انطلاق إذاعة الصمود عبر الأثير في سماء مسقط

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/يناير/٢٠٢١ ١٩:٢٦ م
انطلاق إذاعة الصمود عبر الأثير في سماء مسقط

د. محمد بن عوض المشيخي

تنطلق يوم 11 من يناير 2021 المقبل في فضاء السلطنة أثير إذاعة الصمود التي باركها القائد الأعلى لقوات السلطان المسلحة؛ جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، وأطلق عليها (إذاعة الصمود) اعترافا وتثمينا للمجد التليد والتاريخ المضيء والسجل الحافل، والصمود المنقطع النظير لمنتسبي وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية العمانية، عبر عقود النهضة العمانية المتجددة منذ سبعينيات القرن الفائت، وتتجلى هذه الملحمة البطولية في شجاعة وصلابة الجندي العماني وإخلاصه للتراب الوطني وولائه للسلطان، والمحافظة على المنجزات الوطنية والحضارية والتنموية التي تحققت على أرض السلطنة.

فالعقيدة العسكرية العمانية، وشعارها المرفوع إلى عنان السماء ولا يمكن الحياد عنه، هو الشعار الثلاثي الذي يعرفه العمانيون جيدا (الله ثم الوطن ثم السلطان).

وتهدف الإذاعة الجديدة بالدرجة الأولى إلى المحافظة على المستوى المعنوي العالي والرفيع، والجاهزية القتالية القوية التي وصل إليها منتسبو المؤسسة العسكرية العمانية في مختلف الميادين، إذ أصبح افرادها البواسل نموذجا يشار لهم بالبنان بين أقرانهم في المنطقة من حيث الانضباطية والإقدام، واكتساب الخبرات والتدريب العالي؛ فهذه القوات الصامدة طوال تاريخها العريق تتمتع بالقدرات الدفاعية عن السيادة الوطنية المقدسة لهذا الوطن الغالي.

من هنا أتى هذا المشروع الإعلامي الواعد الذي سيعمل في اتجاهين في آن واحد:

أولا: الاستمرار في التوعية والتثقيف، والمحافظة على الروح المعنوية للقطاع العسكري والأمني في البلاد، وتزويد هؤلاء الضباط والجنود المخلصين، بالمعارف والتجارب والعبر في المجال العسكري.

ثانيا: تهدف إذاعة الصمود - التي تمتد ساعات بثها على مدار الساعة - إلى تقديم خطاب إعلامي رصين يلامس حاجة المجتمع العماني، فالكلمة الصادقة والخبر اليقين من أهم اولويات هذه المرحلة التي كثرت فيها الأبواق الدعائية والشائعات المغرضة عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي. إذ يغطي بث إذاعة الصمود محافظة مسقط وضواحيها في المرحلة الأولى، وذلك عن طريق البث الثنائي؛ المسموع عبر موجات الراديو ( FM) على تردد (95.1)، والبث المرئي في شبكة الإنترنت على موقع الإذاعة عبر تطبيق خاص ببرامج القناة. وهناك خطة مستقبلية للتوسع في التغطية الكاملة للبث المسموع لجميع مناطق السلطنة في السنوات القادمة بعون الله.

وتكمن أهمية هذا القناة الجديدة في مضامين البرامج الجادة والمتنوعة والتي تجذب المستمع، فقد وضعها نخبة من الإعلاميين الذين تخرجوا في أعرق الجامعات يأتي في مقدمتها جامعة السلطان قابوس. فهؤلاء الكوادر المدربة والمؤهلة، على دراية تامة بواقع الصراع بين ما يعرف بالإعلام الاجتماعي، الذي أصبح يقوده المواطن الصحفي دون ضوابط أو حدود للمسؤولية الاجتماعية، والإعلام التقليدي الذي يتعرض لضربات موجعة ومنافسة غير متكافئة من جنود مجهولين سحبوا البساط من تحت أقدامه، وخاصة الصحافة الورقية التي تتعرض لنزيف مستمر. فهناك الجمهور العنيد الذي يعرف كيف يختار من الباقات والبرامج الكثيرة التي تعج بها الساحة الإعلامية العمانية، فالفطن من يكسب ثقة الجمهور عبر التزامه بأركان الإعلام الثلاثة؛ المصداقية، والموضوعية والتوازن.

