أصدرت وزارة التراث والثقافة 5 مجلدات تمثل حصيلة المسوحات وأعمال التنقيب التي يتم إنجازها في مختلف محافظات السلطنة وسلسلة من الدراسات الجديدة للباحثين المتخصصين في مجال الآثار والتاريخ القديم وذلك لتقديم وابراز انجازات الوزارة ولتعزيز الوعي والمعرفة العلمية. وقال سلطان بن سيف البكري المدير العام المساعد للاثار والمتاحف في تصريح له الذي قال: إن تدشين هذه السلسلة يأتي في الوقت الذي تقوم فيه الوزارة بالتعاون مع عدد من الخبراء من مختلف قطاعات الآثار والتراث الثقافي لإعداد سلسلة أخرى من الإصدارات باسم "التراث الأثري في سلطنة عمان" التي ستكون متاحة لاقتنائها في السلطنة وخارجها للمتخصصين والباحثين. وأوضح البكري أن سلسلة "نوافذ على ماضينا" في مرحلتها الأولى تضم ستة مجلدات وتحوي 50 تقريرًا علميًا للبعثات الأثرية التي عملت في العديد من المواقع الأثرية في محافظات السلطنة خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2014م وتنقسم هذه المجلدات الستة الأولى وفقاً للفترة الزمنية وموضوع البحث والأسلوب المنهجي. وأشار إلى أن المجلد الأول من هذه السلسلة يحتوي على أحدث الأبحاث حول الاستيطان البشري المبكر في السلطنة يقدم فيه أدلة النشاط البشري المبكر في عُمان العائد إلى العصر الحجري القديم قبل نحو مليون سنة لافتا إلى أن تقارير البعثة الفرنسية تطرقت إلى الصيادين الأوائل على شواطئ بحر العرب خلال فترة العصر الحجري الحديث الممتدة من 10000 حتى 5000 سنة إلى جانب نتائج التنقيبات الاثرية في مستوطنة رأس الحمراء بالقرم بمحافظة مسقط التي نفذتها وزارة التراث والثقافة مع البعثة الإيطالية برئاسة الدكتور لابو جياني ماركو بهدف الإعداد لتأهيل هذا الموقع وبناء مركز للزوار حول شواهد الاستيطان والمقابر الأثرية المميزة والعائدة إلى العصر الحجري الحديث. وقال سلطان بن سيف البكري المدير العام المساعد للاثار والمتاحف أن تقرير البعثة الإيطالية من جامعة بولونيا يركز على المستوطنات البشرية في رأس الحد ورأس الجنز بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية وهي مستوطنات تعود إلى العصر البرونزي وارتبط اقتصادها بالصيد والتجارة مع حضارة الأندس بالهند وبلاد الرافدين. وذكر البكري في تصريحه أن المجلد الثاني يتناول حضارة مجان التي ازدهرت خلال العصر البرونزي قبل حوالي 5000 إلى 3500 سنة، من خلال عشرة تقارير في هذا المجلد الضخم الذي تزيد صفحاته على 500 صفحة تصف الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل الوزارة لاستيعاب هذه المرحلة الحاسمة في تشكيل الهوية الثقافية العمانية، وظهور اقتصاد الواحات في هذه الفترة بفضل إدخال أشجار النخيل واستخدام نظام الأفلاج، ونمو التبادل التجاري مع بلاد ما بين النهرين والهند وهو ما يستعرضه الدكتور ماوريتسيو كاتاني من جامعة بولونيا عبر مراحل نشأة حضارة مجان عن طريق توثيق نتائج التنقيبات الأثرية في مستوطنة العصر البرونزي المبكر الواقعة في رأس الحد بمحافظة الشرقية والمسماة (HD-6).
