بقلم :علي المطاعني..
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم هذا العام بما يسمى السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من اجل التنمية المستدامة، للنهوض بهذه الصناعات المرتبطة بتراث وثقافة وإرث كل دولة، فإننا وفي هذا الإطار نجد أن بلادنا تزخر بالكثير من الصناعات الإبداعية المختصة بالفنون والصناعات الحرفية والأزياء والتصميم، وهو إرث حضاري متوارث عبر الأجيال.
في هذا المنعطف فإن السؤال يهبط من شاهق حول كيف يتسنى لنا الاهتمام بهذا الإرث ونحوله لمورد إقتصادي يدر دخلا على الدولة والأفراد ويحفظ صناعاتنا الإبداعية المتوارثة ويحميها من الإندثار والتلاشئ ومن التعدي والتغول عليها من الآخرين عبر إستغلالها تجاريا وفكريا بل ونسبها إليهم.
هو إذن أمر بالغ الخطورة ويتطلب من مجلس الوزراء الموقر إيلاء هذا الموضوع جل إهتمامه عبر إيجاد جهة حكومية مختصة، وتشكيل لجنة عليا من عدة جهات تعمل على بلورة كل ما ينهض بالصناعات الحرفية والإبداعية وتعزيزها وضرب سياج حولها منعا وقطعا لدابر محاولات الإنتحال والسطو والتلاشي، ولتعمل اللجنة بكل ما تستطيع لتحويل هذا الإرث لصناعات قائمة بذاتها تضاف إلى ما يزخر به هذا الوطن من آثار ولقى حضارية وقدرات إبداعية كانت أبدا عنوانا ولا أضخم لهذا الوطن منذ غابر الأزمان، ولا ننسى أن بعضا من هذا الإرث سجل لدي اليونسكو، والبعض الآخر يعاني الأهمال ويستغيث لإنقاذه.
في الواقع أن إقتصاديات الكثير من الدول قائمة على الصناعات الإبداعية وتوليها كل الإهتمام عبر منظومة تكامل متجانسة مع غيرها من الصناعات وتكون رافدا لبعضها وتُحشد كل الجهود للنهوض بها وتوفر لها الموارد المالية وتشجع المهتمين بها بكل السبل التي تمكنهم من رفد إبداعاتهم في تطوير منتجاتهم ذات البعد الإبداعي.
على ذلك فإن السلطنة تُعد من الدول القلائل التي لديها إرث حضاري كبير وفي الكثير من المجالات كالفنون الشعبية والأزياء والحرف والصناعات التقليدية التي تحتاج إلى إلتفاتة حانية لإحيائها والنهوض بها لتقف على قدميها كصناعة قائمة بذاتها تدرعائدا لايستهان به للبلاد، مع إحتفاظها بهيبتها كمفخرة للوطن وفي ذات الوقت عصية على كل محاولات السطو التي باتت ظاهرة مقلقة في عالمنا اليوم.
فعندما تذكرنا المنظمات الدولية بهذه الصناعات الإبداعية في هذا العام السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من اجل التنمية المستدامة، فذلك مدعاة للإلتفات وبنحو جدي وصارم لموروثنا الثقافي والإبداعي الضخم عبر الإهتمام به أولا، وتنميته ثانيا بكل السبل وحمايته من التعدي والإتجار غير المشروع وهو ما يتطلب أن تعمل كل الجهات المعنية لتحويل هذا الإرث لصناعات مستدامة تدر عائدا مجزيا على القائمين عليها وفي ذات الوقت تحافظ على هذه الإبداعات لتنتقل من جيل لجيل بكل السلاسة واجبة الإتباع إزاء هذا الكنز الذي نملكه.
بعض الدول بدأت منذ سنوات تعمل في هذا الإتجاه رغم حقيقة إفتقارها لأي أرث حضاري أو إبداعي يذكر، بل هي محاولات لإثبات الذات لا أكثر ولقيام صناعات ثراثية مستمدة من مياه السراب لتغدو مدرة للدخل من جوانب آخرى، في حين أننا أصحاب المياه الحقيقية لم نعمل على إستثمار أنهار التراث التي تجرى في بلادنا طولا وعرضا.
ان إيلاء الإهتمام بالصناعات الإبداعية وبالكوادر الناشئة المبدعة في مجالات الثقافية كالفنون والموسيقى والمهن الحرفية وغيرها من جوانب الإبداع لابد من أن يغدو فرض عين، وبذلك نكون قد شجعنا أجيال المستقبل لتنمية إبداعاتهم وتحويلها لمشروعات تجارية ذات عائد مجزي للغاية، وعندما يكون هناك اهتماما متزايدا بالجوانب الثقافية الإبداعية وتعزيز ابداعاتهم فإن منتجاتهم سوف تنافس عالميا وتصنع علامات تجارية وتبرز كفاءات وطنية لها صيتها وتحفظ الكثير منها من القرصنة.
بالطبع هناك جهود في هذا الصدد، غير أنها مبعثرة وبدون إدارة واضحة وعمل مستدام ينهض بالصناعات الإبداعية التي يزخر بها هذا الوطن، وربما هذا العام يعد مناسبة للإلتفات أكثر لها من خلال إيجاد جهة حكومية معنية بها وعبر إهتمام رسمي يسهم في إحياء الكثير من الصناعات الإبداعية التي تعبر عن ثفافة وفكر هذا الشعب العريق وتحولها إلى مشروعات تجارية.
نأمل أن يلقي هذا الموضوع كل الإهتمام من جانب الحكومة وتعمل بكل السبل للنهوض بالصناعات الإبداعية باعتبارها إرثا عريقا وتأكيدا على التنوع الثقافي العُماني وشحذا لطاقات الشباب والمجتمع للإبداع وصنع علامات تجارية محلية المنشأ عالمية الصيت.