اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. ومظلة كورونا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٣/ديسمبر/٢٠٢٠ ١٤:١٤ م
اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. ومظلة كورونا

مسقط - الشبيبة

بقلم: محمد محمود عثمان

جعلت الأمم المتحدة يوما من كل عام للاحتفال بــ «يوم مكافحة الفساد « وجعلة مناسبة لنشر ثقافة مكافحة الفساد و زيادة الوعي بأهمية ذلك وتأثيره على الاقتصاد العالمي وعلى اقتصادات الدول بمختلف تصنيفاتها مثل دول الشمال ودول الجنوب

فليس مقبولا أن لا نتصدى للفساد بكل صوره وأن ندعه يتفشى ويتجذر في فكر وسلوك أصحاب القرار ، ثم نبكي بعدها على اللبن المسكوب بعد «خراب مالطة « كما يقال في الأمثال ، وبعد أن تهدر اقتصاديات الدول وموارد المجتمعات ،ثم نتشدق بعدها بمحاكمة الفاسدين وعقابهم

وليس الفساد فقط في سرقة الأموال أو نهبها ولكن الأخطر فساد القرارات الإدارية وأخطرها قرار دول العالم في عدم التعايش الواقعي مع أزمة وباء كورونا- استجابة لتعليمات منظمة الصحة العالمية - التي وضعت العالم على اعتاب انهيار اقتصادي سنتعايش معه قسرا لعدة سنوات حتى إذا استمرالوباء بدون لقاح ناجع، ولكن كيف تحاسب الأمم المتحدة منظمة الصحة العالمية على الفساد في تقدير عواقب تعليماتها التي أضرت باقتصاديات العالم باستثناء مملكة السويد التي انتهجت خطا متوازيا للتعايش مع الوباء منذ البداية باعتبارأن الوقاية من الفساد افيد وأصلح وأسلم للجميع ، بحسن اختيار القيادات الإدارية حفاظا على الثروات المادية والبشرية ،لأن الفساد إذا استشرى فإنه يطول القيم والمبادي والسلوك الإداري والقانوني، حيث نجد أن أبشع أنواع الفساد هو الذي قد ينتشر بين المسؤولين المنوط بهم حماية وتطبيق القانون أوتحقيق العدالة والأمن ، أو تنفيذ القوانين واللوائح المنظمة لإدارة الأعمال ومراقبتها ، لأنه إذا بدأ الخلل في الرأس فإنه يؤثرعلى باقي الأعضاء ، فإذا فسد الرئيس فكيف يكون سلوك المرؤوس في أي مؤسسة أو شركة ، في الحكومة أو القطاع الخاص وحتى في المؤسسات والمنظمات الدولية ؟ خاصة أن الفساد ينشط وينمو ويكون أشد جسامة دائما في زمن الأزمات، حيث يجد فيها بيئة صالحة ومواتية فينتشر مثل السرطان.

ولعل أزمة وباء كورونا تمثل نموذجا لذلك ، حيث أوجدت فرصا جديدة لاستغلال ضعف الرقابة وعدم كفاية الشفافية، وما يتبعها من تسريب الأموال بعيدا عن الناس، في أوقات هم فيها أحوج ما يكونون إلى تلك الأموال، فتحت مظلة كورونا أًنفقت البليونات بدون ضوابط ،كما أن الفساد الإداري أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية بعد أن أصيبت الحياة بالشلل وانعكس ذلك على فرص الوظائف الجديدة وإلغاء الوظائف القائمة وفصل آلاف العمال بدون تبصر حول العواقب وإغلاق المصانع والشركات الصغيرة والكبيرة ، وتوقف حركة التجارة والسياحة العالمية وعاشت دول العالم كأنهم في جزيرة معزولة، وأصبحنا جميعا على شفا الانهيار،بعد تحويل البليونات لشراء المعدات الطبية والتدابير الوقائية،على حساب التنمية الاقتصادية، الذي صحبه الفساد من خلال ضعف الرقابة والمتابعة والمساءلة القانونية تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت «كورونا «ومن ثم تفاقمت المشاكل السابقة على أزمة كورونا مع السلبيات التي تولدت مع الأزمة ، وانعكست على الحياة الاقتصادية العالمية والعربية ، بعد أن سٌجلت خسائر عالمية تقدربنحو 35 تريليون دولار، وخسائر عربية تقدر بــ نحو 1.2 تريليون دولار، مع فقدان نحو 7.1 مليون عامل لوظائفهم، ثم صنع جيوش من المتعطلين الذي يرتفع عددهم إلى 80 مليون عاطل في الدول المتقدمة طبقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي توقعت أيضاً أن تظل نسبة الباحثين عن عمل مرتفعة لتصل لقرابة 10% حتى نهاية 2021 ،كما خسرت الدول العربية أكثر من 90% من عدد ساعات العمل خلال الربع الثاني من 2020، ما أثرعلى الإنتاج والإنتاجية.

ويبقى السؤال حول كيفية اتخاذ قرارات صحيحة لا يشوبها الفساد للتعامل من جديد مع مرحلة ما بعد «كورونا « ومتطلباتها لإعادة دوران عجلة الإنتاج والعمل بأقصى طاقة، حتى نسابق الزمن لوقف الخسائر والعودة لنقطة التعادل في أسرع وقت ،لتعويض الآثار السلبية للقرارات الفاسدة التي دمرت معظم الاقتصاديات ، التي تحتاج إلى دفعات قوية من الحكومات ومن المؤسات المالية العالمية ، بسبب خفض أغلب التصنيفات الائتمانية وارتفاع نسبة الديون للناتج المحلي، وارتفاع نسبة الديون العالمية للناتج الاقتصادي العالمي إلى أكثر من 100% لأول مرة وفق تقرير النظرة المستقبلية الذي أصدره صندوق النقد الدولي ،حيث أكد أن هذه النسبة تتجاوز بكثير ما حدث في عام 2009 أثناء الأزمة المالية العالمية.

ولا شك ان ذلك سيتسبب بأزمات جديدة إذا لم تتدخل الحكومة بتقديم تسهيلات من خلال خفض الضرائب والرسوم وأسعار الخدمات وأن تقوم البنوك المركزية بتقديم تسهيلات وتحفيزات تمويلية متنوعة للشركات والأفراد - كحلول سريعة لعدم تفاقم الأزمة التي قد تتسبب في تقويض بعض الأنظمة التي تفشل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.