وأوضح البكري أن هذا المجلد يحتوي على عدد من الدراسات الأثرية لمواقع بات والعين والخطم المدرجة على قائمة التراث العالمي، حيث قامت البعثة الأمريكية برئاسة الدكتور كريستوفر ثورنتون من جامعة بنسلفانيا باتبّاع نهج متعدد التخصصات للتنقيب في الأبراج الحجرية التي تعود إلى العصر البرونزي، في حين أن البعثة الألمانية بقيادة الدكتور كونراد شميدت من جامعة توبنغن ركّزت على التنقيب في المدافن الحجرية المميزة، والتي تم توثيقها باستخدام التقنيات الرقمية الأكثر تقدمًا. وقال سلطان بن سيف البكري المدير العام المساعد للآثار والمتاحف إن الفريق الياباني برئاسة الدكتور ياسوهيسا كوندو من معهد البحوث الإنسانية والطبيعية باليابان يستعرض النظام الرقمي المتقدم لإدارة البيانات والمعلومات حول موقع التراث العالمي، بينما التقريران الأخيران يوضحان أنشطة البعثة الفرنسية العاملة في أدم برئاسة الدكتور غيوم جيرنز من جامعة باريس "السوربون" من خلال استكشاف المراحل النهائية من العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي المبكر في وسط عمان. وأضاف البكري أن المجلد الثالث يركز على العصر الحديدي المبكر والمتأخر، ففي هذه الفترة برز التنظيم الاجتماعي القائم على أسس التحالفات القبلية بشكل قوي ومتطور وهو تنظيم بدأت إرهاصاته في فترة حضارة مجان. ومن أبرز المواقع التي يبرز فيها هذا التحالف القبلي هما موقعا الصفا بولاية عبري وسيح الدير بولاية دبا وهما موقعان مهمان تم الكشف عنهما بالصدفة حيث يقع الموقع الأول بمنطقة الصفا وهو موقع تعديني متعلق بصهر وإنتاج الادوات النحاسية وجد بالصدفة تحت الكثبان الرملية الشرقية من الربع الخالي، وكشفت التنقيبات فيه عن العشرات من الأدوات البرونزية الثمينة من مختلف مراحل التصنيع ومئات من الأفران لإنتاجها. أما الموقع الثاني المهم فهو عبارة عن قبر جماعي اكتشف في دبا بمحافظة مسندم، ويحوي رفات ما لا يقل عن 200 شخص من الجنسين ومن مختلف الأعمار دفنوا جميعاً جنباً إلى جنب مع مئات من الأدوات المعدنية والأسلحة والحلي الذهبية والفضية والأحجار الكريمة والأصداف، وهذا القبر بالإضافة إلى القبر الآخر بالقرب منه والذي ما زال تحت التنقيب يمثلان أغنى موقع أثري تم التنقيب فيه بالسلطنة ويرمز إلى طقوس التحالفات بين الأسر والقبائل المختلفة والتي جمعت ثرواتها من خلال السيطرة على التجارة بعيدة المدى. كما يضم المجلد بحثي الموسمين الأولين من مشروع حديث لبعثة المتحف البريطاني برئاسة الدكتور جوناثان توب لاستكشاف مواقع العصر الحديدي المبكر داخل وحول قلعة رأس الحدو هذا الحصن المبني فوق تل أثري يضم مستوطنة ومقابر أثرية. وأشار البكري إلى أن المجلد الرابع من السلسلة عبارة عن دراسة وتوثيق للرسومات الصخرية في وسط السلطنة نفذها الدكتور انجيلو فوساتي من جامعة ميلانو بداية للنقوش في وادي السحتن بولاية الرستاق والتي كانت مهددة بالإزالة بإنشاء طريق جديد تم الكشف خلاله عن لوحات بانورامية من الرسومات والنقوش المنحوتة على الواجهات الحجرية الجبلية بهذا الوادي وعلى الصخور الموجودة في بطنه بالاضافة الى توثيق الرسومات وأودية أخرى بجبال الحجر. وأوضح البكري أن هذه الرسومات المحفورة تمثل جوانب مختلفة من التاريخ العماني من عصور ما قبل التاريخ إلى الفترة الحالية، وتقدم صورة حية لحياة الإنسان القديم الذي استوطن المنطقة وهو سجل غني يخدم الدراسات الأثرية التي تمت بصلة بالمستوطنات الأثرية من حيث توثيق بالمشاهد لحياة المجتمعات في تلك المجتمعات، كما يتضمن المجلد مسوحات للدكتور محمد مرقطين من جامعة هايدلبرغ عن نقوش باللغة العربية الجنوبية محفورة على واجهات الصخور في وادي السحتن.
