إعادة النظر في الإعلام التنموي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٣٠ ص
إعادة النظر في الإعلام التنموي

أ.د. حسني نصر

كثيرة هي الدعوات التي تنطلق في الساحة الإعلامية الوطنية للتحرر من مفهوم الإعلام التنموي والانتقال إلى مرحلة إعلامية جديدة، باعتبار أننا تجاوزنا مرحلة النمو وحققنا بالفعل النهضة المنشودة، وبالتالي أصبح على أنظمتنا الإعلامية أن تواكب مثيلاتها العالمية. وتفرض البيئة الاتصالية الحالية التي تتسم بتعددية كبيرة، وتشهد تغيرات كبيرة، حدت من تدخل الدول والحكومات في المضامين الإعلامية التي يتعرض لها الناس، أن نبدأ التفكير الجدي في تغيير رؤيتنا لدور الإعلام في المجتمع العُماني، خاصة وأن كثيرا ما يتم رد ضعف وسائل الإعلام المحلية، خاصة على صعيد مستويات الحرية والاستقلالية والمهنية إلى استمرار التزامها بالدور التنموي، الذي لازمها منذ نشأتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي. فهل حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم الإعلام التنموي؟

في واقع الأمر فان مصطلح الاتصال التنموي يشير إلى استخدام الاتصال بكل أنواعه ومستوياته لإحداث التغيير الاجتماعي في مجتمع ما. ويعني الإعلام التنموي الاستخدام المقصود لتكنولوجيات ووسائل الاتصال الجماهيري المتاحة لتحقيق الأهداف التنموية. وقد استخدمنا الإعلام التنموي باعتباره الطريق المناسب للتعامل مع الاحتياجات والإمكانات والآمال الإعلامية التي صاحبت انطلاق النهضة. وعلى هذا الأساس تم تشجيع قيام واستمرار وسائل الإعلام المهندسة التي تلتزم بالأولويات والأهداف التي تضعها الحكومة، وتم توظيف جهود وسائل الإعلام المحلية في دعم الأهداف التنموية الوطنية.

كان من الطبيعي في البداية أن ننطلق إعلاميا بطريقة مختلفة نابعة من اختلاف متطلبات الصحافة الناشئة عن متطلبات الصحافة الناضجة، وكان من الطبيعي أيضا أن نرفض محاولات فرض النماذج القانونية أو الاقتصادية أو التنظيمية على إعلامنا لان القيم والنظم الإعلامية الغربية لم يكن من الممكن أن تخدم احتياجاتنا التنموية ولا تراعى تحقيق مصالحنا. وبناء على ما سبق فقد التزمنا بالإعلام التنموي الذي عمل على تلبية احتياجاتنا، وشجع وسائل الإعلام الوطنية، ولم يشجع إعادة إنتاج نماذج وسائل الإعلام الغربية الذي يحط من شأن الثقافات المحلية والتقليدية ويهمش دورها. وقد مولت الدولة بسخاء التنمية الإعلامية الوطنية ووضعت فيها استثمارات رأسمالية ضخمة، واصبحنا نتمتع بخريطة إعلامية ثرية تضم تسع صحف يومية وعشرات الصحف الأسبوعية والمجلات، والعديد من محطات الراديو والتلفزيون إلي جانب وسائل الإعلام الجديدة من صحف ومواقع إخبارية الكترونية وحسابات الشبكات الاجتماعية وغيرها.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل بات من الضروري أن نعيد مثل دول نامية كثيرة تعريف الإعلام التنموي، خاصة وأن البيئة التي ظهر فيها هذا المفهوم تغيرت بشكل جذري. فبعد أن كانت الخريطة الإعلامية في غالبية هذه الدول تقتصر على عدد قليل من الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون التي تملكها الحكومات او تسيطر عليها، أصبحنا أمام تعددية إعلامية على مستوى وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى كم هائل من وسائل الإعلام العالمية التي اخترقت الحدود وحدت من السيادة الإعلامية للدول النامية على أراضيها، وهي السيادة التي كانت تمثل شرطا ضروريا لعمل الإعلام التنموي الموجه. ويقع على عاتق الباحثين في الدول النامية عبء البحث عن مفهوم جديد للإعلام التنموي يأخذ في الاعتبار متغيرات البيئة السياسية والاقتصادية والإعلامية العالمية والوطنية، ويسند أدوارا يمكن القيام بها ويمكن قياسها لوسائل الإعلام الوطنية التي لم تعد المسيطر الوحيد على الساحة الوطنية.

من المؤكد أن الإعلام التنموي يواجه أزمة متعددة الوجوه، فهو من ناحية يشهد تراجعا كبيرا على مستوى البحث العلمي، إذ انخفض بشكل كبير عدد البحوث التي تتناول دور الإعلام في التنمية الوطنية، ومن ناحية أخرى يشهد تجاهلا لدور وسائل الإعلام التقليدية في التنمية لحساب الدور المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصال خاصة منذ مطلع الألفية الجديدة. وكما فشلت نظريات التحديث والنمو الاقتصادي في إحداث التنمية ودعم دور الإعلام في التنمية على مدار سنوات طويلة، فإن التوجهات الجديدة التي تركز فقط علي دور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات باعتبارها حلا سحريا في التغيير وتحسين أوضاع الناس في الدول النامية قد تواجه نفس الفشل، خاصة في ظل تزايد الفجوة الرقمية بين الدول المركزية والدول شبه الهامشية والدول الهامشية. وتؤكد التجارب في هذا المجال أن هذه التكنولوجيا لا تستطيع وحدها تغيير حياة البشر في الدول النامية او تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

إن إعادة النظر في الإعلام التنموي تتطلب منا تبني مداخل نقدية تستفيد من التراث البحثي الكبير في هذا المجال، وتأخذ في الاعتبار السياقات التنموية في البلدان النامية. ومن الضروري في هذا السياق أيضا أن نهتم بالبحث عن نظريات بديلة يمكن أن تفسر وتوجه دور الإعلام في التنمية. لقد أصبح واضحا أن نجاح عمليات التنمية الوطنية تبدأ من الفرد وعلى هذا الأساس فان التشاركية في الثروة الإعلامية المتاحة وإدماج الفئات المهمشة في برامج التنمية الإعلامية يصبح أمرا ضروريا لنجاح برامج التنمية الوطنية. وفي هذا الإطار يجب التعامل مع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات باعتبارها فرصة للتنمية وليس هدفا نهائيا لها او دواءً لكل داء. كما أن علينا ألا نركز في التعامل مع هذه التكنولوجيا على إمكانات الربط فقط ولكن أيضا على قدرة أفراد المجتمعات على استخدام التكنولوجيات الجديدة.
وختاما، فإن الانتقادات التي تطال الإعلام التنموي أصبحت تمثل قضية واسعة الانتشار في أوساط الأكاديميين والمهنيين وصناع السياسات، ولعل هذا ما يدعونا إلى المطالبة بوضع مفهوم جديد للإعلام التنموي وإعادة النظر في أطروحاته النظرية، وذلك في ضوء فشل النماذج المسيطرة على هذا الحقل.

أكاديمي في جامعة السلطان قابوس