وتتولى إدارة هذه الإذاعة والاشراف عليها، رئاسة التوجيه المعنوي بقيادة أركان قوات السلطان المسلحة التي تعتبر الناطق الرسمي باسم قوات السلطان المسلحة. وقد تابعنا جميعا المهام الوطنية المنوطة بالأسلحة الثلاثة، وعلى وجه الخصوص في مجال الدعم والمساندة والإنقاذ أثناء الكوارث الطبيعية التي مرت بها السلطنة في السنوات الماضية. فعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ الأنواء المناخية في عام 2007 والمعروفة بإعصار (جونو) والتي ضربت شمال السلطنة، وكذلك الإعصار الذي ضرب محافظة ظفار عام 2018 والمعروف ب (مكونو)، ووسط السماوات الملبدة بالغيوم يتجلى بوضوح دور قوات السلطان المسلحة بجميع تشكيلاتها وفروعها المختلفة، الذين كانوا السند الحقيقي للمواطنين في تلك الأنواء والأعاصير المدمرة. فسلاح الجو السلطاني يقوم كعادته بعمليات إنقاذ للمرضى والمحاصرين من السيول في أكثر من ولاية من ولايات السلطنة، كما قامت الهندسة العسكرية بفتح الطرق التي تضررت في أكثر من منطقة، بينما تتولى ألوية المشاة بالجيش السلطاني العماني تقديم المؤن والمواد الغذائية الضرورية في المناطق التي حاصرتها السيول والفيضانات.

ولعلنا نتذكر جميعا العام المنصرم، عندما قررت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار كورونا الإغلاق التام للولايات للحد من انتشار الجائحة التي بلغت ذروتها في الصيف، فقد تم الاستعانة بالجيش إلى جانب شرطة عمان السلطانية لإحكام الاغلاق، إذ أطل علينا العميد رئيس التوجيه المعنوي كناطق رسمي باسم هذه المؤسسة العسكرية، وذلك من خلال الإيجاز اليومي عبر وسائل الإعلام، بأسلوب غير مسبوق، يهدف إلى توضيح دور قوات السلطان المسلحة ومهامها لتحقيق أهداف اللجنة، وإنقاذ أرواح المواطنين من المرض الفتاك.

و لقد غمرتني السعادة بالدعوة الكريمة من العميد رئيس التوجيه المعنوي والذي شرفني بأن أكون ضمن الضيوف المتحدثين لإذاعة الصمود في يوم افتتاحها. وبهذه المناسبة نهنئ القائد الأعلى جلالة السلطان هيثم المفدى، وجميع منتسبي وزارة الدفاع، والأجهزة الأمنية وجميع الإعلاميين في هذا البلد المعطاء. فهذا المنبر الجديد المتمثل في إذاعة الصمود لم يأت لتسجيل رقم جديد، أو إذاعة جديدة تضاف إلى الساحة الثقافية العمانية التي تحتضن في الوقت الحالي خمس إذاعات رسمية تتبع لوزارة الإعلام، وسبع إذاعات خاصة تتبع للقطاع الخاص، أربع منها ناطقة باللغة العربية، بل أتى هذا المنبر الإعلامي الواعد لتقديم رسالة إعلامية متكاملة في مضمونها، وعميقة في علاقتها الحميمة مع جمهورها. إنها بحق مختلفة عن القنوات الموجودة في سماء السلطنة. لقد توقع الكثير من الخبراء أفول عصر الكلمة المسموعة بسبب قوة الصورة والصوت التي يمثلها التلفزيون، وعلى وجه الخصوص الصورة الرقمية، إذ هناك من يصف القرن الحادي والعشرين بعصر الصورة، ورغم هذه التوقعات الخاطئة؛ استطاعت الإذاعات الخاصة في السلطنة اصطياد الجمهور في أوقات الذروة أثناء الذهاب إلى العمل في الفترة الصباحية، وكذلك وقت الظهيرة عند الرجوع من الدوام الرسمي، عبر تقديم برامج حوارية جادة مع ضيوف مختصين في الشؤون العامة خاصة القضايا التي تهم المواطن العادي.

وتعد التجربة العمانية في هذا المجال الثالثة ما بين 22 دولة عربية، فقد كانت المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة السباقة في تأسيس أول إذاعة للقوات المسلحة الأردنية، والتي افتتحها رسميا الملك عبدالله عام 2001.

وفي الختام، يجب تذكير الجميع بان الأسرار العسكرية التي تتعلق بالأمن الوطني يجب أن تحاط بالسرية التامة لأنها تتعلق بسلامة المواطن وسيادة الدولة، على أمل أن تقوم هذه القناة الجديدة التي ستبث الأخبار كمصدر رئيسي للأخبار العسكرية والأمنية التي يمكن تداولها في وسائل الإعلام المحلية، وذلك في إطار توجه القيادة السياسية والعسكرية للسلطنة في هذه المرحلة الحساسة التي تشهدها المنطقة، حيث الحروب والصراعات الإقليمية في الدول المجاورة لنا.