إلهام الشباب العماني لصناعة غدٍ مشرق

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/ديسمبر/٢٠٢٠ ٠٩:٠٩ ص
إلهام الشباب العماني لصناعة غدٍ مشرق

بقلم: محمد العارضي

مع احتفالنا بالعيد الوطني الخمسين للسلطنة في 18 نوفمبر الفائت، وجدت نفسي أستعرض العديد من منجزاتنا الكبرى على مدى العقود القليلة الفائتة. لقد قطعت بلادنا شوطاً جديراً بالإعجاب فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية الاقتصادية، وجعلتنا نشعر بالفخر بما صنعته من بصمات واضحة في مجال السياسة الخارجية ونشر السلام والوئام بين الأصدقاء والحلفاء على حد سواء.

نحن ندين بالفضل إلى الأبد لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور-طيب الله ثراه- الذي استطاع بقيادته المثالية أن يرتقي بالبلاد من اسم مجهول نسبياً على الساحة العالمية إلى نموذج مثالي في العديد من المجالات. ومثلما كان سلفه، فإن قائدنا الجديد، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم (حفظه الله ورعاه)، يلهمنا لكي نظل ملتزمين بهدفنا المشترك المتمثل في ازدهار الوطن.

لقد شهد الناتج المحلي الإجمالي السنوي في عمان نمواً متصاعداً في العقود الفائتة. مع ذلك، يفيد البنك الدولي بأن من المتوقع هبوطه هذ العام جراء انخفاض أسعار النفط وتداعيات جائحة كوفيد-19.

بالنظر إلى هذه المؤشرات الاقتصادية، إلى جانب التغيرات الجذرية في نمط الحياة الذي تم تبنيه للتعامل مع الوضع الناتج عن تفشي فيروس كورونا، فمن الطبيعي توخي الحذر مع شروعنا بالمضي قدماً في عالم ما بعد الجائحة. لا يمكننا أن نغفل الأثر النفسي على الطلبة المجبرين على البقاء في المنازل والانقطاع عن المدارس، وانتقال الموظفين في مختلف المجالات إلى أسلوب العمل عن بعد وإعادة اكتشاف أنفسهم عن طريق تطوير مهاراتهم واكتساب أخرى جديدة.

على الصعيد الوطني، لا سيما في ثقافة مثل ثقافتنا الوطنية التي طالما ثمّنت العلاقات بين أفراد المجتمع، فمن المقلق أن يضطر المواطنون إلى العيش في عزلة نسبية معظم العام. لقد أكدتُ دائماً على أهمية تمكين شبابنا ورفع معنوياتهم من أجل الحفاظ على التماسك والالتزام برؤية قيادتنا الرشيدة في كافة أرجاء السلطنة.

لحسن الحظ، وفي ظلّ الأخبار الحديثة الواعدة التي تأتينا من قطاع الرعاية الصحية، ربما نتمكن أخيراً من الانتقال إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية في الشهور المقبلة. بما أن شركات الأدوية (فايزر) و(موديرنا) تشيران الآن إلى أن لقاحاتهما الخاصة بكوفيد-19 ستتوفر في مطلع العام المقبل، علينا أن نستغل مواردنا في الحفاظ على روح الجماعة حتى يصبح استئناف الحياة دون تباعد اجتماعي عملاً آمناً.علاوة على ذلك، أعلنت وزارة المالية حديثاً عن مخططات لتقليص العجز الوطني إلى 1.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لعمان بحلول عام 2024 من أصل عجز أولي نسبته 15.8 بالمائة في عام 2020. وتتضمن مخططاتها فرض ضريبة الدخل على الأفراد المشمولين بفئة أصحاب الدخل المرتفع في عام 2022 وتستهدف زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 35 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية بحلول عام 2024 ارتفاعاً من 28 بالمائة في هذا العام.

لقد أشاد معهد التمويل الدولي بمساعي حكومتنا في تقرير صدر مؤخراً. وأُثني على خطة عُمان 2020-2024 التي وُضعت استجابة للأزمة الاقتصادية، مثلما أُثني على إعادة هيكلة ودمج وزارات معينة وتقليص الميزانية من أجل ترشيد إنفاق الأموال العامة.

على صعيد المجتمع، أرى أن السبيل إلى استئناف تقدّم بلادنا يكمن في جوهر تقاليدنا، المقوّمات التي جعلت من عُمان قصة نجاح وهي الصلات بين أفراد المجتمع وريادة الأعمال، مع تركيز خاص على الشباب الذين يأخذون بأيدينا نحو المستقبل.

أتصور أننا سنعود إلى أساليبنا القديمة بمجرد أن نأمن الحركة بحرية دون خوف من العدوى. مع ذلك، يتوجب علينا أن نستغل تجربتنا أثناء الوباء، وأن نوظفها في صنع أساليب مبتكرة لإعادة إنعاش الأعمال في البلاد.

يؤدي قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية للبلاد عبر توفير فرص العمل والاستجابة لمتطلبات السوق في طرح مجموعة متنوعة من السلع والخدمات، ورفع الناتج المحلي الإجمالي للوطن. وفي هذا السياق، ينبغي لنا أن نعير اهتماماً خاصاً بهذا القطاع من أجل أن ندعم هدف حكومتنا المتمثل في زيادة الإيرادات غير النفطية في السنوات المقبلة.

أما المؤسسات صاحبة الباع الطويل في المحافظة على أداء قوي للأعمال فيمكنها طرح برامج إرشادية يشرف عليها رياديون وقادة محنكون من أجل تقديم النصح لشبابنا، لا سيما أصحاب العقول الطموحة والمبدعة، بشأن الأعمال في العالم الواقعي. ومن خلال ذلك، فإنهم سيمكّنون شبابنا من تعلم كيفية تأسيس شركة وتطويرها وإدارة الفرق لإحراز نتائج مثلى وتحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات مربحة. ومن أهم جوانب هذه البرامج الإرشادية التأكيد على ضرورة التعاون، الذي يمكن تحقيقه بتشجيع الأفراد ذوي التفكير المشترك على التواصل وتبادل مهاراتهم وآرائهم لتعم المنفعة على الجميع.

فضلاً على ذلك، يمكن إلحاق طلبة المدارس والجامعات بورش ريادة الأعمال تنفذها المؤسسات الأكاديمية. فالتفاعل مع قادة المستقبل في المراحل الأولى من مسيرتهم التعليمية سيمنحهم الثقة بالنفس ويحفزهم على الإتيان بأفكار تسهم في تحويل رؤية عمان طويلة الأجل إلى واقع. إن السعي المشترك نحو التعاون وتمكين شبابنا وتقوية اقتصادنا سيساعد في تعزيز وحدتنا الوطنية. لقد واجهنا سلسلة من التحديات غير المسبوقة في هذا العام، لكن احتفال بلادنا باليوم الوطني الخمسين أتاح لنا ما كنا بحاجة ماسة إليه من استذكار نقاط قوتنا ومنجزاتنا السابقة. أنا على ثقة تامة بأننا سنتمكن، عن طريق التخطيط والالتزام الدقيق، من توحيد جهودنا في سبيل بناء مستقبل مشرق وآمن لبلادنا وللأجيال المقبلة.