القاهرة - خالد البحيري
تكتسب زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى القاهرة والتي بدأت أمس، زخما كبيرا، كونها تشمل مناقشة العديد من الملفات المشتركة بين البلدين، ومنها تعميق التبادل التجاري والدفع نحو مزيد من الاستثمارات الفرنسية بمصر، فضلا عن مواصلة التعاون الأمني والعسكري والتسليح، والذي بدأته القاهرة في إطار خطة لتنويع مصادر السلاح بالجيش المصري.
قضية ريجيني
الملفات الدولية أيضا حاضرة بقوة على طاولة المباحثات بين الرئيسين المصري والفرنسي وفي المقدمة منها، العلاقات المصرية الإيطالية التي تدهورت في الآونة الأخيرة بشدة، عقب مقتل الباحث جوليو ريجيني، وكذلك الملف الليبي، القضية الفلسطينية، ودعم المبادرة الفرنسية لإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط من جديد.
وفي التفاصيل، تعول القاهرة كثيرا على باريس في التوسط لدى الجانب الإيطالي والاتحاد الأوروبي، للتوصل إلى توصية لملف مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل في القاهرة قبل نحو 3 أشهر، ولم يتم التوصل إلى نتائج مقنعة لأسرته والمحققين الإيطاليين، وتسببت قضيته في الكثير من الخسائر الاقتصادية والسياسية للجانب المصري، فضلا عن ضغوطات متواصلة من البرلمان الأوروبي، والحكومة البريطانية.
وتأمل مصر من الرئيس الفرنسي أن يساعدها في غلق هذا الملف ولو من الناحية الإعلامية حتى تتضح الحقائق ويتم التوصل إلى الجناة الحقيقيين، وهو ما يمكن أن تقوم به فرنسا بالفعل باعتبارها من أكبر دول الاتحاد الأوروبي وذات ثقل سياسي واقتصادي كبيرين.
في المقابل تأمل باريس من القاهرة دعم جهودها في تسوية الأزمة اللبيبة التي تنخرط فيها كل من مصر وفرنسا سياسيا وأمنيا، ويتطلع هولاند من السيسي أن يستخدم علاقته القوية مع اللواء خليفة حفتر، لقبول بتسوية تضمن دمج المليشيات التي تتمتع بعلاقات قوية مع فرنسا وتحديد فجر ليبيا في الجيش الليبي، وهو ما يسمح لاحقا برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي لمواجهة تمدد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الغرب الإفريقي.
وبحسب اللواء أحمد عبد الحليم أستاذ الاستراتيجية بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بمصر فإن إمكانية التعاون بين القاهرة وباريس كبيرة، وفرص النجاح في تقريب وجهات النظر لا بأس بها، فالقاهرة تمتلك علاقات جيدة مع الجيش الليبي في الشرق، الذي يقوده خليفة حفتر، بينما تحتفظ فرنسا بخطوط تواصل مع عدد من الميليشيات في الغرب والتي تمثلها مجموعة فجر ليبيا، ويمكن لباريس أيضا التأثير على القيادات العسكرية في الغرب الليبي، ومحاولة تقريب الرؤى بين الطرفين، بما يصبّ في مصلحة حكومة الوفاق.
القضية الفلسطينية
الملف الأخر الذي ترغب باريس في الحصول على دعم القاهرة له هو مبادرة خاصة بالسلام في الشرق الأوسط من أجل إعادة الفريقين إلى طاولة المباحثات، الأمر الذي يبدو وكأن باريس تحاول ملء الفراغات التي خلفها غياب الإدارة الأمريكية عن الملف لفترة طويلة أصابت المباحثات بالجمود.
وتقترح فرنسا خمس نقاط في مبادرتها التي ينظر لها الكثير من المراقبين على أنها لا تعدو كونها أفكار لتحريك المياه الراكدة وهي عبارة عن مبادئ لحل الصراع على غرار تثبيت حدود الرابع من يونيو 1967 مع تبادل أراض بين الطرفين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين، إلى جانب تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام.
وباعتبار مصر من الدول المعنية بهذا الملف يقول خبراء إن الرئيس الفرنسي سيعمل على كسب دعم القاهرة لتأييد المبادرة الفرنسية التي واجهت رفضا إسرائيليا يهدد بوأدها قبل أن تخرج إلى حيز التنفيذ.
وأكبر المكاسب المأمولة من تعاون فرنسا مع مصر التي تتمتع حاليا بكونها عضوا غير دائم بمجلس الأمن، الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية وإعادة تدويل الملف مرة أخرى.
