الجزائر - العمانية
يُعدُّ قصرُ مباركة بنت الخص من أشهر معالم بلدية بريزينة بولاية البيض، جنوب غرب الجزائر.
يقعُ هذا المعلم التاريخي، المتمثّل في الحصن المعروف محليّاً باسم "قصر بنت الخص"، في مكان يُدعى عين العمارة، ويبعد حوالي 5 كم، غرب بلدية بريزينة، إذ تؤكد المراجع أنّ تاريخ بنائه يرجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وتعود تسميته إلى صاحبته مباركة بنت الخص، وهي أميرة هلالية من قبيلة بني عامر التي قدِمت إلى الجزائر من شبه الجزيرة العربية، ويرجع نسبُها إلى عامر بن هلال بن صعصعة بن بكر بن هوزان.
وقد شُيّد هذا القصر في مكان استراتيجيّ يجمع بين البداوة وحياة الاستقرار، كما أنّ الحصن يقع بالقرب من عين العمارة حيث يتوفر الماء الذي يعد شرطاً أساسيّاً للاستقرار. وهو يطلُّ على وادي سقر، ويوجد فيه مخازن للسلاح والمؤن ودار مقر للإدارة، ومداخل تؤدّي إلى البساتين، ومقصورات عدة، وقلعة. وتجمع مواد بنائه بين الطوب والتبن ومادة الجريد للتسقيف.
ويتخذ القصر شكلاً غير منتظم، ويحيط به سورٌ يمتدُّ من الجهة اليمنى إلى غاية المدخل الرئيس بطول 32 مترا وسمك يصل إلى نصف المتر، وارتفاع يصل إلى متر واحد حتى البرج، وهو الركن الذي يُعد نقطة البداية لخطَّي زاوية منفرجة إلى أقصى الشمال، ثم ينكسر فيستدير حتى البرج وصولاً إلى آخر الركنين، أقصى الجنوب.
ويتميّز القصر بنوعين من المداخل؛ مدخلٌ رئيسيٌّ؛ يؤدّي مباشرة إلى الرحبة، ومدخل ثانويّ يمكن تمييزه بحسب وظيفته، وهو أصغر من المدخل الرئيس. كما يحتوي القصر على أبراج يبلغ ارتفاعُها 4-5 أمتار، وهي مزوّدة بفتحات تُمكّنُ المراقبين والمدافعين عن الحصن من توجيه سهامهم إلى العدو في اتجاهات مختلفة.
ويضمُّ القصر أيضا الرحبة؛ وهي مساحة تتّخذُ شكلا مستديراً، وتُمثّل النواة التي ينطلق منها تنظيم كلّ المرافق الأخرى للقصر، حيث تشكّل فراغات مكشوفة لا تخضع إلى عملية التسقيف، وهي صالحة للاجتماعات، وتُعد جزءا من داخل القصر. أمّا دار الحكم، فتتوسّط الساحة المركزية، بحيث تعدُّ نواة القصر، وقد صُمّمت للتشاور والتفاوض، وتضم أربع غرف تمتاز بالبساطة. أمّا الغرف الأربع، فهي مخصّصةٌ لتخزين الأسلحة.
وعن قصّة صاحبة القصر، يقول عماري عبد الكريم، محافظ التراث الثقافي بولاية البيض، لوكالة الأنباء العمانية، أنّ مباركة بنت الخص، من أشهر النساء العربيّات اللواتي عرفتهنّ منطقة البيض، وقد ولّاها قومُها أمرهم لما رأوا منها من قدرات قيادية فذة، ولما تميّزت به من الحكمة والخبرة بالحياة، والذكاء الفائق.
وتؤكّد مجمل الروايات، في موضوع بنت الخص، وجود شخصيتين تحملان الاسم نفسه، وبينهما فرقٌ زمنيٌّ شاسع، وهما بنت الخص الإيادية، التي نصادف آثارها في المشرق، وبنت الخص الهلالية التي نصادف آثارها بالجنوب الغربي الجزائري، ومنطقة بسكرة.
وبخصوص وجود هذه الشخصية في شمال إفريقيا، فإنّ الرواية الشعبية لم تحتفظ إلا باسم (بنت الخص)، واسمُها، مباركة؛ وهي أميرة هلالية من بني عامر، كان أبوها أميراً، وعند بلوغه الكبر سلّم مقاليد إمارته لها، وبالرغم من طبيعة القبائل العربية البدوية التي تقوم على سيادة الرجل، فإنّ حالة الاستثناء هذه توحي بما كانت الأميرة تحظى به من احترام واهتمام من طرف أفراد قبيلتها.
وتروي الحكايات الشعبية أنّ مباركة بنت الخص، عاشت ما بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر للميلاد، نظرا لأنّ بنت الخص حوصر حصنها الشهير الموجود بمنطقة بريزينة، من قِبل حاكم منطقة أربوات السلطان لكحل (أبو الحسن المريني، 1331-1351م).
وفي ظلّ حدّة الصراع والتزاحم بين القبائل على الأرض ومنابع المياه، تمتدُّ حدود إمارة بنت الخص من منطقة أربوات، شمالا، إلى مدينة المنيعة، جنوبا، وشرقا إلى منطقة العمور، وغربا إلى حدود الواد الغربي مع حدود إقليم توات، حيث يمكن الجزم أنّ إمارة بنت الخص لم تكن ذات نمط عمراني، بل اتخذت طابعاً اجتماعياً بدوياً، ومن آثارها الحصون التي تحظى باستراتيجية دفاعية، أهمُّها قصر بنت الخص في منطقة عين العمارة، وهو مجمعٌ سكنيٌّ يُحيط به خندق للدفاع، وبه واحة من النخيل ومنبع ماء ومقبرة قديمة، إضافة إلى بقايا آثار حصن بمنطقة القور لا يمكن الوصول إليه إلا من ممرّ واحد، وقصر شامخ فوق تلة بمدينة المنيعة، وبعض الآثار بمنطقة جبل بونقطة، وآثار ساقية تنتسب لبنت الخص.