الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.. شعار متى يتحقق؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/فبراير/٢٠٢١ ٠٨:٢٤ ص
الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.. شعار متى يتحقق؟

بقلم : محمد مجمود عثمان

الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمثل إشكالية حديثة بعد أن تقلص دور الحكومات في حل مشاكل الباحثين عن العمل وفي إيجاد فرص العمل الجديدة الحقيقية التي تمثل إضافة للتنمية الاقتصادية ، وفي توفير التمويل لتنفيذ المشروعات الاستثمارية ، في إطار خطط التنمية المستدامة ، التي تحفز النمو الاقتصادي ، خاصة مع وجود العجز الدائم والمستمر في بعض الموازنات الذي تعاني منه معظم الدول في السنوات الأخيرة ، على الرغم من تزايد دور الدولة - في العقود الماضية -وتدخلها في كل الأنشطة والخدمات على اختلاف الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية وهذا يضع الحكومات والقطاع الخاص أمام معادلة صعبة تجمع بين الرغبة الحكومية في الاستحواذ والسيطرة والتدخل لرسم السياسات الاقتصادية التي تحقق - من وجهة نظرها - التوازن الاقتصادي، و بين مشاركة قيادات القطاع الخاص وممثليه في الغرف التجارية والصناعية في وضع السياسات الاقتصادية الآنية والمستقبلية ، أوبين إعطاء الحرية الكاملة للقطاع الخاص في التخطيط لأنشطته وإدارتها. وهنا تبدو الاشكالية أكثر وضوحا ، عندما تجد الحكومات نفسها في صراع بين التخلي الصريح عن التدخل في شؤون القطاع الخاص ، وكف يدها تماما عن وضع القوانين والتشريعات التي تخصه، وبين عدم اليقين بقدرة القطاع الخاص على تحمل المسؤولية في التخطيط والإدارة السليمة ، باعتبار أن القطاع الخاص هو عصب التنمية وقاطرة الاقتصاد نحو التقدم ، خاصة في الدول النامية والمجتمعات التي تسعى لتطوير وتنويع مصادر الدخل ، في الاقتصاديات التي عاشت ردحا طويلا من الزمن هامشية اعتمادا على الاقتصاد الريعي وعائدات مبيعات النفط والغاز التي تتأثر ارتفاعا وانخفاضا من حين إلى آخر تبعا للبورصة العالمية والمتغيرات الدولية غير المتوقعة،ومن هنا فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن تتجه إلى تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات ، إلى وضع السياسات والاستراتيجيات التي ترتقي بالعمل والأداء ، وتبني مبادرات القطاع الخاص الجادة ، القائمة على الأسس العلمية والاقتصادية ، والاستفادة من رأس مال القطاع الخاص وإمكانياته وقدراته التمويلية المتاحة ،إلى جانب المشاركة في إنشاء وتمويل وتشغيل المشروعات التنموية والخدمية التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها بمفرده ، وإتاحة الفرصة أمام كفاءات القطاع الخاص الإدارية والتقنية لتؤدي دورها في الإنتاج والحياة الاقتصادية ،في إطار المتابعة والرقابة الحكومية ، التي تضمن حسن الأداء ، وتأهيل القطاع الخاص لتحمل المخاطر والقيام بدورمحوري وأساسي فى زيادة الدخل وتنمية الموارد المالية للبلاد، حتى لا يظل مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص مجرد شعار يطرح فقط في وقت الأزمات ،حتى أننا نسأل دائما عن متى يتحقق هذا الشعار على أرض الواقع ؟ لتقليص الفجوة بين القرارات الحكومية التي قد تبتعد عن واقع القطاع الخاص ، وللحد من الإنفاق الحكومي، من خلال إسناد المشروعات التي تحتاج إلى رؤوس أموال واستثمارات ضخمة إلى القطاع الخاص، الذي يتميز بالكفاءة الإدارية والقدرة على التجاوب مع متطلبات السوق، وسرعة التكيف مع المؤشرات الاقتصادية العالمية ، وإدارة المشاريع على أسس اقتصادية،وعلى القطاع الخاص في الوقت ذاته تحمل مسؤولياته من خلال إنشاء مركز متخصص للبحوث ودراسة اقتصاديات القطاع الخاص لتقديم وطرح الدراسات المتعلقة باحتياجاته في القطاعات المختلفة ،مع دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات والاستسثمارات التي تتطلبها الخطط التنموية القومية ، وإنشاء مركز آخر للدراسات الإعلامية والعلاقات العامة لتحقيق الشراكة الفعلية والشاملة ولإيجاد جسور للتواصل الإعلامي على كل المستويات للتواجد المجتمعي للتعريف بمناشط وفاعليات القطاع الخاص ، وللتعبير الصحيح عن خططه ومناشطه والترويج لها محليا وعالميا في ظل الفضاءات المفتوحة ، ليصنع لنفسه فرص الاحتكاك الخارجي، والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة حتى لا يظل القطاع الخاص هامشيا أومستسلما أويعيش تحت عباءة الحكومات أو يظل عبئا عليها.

كما أن النجاح في ذلك لا يقتصرعلى الجهات الحكومية وحدها، بل يمتد إلى مستوى الأفراد والشخصيات العامة البارزة في القطاع الخاص ، التي تعزف لأسباب غير منطقية عن المشاركة في المناشط والفاعليات النظامية لممثليه في غرف التجارة والصناعة ، وكذلك البخل في التعاون بإمكانياتهم الخاصة وخبراتهم الميدانية التي يجب أن تستثمرلتعميق مفهوم الشراكة واستمراريته ، لأن هؤلاء شركاء أساسيون في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وفي مواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها اقتصاديات العالم التي تأثرت كثيرا من جائحة كورونا الممتدة إلى أجل غير معلوم .