دروس من ليبيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:١٥ ص
دروس  من ليبيا

جاريث ايفانز

إن هناك دروس مهمة يمكن تعلمها من الأخطاء التي وقع فيها التدخل العسكري بقيادة الناتو في ليبيا سنة 2011 . لقد كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما محقا فيما يتعلق بذلك في مقابلته الأخيرة الصريحة بشكل يثير الاعجاب في مجلة ذا اتلاتنتك ولكن لو أردنا عدم مضاعفة معاناة العالم ، يتوجب علينا أن نتعلم الدروس الصحيحة من ذلك التدخل.
نستطيع الإتفاق على أن ليبيا الآن في حالة فوضى حيث ما يزال داعش يحتفظ بأراضي واسعه كما أن مسيرة السلام التي ترعاها الأمم المتحدة تترنح بالإضافة إلى إستمرار إرتكاب الفظائع من قبل جميع الأطراف وفي واقع الأمر فإن الأمن البشري هو بشكل عام في وضع أسوأ مقارنة بالوضع الذي كان تحت حكم معمر القذافي .
نستطيع أن نتفق أيضا مع أوباما على أنه لم يتم تخصيص الكثير من الوقت والجهد والموارد من أجل التخطيط لفترة ما بعد القضاء على القذافي كما نستطيع أن نتفق على أن فرنسا والمملكة المتحدة وغيرها من حليفات الولايات المتحدة الأمريكية لم تبذل جهودا كافية كما أن جميع هولاء المتدخلين إستهانوا بشكل كبير بتعقيدات العداوات والتحالفات الشخصية والقبلية والإقليمية المتغيره والتي جعلت الحرب الأهلية دموية جدا وبدون أي قدرة على الحسم .
لكن هل يعني هذا أنه كان من الواجب عدم التدخل عسكريا ؟ وهل هذا يعني أنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص عدم التدخل مجددا من أجل حماية المدنيين الذين يتعرضون للإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية أو في خطر أن يتعرضوا لها بإستثناء في الحالات التي تكون مصالح الأمن القومي الأمريكي الأساسية على المحك بشكل واضح ؟
إن هناك الكثير من المعلقين الراغبين في إستخلاص مثل تلك النتائج من مقابلة مجلة اتلانتك. لقد نقل عنه القول بإن التدخل الليبي "لم يكن ناجحا" وبإن تلك البلاد "ليست من صميم مصالحنا" وبإنه "ليس بإستطاعتنا أن نخفف من جميع مآسي العالم "وبإنه " ليس هناك مجال للإلتزام بحكم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". ألا يعني ذلك أنه يقول بطريقة أو بأخرى إن مثل هذا التدخل هو التدخل البائس الذي يتوجب على أمريكا تجنبه بأي ثمن ؟
في واقع الأمر لم يكن أوباما يقصد ذلك فعادة ما تكون مواقف أوباما أكثر تعقيدا ولقد ذكر أيضا في المقابلة " لو كانت هناك إمكانية لعمل الخير بتكلفة يمكن تحملها من أجل إنقاذ الأرواح سوف نقوم بعمل ذلك ” كما قال " سوف تكون هناك أوقات نستطيع فيها عمل شيء من إجل الأبرياء الذين يتعرضون للقتل "وأضاف أنه " يركز على إتخاذ إجراءات متعددة الأطراف عندما لا تكون مصالحنا المباشرة على المحك".
صحيح فأوباما يوضح بإنه أحيانا تكون تكلفة التصرف لا تطاق وهناك أوقات يكون فيها التصرف بشكل فعال غير ممكن ولكن تلك القيود على إستخدام القوة مفهومة على نطاق عالمي فمن المقبول أن تكون هناك معايير معينة يجب تحقيقها على أن يكون العمل العسكري هو الملاذ الإخير وأن يكون متناسبا بحيث يكون نفعه أكثر من ضرره.
