ذاكرة وطن في عام 2020

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٩/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٩:٠٣ ص
ذاكرة وطن في عام 2020

مسقط - الشبيبة

بقلم: محمد المشيخي 

أيام قليلة ويرحل عام 2020 بما حمله من أحزان مريرة، وأوجاع مؤلمة، وأخبار سلبية وصدمات غير معهودة ألقت بظلالها على بلدنا العزيز ؛ أحداث يصعب على ذاكرتنا نسيانها، ولا شك أنها لن تطوى بسهولة من ذاكرة الزمن دون أن تترك أثارا على المدى البعيد، قد يصل مداها إلى الأجيال المقبلة، ولاشك أن وفاة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - في مقدمة هذه المحن؛ وهو الذي أسس النهضة العمانية المعاصرة خلال خمسة عقود متتالية. وهذه محنة سنتغلب عليها بالصبر والثبات وقوة الإيمان الذي نستمده من عقيدتنا الإسلامية. وأما الأزمة الثانية فهي انخفاض أسعار النفط العالمية إلى مستوى قياسي في بلد جل اعتماده على النفط خاصة في المصروفات الإنمائية والرواتب، بعد أن خذلتنا الخطط والبرامج المعدة لتنويع مصدر الدخل الوطني في المجالات غير النفطية والتي وضعها المسؤولون عن قطاع التنمية منذ 1976م. وقد تعاقبت الأحداث بتسلسها العجيب حيث أتت جائحة كورونا حاصدة الأرواح ومعطلة للاقتصاد الذي هو في الأساس منهك ويعاني من السيطرة شبه الكاملة من العمالة الوافدة الذين يشكلون ما نسبته84% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص. ولعل مشكلة الباحثين عن عمل تأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية ما بين هذه التحديات مجتمعة بالنسبة للمجتمع العماني، فهذه المشكلة التي لم نجد لها حلول منطقية وواقعية طوال السنوات الفائتة، غدت الجرح النازف في جسد الوطن، فقد كشفت الأرقام الرسمية المنشورة بنهاية يونيو من هذا العام 2020 أن هناك أكثر من 65 ألف باحث عن عمل في السلطنة؛ والأرقام في ازدياد مستمر على الرغم من وجود حوالي مليون وأربعمائة ألف وافد في القطاع الخاص، بينما يبلغ عدد العاملين في القطاع الحكومي من الوافدين حتى هذا العام 2020 حوالي 43 الف موظف وافد مع ملاحظة أن معظمهم في قطاعي الصحة التعليم؛ ومما يعني أن الإحلال في هذين القطاعين بحاجة إلى سنوات، وعليه ستظل الاحصائيات تعطي مؤشرا مرتفعا لنسبة الوافدين في القطاع العام.

ومن المفارقات العجيبة التي كشفها أحد التقارير الرسمية المنشور قبل عامين وجود أكثر من 37 الف مدير وافد في قطاع الإدارة والأعمال مقابل 7320 باحث عن عمل من حاملي الشهادات الجامعية في نفس المجال من المواطنين، وكشف التقرير نفسه الذي أعده مجلس الشورى عن وجود 133 ألف وافد في قطاع تكنولوجيا المعلومات والحوسبة، في مقابل وجود 6735 باحث عن عمل نشط في نفس القطاع.

ونتيجة للعجوزات المالية وتراكماتها على موازنة الدولة أتت صدمة رابعة وهي موجعة على الذين شملهم التقاعد الإجباري ممن تجاوزوا ثلاثين سنة في الخدمة في القطاع الحكومي؛ ولا شك أن هذه الخطوة تمثل ارتدادا للصدمة الكبرى المتمثلة في الأزمة المالية الطاحنة التي أشرنا إليها في بداية هذا المقال.. وفي زخم هذه القرارات المصيرية غير المسبوقة؛ كنا نتطلع لمشاركة مجتمعية أوسع لتلك القرارات من الرأي العام العماني الذي يتمتع بالوعي والنضج الفكري، ممثلا في مجلس الشورى الذي يساعد الحكومة في الجوانب التشريعية والرقابية مما يضفي شرعية مجتمعية على هذه القرارات. وكذلك كان من الأجدر الاستعانة بآراء الخبراء والمختصين في المجالات الاقتصادية؛ لكي يتحمل الجميع مسؤولية نجاح أو فشل هذه السياسيات الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر والتي تحتاج إلى تظافر جهود المجتمع العماني وتعاونه الوثيق مع الحكومة، ولعل الجميع لا يزال يستذكر التحديات التي واجهت صناع القرار خلال العقود الفائتة وعلى وجه الخصوص رؤية 2020 التي أصرت الحكومة على الانفراد بوضعها وتنفيذها، وهذا ما نتمنى تجنبه في رؤية 2040 التي تفصلنا عنها أيام قليلة.

