العمل التطوعي تضامن مُجتمعي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/نوفمبر/٢٠٢٠ ٠٨:١٠ ص
العمل التطوعي تضامن مُجتمعي

مسقط - الشبيبة

بقلم :محمد الرواس

منذ أن أوجد الله بني آدم في الارض كان للعمل التطوعي في حياة البشر قصص كثيرة وحكايات تضحيات تتحدث عن تكاتفهم وتعاونهم في المجتمعات القديمة والحديثة ، ولان سنن الله في الكون لا تتبدل ولا تتغير ، وفطرة الإنسان وغريزته مجبولة على فعل الخير، وحب ممارسته ، فقد روى لنا التاريخ حكايات عظيمة عن شحذ الإنسان لهِممه من أجل إستدامة حفظه لنفسه ولمجتمعه ، ولمن حوله خاصة عنايته بذوى الاحتياجات والمعسرين منهم.

والعمل التطوعي له مجالاته العديدة وأنشطة كثيرة ، وفي وعصرنا الحديث ظهرت الهيئات والجمعيات الخيرية متعددة المجالات والاعمال، كما قامت الدول لتشارك في دعمها ومساندتها ، لانه أمر ضروري من ضروريات حماية المجتمعات لنفسها ، وصمودها امام الحوادث والكوارث والمتغيرات الطبيعة والبيئية، ويذكر لنا التاريخ أن الصينيون القدماء قد اوجدوا نظام للتطوع لمواجهة أخطار الكوارث فنشأت عندهم فرق تطوعية بالمقاطعات والمدن والقرى الصغيرة ، ومع بزوغ عصر النهضة الحديثة بالغرب تعتبر بريطانيا أول من أسس فرقاً من المتطوعين بطريقة احترافية ، وذلك لمواجهة حريق لندن الذي عرف بالحريق العظيم في سبتمبر عام 1666م ، ولقد ظهر أول عمل منظم تطوعي في العالم بالولايات المتحدة الأمريكية حيث صدر في ديسمبر عام 1737م قانون ينظم العمل التطوعي في مجال إطفاء الحرائق بمدينة نيويورك.

إن العمل التطوعي تجاه المجتمع هو بالأساس عمل إنساني نابع من فطرة حب الخير ومساعدة الأخريين، وهو عمل لا ينُظر فيه للربح ، ولا يقٌدم نظير ممارسته أجر معلوم بل هو عمل نفعي للأخريين دون مقابل ، فهو من أعمال المعروف وإسداء الخير للمجتمع ، والتواصل بين الناس ومنفعتهم ، مما يولد الألفة والمحبة والتكافل فى المجتمع .

ومن الأثارة الحسنة للعمل التطوعي كسب الأجر فى الدنيا والآخرة، وزيادة المحبة والتآلف والتآخي بين الناس ، ونشر فضيلة الرحمة بين إفراد المجتمع الواحد ، وترسيخ مفهوم التكافل والتراحم ، ونتائجه هي القضاء مشاكل العوز والحاجة وتقوية المجتمع وحمايته، كما ينمي الحس الايجابي الاجتماعي التى تنعكس على الفرد المتطوع والمجتمع على حداً سواء من جراء نشر فضيلة العمل التطوعي ، هذا بالإضافة الى أن شخصية المتطوع ترتقي الي مستوى العطاء والايثار والتضحية .

وللعمل التطوعي فى الاسلام الحنيف منزلة ومكانه كبيرة ، فهي عبادة عظمية ، دعا اليها ربنا عزوجل فى محكم آياته البينات ، وحض عليها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم في سنته المباركة، وقام بنفسه صلوات ربي وسلامه عليه بالإعمال التطوعية كونه القدوة والمعلم الأول للمسلمين والإنسانية جمعاء ، إن مجتمعاتنا الإسلامية شهدت منذ فجر الإسلام دعوة وحث كبيرين للعمل التطوعي سواء كان ذاتي بهدف اصلاح الفرد لنفسه ، أو تطوعي بهدف مساعدة الآخرين، ولقد جاءت الآيات الكريمة من المولى عزوجل ، والأحاديث الشريفة من نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام داعية بشكل واضح وصريح للعمل التطوعي وبيان فضله وأجره ، ولقد ذكر الله عز وجل مثال عظيم للعمل التطوعي فقال تعالى فى محكم التنزيل (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ) سورة القصص. ولم يطلب سيدنا موسى عليه السلام أجر أو مقابل جراء عمله من الفتاتين بل سأل الله وقال ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾. وهى حادثة تطوعية بحته، أشار الله تعالى إليها للتدبر والحث على فعل عمل الخير والترغيب فيه ، وهكذا كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يوجه أصحابه ويدربهم على أعمال الخير وينتدبهم لفعل الخيرات ، وقد روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم يكثر فى كلامه عند حاجة البعض للمعونة من قوله : الا رجل ، الا من رجل ، هل من رجل ، الا رجل يضيف هذه الليلة يرحمه الله ، الا رجل يمنح أهل بيت ناقة إن أجرها لعظيم .. ويقصد استنفار اصحابه للعمل الخيري والصدقة والعمل التطوعي .

ومع بداية النهضة المباركة وتولي المغفور له السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - مقاليد الحكم ، فُتحت مجالات العمل الخيري التطوعي المنظم بالسلطنة ، منها جمعيات المراة العُمانية بالسبعينات التي كان لها الريادة والسبق في العمل التطوعي من خلال زيارة منتسبيها للقرى والارياف وتلمسها لاحتياجات الأسر ، بجانب الهيئات والجمعيات الخيرية متعددة الانشطة والمجالات التي ظهرت بعد ذلك ، ولقد كان لإعلان جائزة السلطان قابوس - رحمه الله - للعمل التطوعي ( تطوعي حياة) بالغ الأثر الطيب فى تشجيع العمل التطوعي بالسلطنة وهي دليل قاطع وعلامة بارزة تظهر ألاهتمام بالعمل التطوعي والدعوة إليه وإبراز المجيدين ، فالجائزة بلا شك هي مشروع حضاري رائد يخدم بالدرجة الأولى نشر ثقافة العمل التطوعي ، والحث على تفعيله كعمل إنساني مغروس ومترسخ اصلاً بالشخصية العُمانية المفطورة عليه.

ختاماً نقول إن غرس روح العمل التطوعي وقيّمه المباركة ، وغرس مفاهيمه النبيلة ، واظهار أهميته ، وبيان دوره التنموي بالمجتمع هي مسؤولية الجميع ، بهدف أن ينشأ جيل يعمل على تطبيق ثقافة العمل التطوعي وينشر قيم الإيثار والتضحية فى المجتمع.