وقال البكري إن توثيق ودراسة الرسومات الصخرية يعد مجالا بحثيا جديدا بدأت به وزارة التراث والثقافة مؤخرًا وسيجري توسيعه في المستقبل ليشمل أيضاً محافظة ظفار ومحافظة مسندم. وأضاف البكري أن المجلد الخامس يشمل 13 تقريرًا عن المشاريع التي تكشفت عن عمان القديمة على نطاق واسع وفقاً لما يسمى "بعلم الآثار الطبيعية"، الذي يصف التطورات البيئية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمناطق بأكملها، ويبدأ هذا المجلد الذي يتكون من 530 صفحة بمشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الاستيطان خلال العصر الحجري القديم في جبال الحجر لفهم الهجرات البشرية عبر شبه الجزيرة العربية، كما تقدم الدكتورة جوي ماكوريستون من جامعة أوهايو الأمريكية والتي تدرس "الديناميكية الاجتماعية للإنسان العربي" وهي دراسة تتحدث عن الحراك الاقتصادي والبيئي الذي سمح بتطور الرعي في محافظة ظفار خلال 8000 سنةِ الماضية. وأوضح أن هذا المجلد يضم دراسة علمية أخرى عن "التاريخ الاجتماعي والمكاني" من خلال دراسة العظام والمواد العضوية التي عثر عليها في مقابر أثرية بولاية ضنك وهي دراسة قامت بها بعثة جامعة تامبل الأمريكية بهدف البحث في العلاقات المعقدة بين الكثافة السكانية والتضاريس الطبيعية في العصرين البرونزي والحديدي كما يركز بحث آخر للدكتور مايكل هارور من جامعة جونز هوبكنز على إعادة بناء تاريخ إدارة المياه قديما في ولايتي ضنك وينقل وهي دراسة تجمع ما بين الأنشطة الميدانية وتحليل صور الأقمار الصناعية متعددة الأطياف. بينما يقدم تقرير البعثة الفرنسية الإيطالية للبروفيسور رولاند بيزينفيل من المتحف الوطني الفرنسي للآثار الآسيوية نتائج للمسوحات الاثرية التي اجريت في المنطقة الساحلية من صور إلى قريات وهي دراسة ركزت على إعادة هيكلة شاملة للكثافة السكانية في هذه المنطقة المهمة خلال عصور ما قبل التاريخ وفقاً للتغيرات في البيئة والتضاريس الطبيعية. وقال سلطان بن سيف البكري المدير العام المساعد للاثار والمتاحف إن الدكتور ناصر الجهوري من جامعة السلطان قابوس والدكتور تيم باور من جامعة زايد يقدمان نتائج الموسم الأول لمشروع دراسة المستوطنات الأثرية في واحة البريمي بهدف فهم أصل وتطور المجتمعات في واحة البريمي منذ أقدم العصور حتى العصر الإسلامي. كما يضم المجلد تقريرين لمشروعي توثيق المواقع الاثرية في محافظتي الباطنة شمال وجنوب.التقرير الاول ركز على وادي الجزي بولاية صحار ونفذ بالتعاون جامعة ليدن الهولندية بهدف توثيق منهجي لكل المعالم الأثرية الواضحة من العصر الحجري القديم إلى العصر الإسلامي بمساحة إجمالية قدرها 2400 كيلومتر مربع. أما التقرير الثاني فيركز على ولاية الرستاق ونفذ بالتعاون مع جامعة درم من بريطانيا وجامعة السلطان قابوس وهو مشروع برئاسة الدكتور ديريك كينيت والدكتور ناصر الجهوري الهدف منه توثيق المواقع الأثرية التي تعود إلى فترات مختلفة. ويقدم تقرير آخر نفذ بالتعاون بين جامعة السلطان قابوس جامعة ساوث هامبتون برئاسة الدكتور ناصر الجهوري والدكتورة لوسي بلو بهدف توثيق المشهد الثقافي البحري لجزيرة مصيرة باستخدام أساليب أثرية وإثنوغرافية. ويعرض التقرير الأخير في هذا المجلد البحوث المختلفة التي نفذت بالتعاون مع جامعة ويسكونسن الامريكية وجامعة بولونيا بهدف رسم صورة الصلات التجارية و الثقافية بين حضارة مجان وحضارة السند، وحدد الدكتور كنوير والدكتور فرينز وجود مجموعات صغيرة من التجار والحرفيين من بلاد السند استقرت في المناطق الساحلية والداخلية بغرض التجارة مع المجتمعات المحلية الغنية بالفعل منذ 5000 سنة مضت. ويقدم المجلد السادس من هذه السلسلة نتائج عملية طموحة قامت بها وزارة التراث والثقافة بالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات لحماية وإنقاذ المعالم الأثرية خلال تنفيذ مشروع طريق سناو - محوت - الدقم وطريق الباطنة السريع حيث تم فرض حماية الكثير من الشواهد الاثرية العائدة الى فترات مختلفة أهمها تلك العائدة الى نهاية العصر الحديد المتأخر ومن أبرز ما تم الكشف عنه قبر سمي "بمحارب الصحراء" الذي عثر عليه في سناو والذي دفن مع جماله التي استخدمها وأوان وخناجر نحاسية وسيوف مصنوعة من الحديد ومزودة بمقابض من الفضة ومطعمة بالعاج. /العمانية/ ع خ