالم، وبالتالي يساعد في تعزيز فعالية جهود مكافحة الفقر في كل مكان.
لن يكون من السهل اختيار أي المقاييس ينبغي ضمها، أو حتى اختيار كيفية تحديد مقاييس عالمية؛ ولكن مجرد تبني مقاييس أساسية قليلة من شأنه أن يستحث التقدم. لقد ظلت المقاييس أحادية البعد، مثل الخط التوجيهي الفاصل (1.90 دولارا)، تدفعنا لفترة طويلة للغاية إلى تشخيصات خاطئة لمشاكل الفقراء ــ والأمر الأكثر أهمية، الأسباب وراء هذه المشاكل. ونحن نعلم أن مؤشر الدولار وتسعة أعشار الدولار يوميا لا يصور بشكل كامل نضال الفقراء وعذاباتهم في أماكن مثل باراجواي.
ومن حسن الحظ، يبدو أن البنك الدولي يدرك الآن حدود مؤشره القائم على الدخل. ويتطلب ضمان وصول النوع المناسب من المساعدات إلى من هم في أشد الحاجة إليها في الوقت المناسب وبطريقة فعّالة التزام صناع السياسات في مجال التنمية بتبني ذلك النوع من بيانات الفقر المتعددة الأبعاد التي تعلمت منظمات مثل مؤسسة باراجويا كيف تجمعها.
جوليا كورفالان زميلة أصوات أسبن الجديدة، ومستشارة الاستراتيجيات لمؤسسة باراجويا، وهي مؤسسة اجتماعية تتخذ من باراجواي مقرا لها. وهي تتمتع بخبرة في استنساخ ومواءمة برامج استئصال الفقر بين أميركا اللاتينية ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.