إن الطريقة التي عبر فيها أوباما عن موقفه تتوافق بشكل تام مع معيار "مسؤولية الحماية" وهو مبدأ تمت الموافقة عليه بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2005 . لقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية على الدوام معيار مسؤولية الحماية في مجلس الأمن (على الرغم من أن قادتها لا يحبون إستخدام هذا المصطلح محليا حيث يعتقد هولاء أن الشعب الأمريكي لا يحب الإلتزامات العالمية من أي نوع).
على الرغم من أهمية عدم إساءة فهم الموقف الشخصي لإوباما ،إلا أن الأهم من ذلك هو عدم إساءة فهم ما حدث فعلا سنة 2011 . إن جميع الأشياء التي ذكرها أوباما حصلت فيها أخطاء في ليبيا ولكنه فشل في ذكر أمر آخر كان ينطوي على خطأ كبير وهو أمر نادرا ما يقر به المسؤولون الغربيون أو المعلقون الصحفيون لغاية الآن : لقد قرر تحالف الناتو منذ وقت مبكر أن لا يتبنى سياسة " حماية المدنيين والمناطق التي يسكنها المدنيون " فحسب وذلك طبقا للتفويض الواضح لمجلس الأمن الدولي ولكن أيضا الإطاحة بنظام القذافي.
لقد كان هناك دعما واضحا من أعضاء مجلس الأمن لعمل عسكري أولي والذي مما لا شك فيه أنقذ حياة الآلآف الأبرياء في بنغازي علما أنه من المنطقي الإفتراض أن ذلك الدعم كان سيستمر لو تمسكت فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ببنود تفويض الأمم المتحدة. لقد كان يتوجب على تلك الدول أن تظهر رغبة حقيقية في إستكشاف مقترحات لتحقيق وقف لإطلاق النار ومرحلة إنتقالية يتم التفاوض عليها (كما أقترحت جنوب أفريقيا) على وجه الخصوص ولو فشلت تلك الجهود (كما كان مرجحا) فإنه كان يتوجب على تلك الدول أن تقدم إقتراحا جديا ومقنعا بإنه يمكن فقط حماية المدنيين من خلال تغيير النظام.
لم تقم تلك الدول بإي من تلك الأمور ودفعت الثمن بشكل فوري مع دول البريكيس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) والتي سحبت دعمها لعملية ليبيا والأسوأ من ذلك أن دول البريكس رفضت أن تتخذ أي إجراء على الأطلاق ردا على الرعب الحاصل في سوريا علما أن الموضوع السوري كان ينطوي في مراحله المبكرة على تشابه غريب مع قمع القذافي.
ربما كانت ليبيا ستنحدر للفوضى حتى لو بقي مجلس الأمن متحدا وذلك بسبب فشل اللاعبين الخارجيين في فهم العوامل السياسية الداخلية وفي الإعداد بشكل ذكي لمرحلة بناء السلام في فترة ما بعد الأزمة وربما حتى لو لم يكن هناك شلل في مجلس الأمن فيما يتعلق بسوريا سنة 2011 فإن ذلك الإنزلاق الكارثي للحرب الأهلية كان سيقع على أي حال . لا يمكننا أبدا أن نعرف.
لكن من المستحيل أن لا نعتقد أنه كنا سننقذ أرواح أكثر على أقل تقدير لو عم الأجماع فأوباما ما يزال مثل زملاءه في المملكة المتحدة وفرنسا مترددا في الإقرار بإن هذه الدول الثلاث قد تخطت الحدود في ليبيا ورفضت بشكل ينم عن الغطرسة مخاوف دول البريكس ولكنه يفهم مسؤولية العالم في حماية الناس من الإبادة والجرائم الأخرى ضد الأنسانية أينما وجدت وهو يفهم كما يجب أن نفهم جميعا بإنه حتى يتحقق ذلك سنحتاج لعمل فعال متعدد الأطراف .

وزير خارجية أسترالي سابق ورئيس مجموعة الأزمات الدولية كما يترأس المركز الدولي لمسؤولية الحماية.