التسليح والإرهاب
ثالث الملفات على طاولة المباحثات الرئاسية بين هولاند والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، في ظل تقارب الرؤى النسبي بينهما حول الأولويات وتعريف الإرهاب ومصادره، فضلا عن أن فرنسا من الدول التي تقدر التجربة المصرية في مواجهة العناصر الإرهابية في سيناء.
ويقود التعاون ضد الإرهاب إلى ملف التعاون العسكري بين البلدين، والذي اكتسب زخما هائلا في العامين الأخيرين بعد تنفيذ عدد من الصفقات كان لها مدلول سياسي بالإضافة إلى البعد العسكري، فقد اشترت القاهرة عددا من طائرات الرافال والفرقاطة الفرنسية فريم بهدف تقوية قدرات الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب وتأمين مجري قناة السويس.
ومنذ الإطاحة بالإخوان المسلمين من الحكم في يوليو 2013 عملت فرنسا على الاستفادة من الفتور في العلاقات بين واشنطن والقاهرة، ونجحت مجموعة الدفاع الفرنسية في الدخول في السوق المصري. وهو التقارب الذي قوبل بترحيب عربي، خصوصا من جانب كل من السعودية والإمارات اللتين لعبتا دورا مهما في تمويل وإتمام الصفقة.
وتحتفظ باريس للقاهرة بالجميل كون الأخيرة أسهمت بشكل رئيسي في منح الأولى موطئ قدم في الشرق الأوسط، ومكّنتها من إيجاد أسواق جديدة لمبيعات سلاحها، الأمر الذي من المتوقع أن يتكلل بحسب السفارة الفرنسية في القاهرة بإنشاء لجنة عسكرية عليا بين مصر وفرنسا، يشرف عليها رئيسا أركان حرب الجيشين ويعلن ذلك خلال العام المقبل.
*-*
التقارب المصري الفرنسي تعززه المنافع الاقتصادية المتبادلة
على وقع منافع اقتصادية تتقارب القاهرة وباريس، عبر تدشين عدد من الاتفاقيات التجارية في مجالات الطاقة والنقل والكهرباء والآثار والثقافة، ومن ضمن الاتفاقيات التي سيتم توقيعها مع الوكالة الفرنسية للتنمية، اتفاق تسهيل ائتماني لتمويل إنشاء مركز تحكم إقليمي للكهرباء بمنطقة الدلتا بمبلغ 50 مليون يورو واتفاق منحة لتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل بقيمة 68 مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي وتديرها الوكالة الفرنسية للتنمية.
وسيتم وضع إطار خطة عمل للتعاون الاقتصادي بين مصر وفرنسا خلال عام 2016 -2017 في المجال الصناعي، العلمي والفني والتدريب المهني.
وتعد فرنسا ثالث أكبر مستثمر في مصر إذ بلغت عدد الشركات الفرنسية حتى نهاية عام 2015 نحو 148 شركة برأسمال يقارب بليون دولار.
وتؤشر البيانات الحكومية الصادرة في القاهرة إلى ارتفاع حجم التجارة بين مصر وفرنسا خلال العام 2015 ليتجاوز بليوني يورو مقابل 1741مليون يورو خلال العام 2014.
وتحتل فرنسا المركز الرابع بين الدول المصدرة لمصر بعد كل من ايطاليا وإسبانيا وبريطانيا، ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح فرنسا، وتعد أهم الواردات المصرية هي القمح والآلات والأجهزة الآلية والكهربائية والأدوية وتتمثل أهم الصادرات المصرية في الغاز الطبيعي، والنفط، ووقود النفاثات، والنسيج وخيوط القطن، والبترول ومنتجاته والملابس الجاهزة.
وتسعى كل من مصر وفرنسا لتعزيز التعاون في المجال السياحي الذي يعتمد عليه الدخل القومي لدى البلدين بشكل كبير، وذلك عبر تشجيع الاشتراك في المعارض والمهرجانات والمناسبات السياحية التي تقام في كلا البلدين وتشجيع وكالات السفر والسياحة لتنظيم برامج سياحية وقيام الجانب الفرنسي بتقديم عدد من المنح الدراسية سنويا في مجال السياحة للاستفادة من الخبرة الفرنسية في هذا المجال، وكذلك الاستفادة من عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي.
وقد وصلت الوفود السياحية الفرنسية التي استقبلتها مصر عام 2015 ما يزيد على 1.3 مليون سائح وهو ما يعد انخفاضا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية حيث وصلت الوفود السياحية خلال عام 2010 نحو 6 ملايين سائح.