لماذا التخوف من المتحدث الرسمي؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٥٥ ص
لماذا  التخوف من المتحدث الرسمي؟

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي تزداد فيه الإشاعات وتلفيق ‏البيانات والتصريحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، وما يشكله ذلك من خطورة في تكوين رأي عام غير مؤيد لبعض السياسات والخطط والإجراءات الحكومية والعامة، وتعزيزا للتواصل مع المجتمع وتضييق الفجوة بين الوزارات والهيئات الحكومية والجماهير بما يسهم في توضيح الكثير من الجهود المبذولة من الحكومة، والرد على بعض الاستفسارات، فإن المتحدث الرسمي أصبح ضرورة في الجهات الحكومية لكي يكون نقطة الوصل بين هذه الجهات والمواطنين والمقيمين عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يتيح المزيد من التفاعل ويردم الهوة بين هذه الجهات والمتعاملين معها، ويفتح آفاقا واسعة في العلاقة بين المواطن والحكومة تقوم على الشفافية والمصارحة والمكاشفة بكل ما يتطلبه العمل الوطني في المرحلة الراهنة والقادمة من تضافر للجهود المشتركة وتغيّرات في مفاهيم العمل الحكومي وانتهاء بدولة الرعاية للأبد، وغيرها من الموضوعات التي من الأهمية توعية الشارع بها ومقتضياتها على كل الأصعدة والمستويات، الأمر الذي يطرح سؤالا لماذا الإحجام عن تعيين متحدثين رسميين في الجهات الحكومية إلى هذا الوقت وعلى كل المستجدات وفي ظل هذه المتغيرات التي تستوجب التعاطي معها بمثل هي عليه من تغييرات جذرية في التعامل، يغذيها تطور التقنية الذي يجعل الكل إعلاميا في فضاءات مفتوحة.
لا شك إن معطيات المرحلة الراهنة يختلف التعاطي معها عن سابقاتها من مراحل مرت بها السلطنة، فهذه المرحلة تتميز بمتغيرات متسارعة أملتها التطورات التكنولوجية التي تفرض علينا مواكبتها بشكل متفاعل، لا التجاهل لما تحمله من مخاطر كبيرة، تتطلب التعامل الواعي والمتسارع معها لمقتضيات العصر التي تفرض ذلك، وهو ما يدعو إلى تسريع خطوات التفاعل وبما يبرز دور الجهات الحكومية في العمل التنموي ويدير الرأي العام بشكل متوازن لا يؤثر على مسار العمل الذي يعمل البعض على التشويش عليه ببعض الممارسات التي إذا صمتنا عنها تصبح واقعا للأسف وتصدقها فئات واسعة في المجتمع المجتمع خاصة الفئات الشابة التي تمثل 60 بالمائة من المجتمع العماني.
فالمتحدث الرسمي جزء من منظومة التفاعل التي يجب أن تحدثها الجهات الحكومية والخاصة في التواصل مع الجمهور، ودحض الإشاعات التي تبث بين وقت وآخر على الوزارات والهيئات الحكومية وغيرها من مؤسسات الدولة، وتنال منها بشيء من السخرية تارة والازدراء تارة أخرى، وتغيب عنهم الجهود المبذولة مرات عديدة وهو ما يحتم عدم ترك الساحة فارغة لمن يرغب أن يسرح فيها طولا وعرضا منكرا ما تحقق ومتجاهلا المنجز، متطاولا على هيبة الدولة، فالمتحدث الرسمي قد يكون جزءا من معادلة التفاعل التي تتطلب أن تولي كل الاهتمام من أجهزة الدولة.
إن مناقشة مجلس الشورى عبر اللجنة الإعلامية هذا الموضوع يعكس إدراك المجلس ومسؤولياته في إيجاد ما يجسر الفجوة ويردم الهوة بين الجهات الحكومية وجماهيرها ويبني علاقة تفاعلية قائمة على التواصل والشفافية التي تجعل الآخرين يثقون في مؤسساتنا ويحترمون نهجها وسياساتها، ولقد تفاعل المشاركون في مؤتمر الإشاعة والإعلام مع مناقشات المؤتمر التي تطرقت لهذه الجزئية بشكل كبير وطالبوا بضرورة أن يكون هناك متحدث رسمي بكل الجهات لكي يكون جسرا بين المواطنين وهذه الجهات، يطلع الرأي العام على كل التطورات ويعقد مؤتمرات صحفية كلما اقتضت الحاجة لها لتبيان الحقيقة أو شرح ملابسات أي تطور أو الرد على أي استفسارات وإلا سوف تزدهر الإشاعات في ظل عدم تدفق البيانات في الوقت المناسب لها من أجهزة الدولة.
فلا نعرف ما هي الموانع التي تحدّ من تعيين متحدث رسمي سواء للحكومة أو لوحدات الدولة بكافة قطاعاتها في التفاعل مع الناس؟، وما الضرر الذي تبرّر به هذا التأخير؟، إذا كان ذلك سوف يسهم في إيجاد التواصل مع الناس ويبرز جهود الدولة ويوضح الحقيقة مرات عديدة، فهل ظهور سوبر مان ربما كمتحدث رسمي في هذه الجهة أو تلك هو المانع؟، أم عدم الشفافية وإبقاء الأمور كما هي راكدة تراوح مكانها في التعاطي في كل ما يهم الدولة والإنسان، تساؤلات تطرح نفسها في ظل عدم التعاطي الإيجابي مع هذا المتغيّر الملحّ في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى.
إن هذه السياسات والتجاهل والتعاطي السلبي لا يمكن أن يصنع رأيا عاما مساندا للتوجهات القادمة ليعلم المسؤولين بأن الوضع اختلف كثيرا، والعقليات يجب أن تختلف كذلك في إدارة الأمور ليس بمنطق التعالي وعدم التفاعل والنزول للأرض من الأبراج، فالمواطن اليوم ذو وعي يفوق المسؤول لكنهم يعاملونه وكأنه في مطلع السبعينات رغم أن الخطاب الإعلامي في تلك الفترة أفضل منه الآن مع مقارنة طبيعة المرحلة ومعطياتها.

بالطبع هناك تفاعل محدود من بعض الجهات على استحياء وبشكل مقتضب إزاء بعض الظواهر والإشاعات والتغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي لكن ذلك غير كاف ما لم توضح الملابسات وتشرح الأسباب وتبرز الحقائق الدقيقة العامة بشكل يلملم الأمور، لكن السواد الأعظم من الجهات مازالت محلك سر كما يقال.
نأمل أن نولي هذا الموضوع كل الاهتمام بإيجاد المتحدث الرسمي، وبلورة توجهات جديدة في التفاعل مع المجتمع ترسم انسيايبة البيانات والمعلومات في أسرع وقت ممكن، فهذا قد يسهم في رسم صورة إيجابية أنصع من الضبابية المشوهة المتولدة لدى الكثير بسبب نقص التفاعل وعدم التعاطي المباشر.