وفي كل الأحوال؛ لا يوجد مجال للشك في ثقة الشعب بالسلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- ونواياه الحسنة تجاه أبناء شعبه، وجهوده الجبارة لإنقاذ الدولة من الإفلاس في هذه المرحلة الصعبة التي يواجهها العالم، وذلك من خلال انتهاجه رؤية اقتصادية واعدة تلامس المرحلة المقبلة نتمنى أن يحالفها التوفيق والنجاح، وأن تأتي أكلها خلال الشهور والأعوام المقبلة.

لقد كانت التسريبات المرجع الأساسي للرأي العماني بداية من شهر إبريل الفائت، والتي يمكن وصفها بالشائعات؛ لكونها عبارة عن بالونات اختبار متعلقة بالتقاعد الإجباري الذي ظهر لاحقا كحقيقة بعد شهرين من تلك التسريبات، ثم أتت أخبار توحيد صناديق التقاعد في شهر مايو ضمن أخبارغير مؤكدة، وقبل عدة أشهر ظهرت تسريبات الضرائب والتي تحولت إلى حقيقة، واليوم نستقبل خبر رفع الدعم عن الكهرباء والمياه في ظل غياب التفاصيل والتحليلات التي تكشف الحقائق للمواطن العماني من الإعلام الرسمي الذي ينتظره الجميع ليتحدث باسم الحكومة ويقدم للناس التفاصيل المتعلقة بمستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي بدلا من وسائل التواصل الاجتماعي التي تسودها المزايدات في بعض الأحيان. لقد شكلت مدة الخدمة التي تستمر إلى ثلاثين سنة وكذلك حقوق ما بعد الخدمة في نظام التقاعد الجديد هاجس لمعظم الناس الذين يأملون الحصول على المعلومات الحقيقية عن الأنظمة والقوانين الجديدة التي لا تزال حبيسة ادراج الحكومة حتى الآن. فالمعلومة لا تزال مبهمة وغير واضحة على الرغم من ظهور بعض المسؤولين على القناة العامة في تلفزيون سلطنة عمان ليتحدثوا عن الجوانب الإيجابية للسياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة نحو ما يعرف بخطة التوازن المالي للسلطنة.

إن خطة الإنقاذ التي أقرتها الحكومة ضرورية في جوهرها في ظل الظروف الحالية التي تمر بها السلطنة والتي تمحورت حول فرض الضرائب ورفع الدعم وكذلك خفض مصروفات الوزارات والهيئات الحكومية، وكل هذه الاجراءات تصنف لدى خبراء الاقتصاد ضمن ما يسمى بالحلول السهلة التي تعتمد بالدرجة الأولى على جيب المواطن العادي، في غياب السياسات والأساليب الذكية التي تعتمد على أفكار مبتكرة من خارج الصندوق لعل منها ما ينادي به الكثير من الخبراء وهو فرض ضرائب الدخل على كبار المسؤولين وأصحاب رؤوس الأموال في المرحلة المقبلة، وكذلك تقليص الامتيازات التي تمنح من خزينة الدولة لهذه الفئة دون المواطن العادي. فشد الأحزمة في هذه المرحلة يجب أن يبدأ من القمة أولا قبل القاعدة.. وفي الختام، على المخططين وصناع القرار في هذا البلد المعطاء أن يتجهوا إلى الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الواعدة كالسياحة الصيفية المتمثلة في خريف ظفار والذي يتطلب فتح مطار صلالة وتحويله إلى واجهة دولية، وكذلك تطوير رمال الشرقية الذهبية وتحويلها إلى واجهة رئيسة للسياحة الشتوية في السلطنة. فعمان من أكثر البلدان أمانا في هذا الكون، وذلك من خلال المؤشر العالمي للإرهاب وللمرة الثامنة على التوالي، بينما تساهم السياحة بحوالي 3% من الناتج القومي للسلطنة فقط.